Reuters
الدخان يتصاعد في سماء أديس أبابا عقب احتجاجات الثلاثاء
قتل أكثر من 80 شخصا في يومين من الاحتجاجات في إثيوبيا أعقبت اغتيال المغني الشهير هاشالو هونديسا.
وكان هونديسا البالغ من العمر 34 عاما قد برز كصوت سياسي قوي لشعب الأورومو، مما خلق له الكثيرمن الأعداء أثناء مسيرته الفنية.
وألقت السلطات القبض على شخصين مشتبه بهما بعد مقتله أثناء قيادته سيارته في العاصمة أديس أبابا مساء الإثنين الماضي.
لكن الشرطة لم تذكر إلى الآن الدافع وراء عملية الاغتيال ولم توجه أي تهم إلى المشتبه بهما.
وشيّع جثمان هونديسا إلى مثواه الأخير اليوم الخميس.
ويكتب بيكيلي أتوما من خدمة بي بي سي بلغة الأورومو عن الفنان الذي كان شوكة في عيون حكومات إثيوبية متعاقبة.
أصبح هاشالو هونديسا، السجين السياسي السابق الذي نشأ راعيا للمواشي، واحدا من ألمع النجوم في سماء الموسيقى الأثيوبية. وكانت أغانيه التي تتغنى بالحب والحرية السياسية والتي كان يصيغ كلماتها بيسر في موسيقاه تطرب وتلهم المعجبين به.
كان والد هاشالو، الذي كان يعمل في شركة الكهرباء في مدينة أمبو، يطمح إلى أن يصبح ابنه طبيبا. ولكن هاشالو لم تكن له مثل تلك التطلعات.
وكان هاشالو، ومنذ نعومة أظفاره، يبدي حماسا ملحوظا وشغفا بالموسيقى والغناء. وكانت والدته تشجعه على المضي قدما في هذا المسعى عندما كان يرعى الماشية في مزرعة الأسرة الواقعة في تخوم مدينة أمبو في منطقة أوروميا – معقل شعب الأورومو، كبرى المجموعات الإثنية في إثيوبيا.
وكان هاشالو قد قال في مقابلة أجرتها معه بي بي سي في عام 2017، “كنت أغني كل ما يأتي في بالي”.
السجن لسنوات خمس
ولد هاشالو – وهو واحد من 8 أشقاء وشقيقات – في عام 1986 في مدينة أمبو التي تقع على مسافة 100 كيلومترا إلى الغرب من أديس أبابا.
وكانت أمبو تقع آنذاك في مقدمة الحملة التي يخوضها شعب الأورومو من أجل الحكم الذاتي في بلد يشعرون فيه بالتهميش والاضطهاد من قبل حكومة كانت تحظر الحركات المعارضة وتسجن المنتقدين.
وتلقى هاشالو تعليمه في أمبو، وانضم إلى مجموعات طلابية كانت تنادي بالحرية.
وعندما كان يبلغ الـ 17 من عمره في عام 2003، سجن هاشالو لمدة خمس سنوات لنشاطاته السياسية.
وكان والده يرفع معنوياته وهو في السجن، إذ كان يقول له أثناء زياراته له “إن السجن يزيد الرجال قوة”.
أصبح هاشالو أكثر تسييسا وهو في السجن، إذ ازداد وعيه بتاريخ إثيوبيا بما في ذلك تاريخ حكامها من أباطرة ومتسلطين.
كما تمكن من تطوير قدراته الموسيقية عندما كان نزيل السجن في أمبو.
وقال في المقابلة التي أجرتها معه بي بي سي في 2017، “لم أكن أعرف كيفية كتابة الكلمات وصياغة الألحان إلى أن أودعت خلف القضبان. تعلمت كل ذلك في السجن”.
وقد ألّف هاشالو تسع أغان وأطلق أولى ألبوماته الذي كان يحمل عنوان (سباق الملك) في عام 2009، بعد عام واحد من إطلاق سراحه.
رفض المنفى
تحوّل هاشالو بفضل ذلك الألبوم إلى نجم موسيقي ورمز سياسي لتطلعات شعب الأورومو.
ولكنه قلّل من أهمية دوره السياسي، إذ قال “لست سياسيا. أنا فنان، والغناء حول معاناة شعبي لا يجعلني سياسيا”.
وكان الكثيرون من الفنانين والناشطين قد فروا إلى المنافي خوفا من الاضطهاد من قبل أنظمة الحكم المتعاقبة التي كان يقودها كل من رئيس الحكومة ميليس زيناوي وخلفه هايليماريام ديسالين. لكن هاشالو آثر البقاء في إثيوبيا وكان يشجع الشباب على الدفاع عن حقوقهم.
وتروي واحدة من أغانيه قصة وقوعه في حب فتاة كانت فخورة بهويتها ومستعدة للموت في سبيل تلك الهوية.
