تتحول المزيد من الشركات إلى التكنولوجيا لإنتاج المزيد من العطور الفريدة الأكثر مبيعاً، خلال دقائق معدودة.
ففي العام الماضي، كشفت شركة إنتاج العطور جيفاودن فراغرانس Givaudan Fragrances -ومقرها سويسرا- عن جهاز “كارتو ” الذي يعتمد على الذكاء الاصطناعي لمساعدة مطوري العطور.
وبوسع “كارتو” اقتراح تركيبات مختلفة من المكونات من خلال التعلم الآلي (وهي طريقة تستخدمها الحواسب الآلية للوصول إلى نتائج أفضل بصورة أوتوماتيكية من خلال التعلم من النتائج السابقة).
وعبر شاشة اللمس يستطيع منتج العطور دمج روائح مختلفة، مستخدماً بيانات من مكتبة العطور الخاصة بالماركة، وهي طريقة أكثر فعالية من اللجوء للجداول. وعلى الفور، يقوم روبوت صغير بتحويل الروائح إلى عطور، ما يجعل مهمة اختبار العطور أكثر سهولة.
تقول كاليس بيكر نائبة رئيس الشركة ومديرة مدرسة جيفاودن لتطوير العطور “يتعلق الأمر بإيجاد طريقة توفر المزيد من الوقت لمطور العطور. إذ يصبح بوسع مطوري العطور الاختيار من بين 1500 مكون، وتعبئتها دون لمس المكونات. ويساعد ذلك في ضمان عدم إضاعة الوقت”.
تقول بيكر إن عملية تطوير العطور تقدمت على مدى سنوات وهذه هي الخطوة التالية، ” قبل نحو أربعين عاماً كان مطورو العطور يعملون والمكونات أمامهم، يقومون بسحبها وتدوين أسمائها وكمياتها في ورقة”.
وتضيف أن ثمانينيات القرن الماضي شهدت بدء استخدام الحواسب الآلية وبدأ مطورو العطور في ابتكار تركيبات باستخدام نظام يشبه جداول إكسل Excel، وأنه من بين مميزات “كارتو” أنه يمكن تحضير عينات على الفور، ما يقدم ميزة تنافسية.
مايكروسوفت تقرر “استبدال الصحفيين بالروبوتات”
وتقول بيكر “يمكننا تعديل العطر بشكل مباشر حسب طلب الزبون. إنها ميزة كبيرة ليس فقط لأننا نكسب وقتاً بل أيضاً لأنها توفر حميمية أكثر ونحن نتواصل أثناء استخدام التقنية”.
ماذا كان رد فعل الزبائن؟
تقول بيكر “البعض ممن جربوا الآلية في البداية قالوا إنهم لن يستخدمونها بعد ذلك على الإطلاق، وهذا أمر طبيعي تماماً. لكنها أثارت ردود فعل بين الزبائن الذين كانوا مهتمين بالاطلاع على الابتكارات التي يمكن أن تقدمها”.
بيت العطور الألماني سيمرايز Symrise ذهب لأبعد من ذلك وتعاون مع مركز أبحاث IBM لإنتاج ذكاء اصطناعي حمل اسم فيليرا -نسبة إلى إلهة العطور لدى الإغريق- يقوم بدراسة وصفات العطور وبيانات الزبائن لإنتاج عطور جديدة.
وتم تعليم “فيليرا” وكأنها مطور عطور مبتدئ يحتاج لعشرة أعوام قبل أن ينتج عطور جديدة جذابة.
وعلى غرار “كارتو” لا تستطيع “فيليرا” شم أي شيء، وبدلاً من ذلك فإن عائلات العطور كالزهور والروائح الشرقية والخشبية قد جرى تشفيرها بما يتماشى مع المتطلبات المختفة للمنتجات كالشامبو ومزيل العرق ومرطبات الجسم.
وتلقى الذكاء الاصطناعي أيضاً تعليماً بشأن الكميات المناسبة من كل مكون.
غير أن كلير فيولا نائبة رئيس السياسة الرقمية للعطور في “سيمرايز” تقول إنه لا يخلو من عيوب، وتضيف ” إنه تعلم آلي وفي بعض الأحيان تخرج نتائج خاطئة. مازال مشروعاً، وكلما قمنا باختبارات يستمر التحسن. إنه يحتاج لتدريب مستمر. عليك أن تسجل كل مادة جديدة سيتم استخدامها بحيث يفهم الفرق بين العطور الزهرية والشرقية، على سبيل المثال”.