“محاربون وفرسان يتحلون بالشهامة“
أصدر هاشالو ثاني ألبوماته، (معاناتنا) في عام 2013 عندما كان يحيي سلسلة من الحفلات في الولايات المتحدة. وأصبح الألبوم الأكثر مبيعا في موقع أمازون في ذلك الحين.
وبعد عامين، أصدر أغنية (ما هو وجودي) المؤثرة التي كانت تتعلق بطرد أفراد شعب الأورومو من أديس أبابا والمناطق المحيطة بها وذلك بعد أن قررت الحكومة توسيع حدود العاصمة.
فبالنسبة لهاشالو، أثبت طرد الأورومو من محيط العاصمة في عام 2015 أن التاريخ يعيد نفسه.
وكان هاشالو يؤمن بما يقوله مؤرخو الأورومو من أن المدينة المعروفة الآن بأديس أبابا كانت يوما موطنا لعشائر تولاما العائدة لشعب أورومو، والذين طردوا منها من قبل الإمبراطور مينيليك الثاني.
وأثار هاشالو غضب محبي ومؤيدي الإمبراطور في حزيران/ يونيو بعد أن اتهم مينيليك الثاني بسرقة خيل الأورومو – الذين ينظرون إلى أنفسهم بوصفهم محاربين وفرسان يتحلون بالشهامة – عندما استولى على أديس أبابا وجعلها عاصمة لملكه في عام 1886.
وتحولت أغاني هاشالو إلى أناشيد تتغنى بها حركة الاحتجاج التي انطلقت في عام 2015 للمطالبة بوقف عمليات ترحيل الأورومو.
وأصدر هاشالو أغنية أخرى في عام 2017 في وقت كان يشهد تصعيدا في الاحتجاجات.
وأنشد هاشالو قائلا – وسط هتافات معجبيه – “لا تنتظروا العون من الخارج، فهذا حلم لن يتحقق. انهضوا، وجهزوا خيلكم للقتال، فأنتم الأقرب إلى القصر”.
BBC
خارطة أثيوبيا
“كان مغنيا شجاعا”
تصاعدت الاحتجاجات وتحولت إلى حملة كبرى للمطالبة بحريات سياسية أوسع. وتكللت الحملة بتعيين آبي أحمد كأول فرد من شعب الأورومو رئيسا للوزراء في عام 2018. ووعد آبي بإطلاق سراح كل المعتقلين السياسيين ورفع الحظر عن الحركات المعارضة وإجراء انتخابات ديمقراطية.
وبعد شهرين من تسلم آبي منصبه الجديد، دعت الحكومة هاشالو لإحياء حفل يقام على شرف الرئيس الإرتيري أسياس أفورقي الذي كان يقوم بزيارة إلى إثيوبيا هي الأولى منذ وضعت الحرب الحدودية بين البلدين أوزارها.
أثبت هاشالو في ذلك الحفل بأنه لم يتخل عن استقلاليته وشجاعته، فقد غنى عن ضرورة تحقيق العدالة للناس الذين فقدوا أرواحهم في القتال الذي جرى في شرقي إثيوبيا بين الأورومو والصوماليين، وتساءل عن صحة إقامة الحفل بينما تؤبن الأسر موتاها.
وانتقده مسؤولون حكوميون لاحقا لأدائه أغان “غير مناسبة”، ولكن ما جرى في ذلك الحفل زاد من شعبيته.
ورغم أنه كان يغني بلغة الأفان أورومو حصرا، كانت أغانيه – وخصوصا الأغاني التي تدعو إلى المزيد من الحريات السياسية في إثيوبيا – سببا في جذبه للمعجبين من كل المجموعات الإثنية في البلاد.
كان هاشالو يقيم في أديس أبابا، التي قتل فيها مساء الإثنين.
BBC
وبينما لم يتضح إلى الآن دافع الجريمة، كان هاشالو يتحدث مرارا عن تسلمه تهديدات بالقتل من أناس يختلفون معه سياسيا.
وكان قد قال قبل سنوات ثلاث “الموسيقى هي حياتي، وقد جلبت لي أصدقاء وأعداء. ولكنها تظل أداة أستخدمها للتحدث بإسم شعبي، وهي أداة أستخدمها للتعبير عن مشاعري”.
ونزل مؤيدوه إلى الشوارع في العديد من المدن والبلدات احتجاجا على مقتله، مما أدى إلى إشتباكات مع قوات الأمن أسفرت عن مقتل 50 شخصا على الأقل واعتقال أكثر من 30 بمن فيهم السياسي الأوروموي البارز جاوار محمد.
وهتف بعض من مؤيديه وهم يرفعون أعلام الأورومو “سنتحرر يوما ما، دمك لم يهدر سدى”.
وترك هاشالو وراءه زوجته فانتو ديميسي التي اقترن بها قبل عشر سنوات، وابنتيهما.