لكنها تقول إنه كلما زاد التدريب تصبح النتائج أكثر دقة. ” لقد قمنا بتدريبه ليكون كمطور عطور. الآلة لا تنسى أبداً مقارنةً بالإنسان. الجيد هو أن الآلة يمكنها أن تخرج باختيارات وتركيبات مثيرة قد لا تخطر ببالك”.
وبحكم أن الآلة تحتوي على قاعدة بيانات تحوي ما يقرب من مليوني تركيبة روائح فإن إمكانية التوصل إلى عدد أكبر من العطور والتركيبات تعد هائلة. ففي عام 2019 تعاونت شركة مستحضرات التجميل البرازيلية أو بوتيكاريو Boticário مع “سيمرايز” الألمانية في إطلاق أول عطر باستخدام الذكاء الاصطناعي.
هناك شركة أخرى أحدثت ضجة في قطاع إنتاج العطور من خلال إعطاء المستهلكين فرصة اللعب بالتكنولوجيا مباشرة.
ففي بريدا بهولندا تسمح شركة سكنترونكس ScenTronix للمستهلكين بابتكار عطرهم الخاص بناء على استبيان يجيبون عليه بينما يسيرون في متجر “ألغوميتريك برفميوري” Algorithmic Perfumery . ومن خلال الإجابة على أسئلة من قبيل كيف تنظر لدورك في الحياة، وما طبيعة البيئة التي نشأت فيها، تقوم اللوغاريتمات بتحليل البيانات وابتكار عطور فريدة للمستهلك في غضون سبع دقائق. يمكن للمستهلك شراء خمس عينات بثلاثين يورو (نحو 26 جنيه إسترليني).
هل يؤدي فيروس كورونا إلى تسريع وتيرة إحلال الروبوتات محل العمالة البشرية؟
يقول فريدريك دورينك أحد مؤسسي سكنترونكس إنه يريد أن يعطي الناس فرصة استخدام العطور التي تعكس مزاجهم في اللحظة الحالية، ويضيف “صناعة العطور تعتمد إلى حد كبير على العلامات التجارية وتحديد هوية الأشخاص بناء عليها، لذا أعتقد أنها فكرة جيدة أن نحدث تغييراً في الديناميكية بحيث يصبح العطر تعبيراً عنك وليس عن العلامة التجارية”.
ويتفق دورينك مع فكرة أن هناك عائقاً نفسيا، إذ أن الناس غير معتادين على دفع مال لشراء عطر لا يستطيعون تجربته قبل انتاجه. لكنه يقول إنهم يحاولون تذليل هذه العقبة بوجود شخص في الموقع لمساعدة الزبائن. ويضيف “رغم أن النتيجة تكون مناسبة في 75 بالمئة من الحالات، فإن لدينا دوماً شخصاً مختصاً لتقديم المساعدة”.
مارجو كارون محللة مستحضرات التجميل والعطور في شركة مينتل Mintel تعتقد أن الذكاء الاصطناعي أداة فعالة لتحضير عطور أصلية. وتقول “إن أجهزة الذكاء الاصطناعي لا تقوم فقط بتحديد المساحات الشمية البيضاء بل تزيد كذلك من سرعة إنتاج العطور بشكل هائل”.
“في بعض الأحيان يُنظر إلى التكنولوجيا والعلوم على أنها باردة وعقلانية، لكن صناعة العطور تمنحها منظوراً دافئاً، عاطفياً وعقلانيا. والشراكة بين الذكاء الاصطناعي ومطوري العطور ترتكز على هذه الفلسفة”.
نظام ذكاء اصطناعي يقرأ لغة الشفاه “أفضل من البشر”
إذن، هل ينذر دخول التكنولوجيا بنهاية عهد مطوري العطور من البشر؟
الإجابة لا، بحسب من تحدثت إليهم.
تقول بيكر “لن استغني عن دور مطور العطور، الكومبيوتر لا يمكنه أن ينتج أفكاراً رائعة، لكن يمكنه أن يساعد في تنفيذها”.
وتتفق معها فيولا مضيفة أن الذكاء الاصطناعي يمثل دعماً إضافيا، ويسمح لهم بإجراء المزيد من التجارب، قائلة “لا يعني الاستغناء عن مطور العطور، وإنما مساعدته ليكون أكثر سرعة وابتكارا، ويحرره من المهام الرتيبة. سيظل الأمر يبدأ وينتهي عند مطور العطور. هم من يملكون الحدس والعاطفة والشعور، ويوجهون الآلة لتحقيق نتائج أفضل”.
وفي الوقت الحالي على الأقل، كما تقول فيولا ” هو تعاون بين الإنسان والآلة”.