نهضة مصر أم مصر تنهض: جدل حول التباين بين التمثالين يمتد لنقاش حول الواقع المصري

تمثال مصر تنهض (إلى اليمين) و نهضة مصر (إلى اليسار)

BBC

لا يخفي المصريون فخرهم بالآثار والتماثيل المترامية في ميادين مدنهم الكبيرة والأثرية، فهم يعتبرونها خير شاهد على عظمة تاريخهم.

وفي كل مرة يٌكشف فيها الستار عن تمثال جديد، تنبري أقلام المثقفين ورواد مواقع التواصل الاجتماعي في تقييمه وإبراز مكامن الجمال والنقص فيه.

وعادة ما تنتهي تلك النقاشات والتعليقات بمقارنة بين التمثال الجديد وغيره من النصب التاريخية، وهو ما حدث مع تمثال “مصر تنهض” الذي استوقف اهتمام فنانين تشكيلين ومغردين على حد سواء.

انتقادات لتمثال “مصر تنهض”

انطلق النقاش والجدل حول التمثال، بعدما نشر النحات أحمد عبد الكريم عبدالنبي صورة على صفحته الشخصية لتمثال في طور الإنجاز.

وتظهر الصور المنتشرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي تمثالا أبيض يحاكي شكل امرأة بزي فرعوني أو فلاحة بثوب تقليدي، في حين بدا رأسها ملتويا وبطنها منفوخا.

ويبدو أن النحات أراد من خلال تمثال المرأة أن يرمز إلى مصر، إلا أن عمله قوبل بانتقادات واسعة وسخرية عارمة عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

فقد تهكم مغردون على شكل التمثال واستنكروا تسميته بـ”مصر تنهض”.

تماثيل أجدادنا العظامعندما ينطق الجمال و يخترق جدار الصمت صرخات الأعجاب وعندما تنظر الى الجماد فتراه يكلمك وبريق…

Posted by Mostafa Rahma on Sunday, August 2, 2020

وقارنوه بتمثال “نهضة مصر” الذي شيده الفنان الراحل محمود مختار في عام 1920، قائلين إن “الفرق بينهما لخص حالة الانحدار التي تعيشها مصر في مختلف المجالات”.

فعلق أحدهم :”الحقيقة هذا التمثال معبّر جدا عن حال مصر بصورة كبيرة، مصر الواقع، مش مصر الموجودة في الخيال والأشعار والأغاني”.

إنحدار الذوق المصري من نهضة مصر حيث يد الفلاحة على رأس الأسد أبو الهول ، إلى مصر تنهض حيث اليد على القولون المستعرض من…

Posted by Khaled Montaser on Sunday, August 2, 2020

وأهاب البعض بوزارة الثقافة والمهتمين بالشأن الفني التدخل لإيقاف ما سموه بالمهزلة الفنية”.

تمثال نهضة مصر في 1920 وتمثال مصر تنهض في 2020. علامة الانحدار في المستوى حتى في فن النحت pic.twitter.com/AT0uoL7wMg

— سليم عزوز (@selimazouz1) August 2, 2020

ما بين نهضة مصر ومصر تنهض!الحقيقة التمثال اللي ظهر امبارح على السوشيال ميديا بأسم “مصر تنهض” وبجانبه صانعه يقف بكل فخر…

Posted by Michael Nazih Zaki on Sunday, August 2, 2020

هذا التمثال ليس اعلان عن بضاعة في (الموسكي) ولا سوق الثلاثاء، لسبب بسيط ان البضاعة هناك ارقي من ذلك لان صاحب التمثال مثل…

Posted by Sayed Hewedy on Sunday, August 2, 2020

النحات يوضح

من جهته، حذف النحات منشوره الأصلي عقب الانتقادات التي طالته.

وقال في مقطع فيديو إن “التمثال لا علاقة له بوزارة الثقافة أو المجلس الأعلى للثقافة، وهو اجتهاد شخصي منه”،

وتابع أن العمل به بعض الأخطاء الفنية المتعلقة بالنسب والكتل، لكنها أخطاء واردة لعدم اكتمال التمثال” مضيفا بأنه لم يسع إلى محاكاة تمثال “نهضة مصر” لأن فكرته مختلفة تماما”.

وأشار النحات إلى أن فكرة التمثال تصور سيدة تتحرر من القيود، وتنهض من بين الركام.

وأعرب الفنان عن حزنه الشديد من الهجوم الذي تعرض له قائلا “هناك فرق كبير بين النقد والإهانة”.

وأكد عزمه على استكمال التمثال “حتى يخرج بشكل لائق”.

‏‎في البدايه احب ان اوضح وبتفهم كامل غيرة الفنانين المصرين وبالاخص النحاتين علي مصر و فن النحت العريق وكما احب ان انوه…

Posted by Ahmed Abd Elkreem on Sunday, August 2, 2020

“تماثيل مشوهة”

وبينما أعلن البعض مساندتهم للفنان مستنكرين “حملة التنمر” التي استهدفته، استمر آخرون في نقده وراحوا يرصدون مجموعة تماثيل يقولون إنها مليئة بالتشوهات ولا تستدعي سوى الحسرة والسخرية.

ففي عام 2015 صدم مواطنون في مدينة أسوان بتماثيل يرمز للكاتب الشهير عباس محمود العقاد و في القاهرة بتمثال للموسيقار محمد عبد الوهاب.

#ياخبر| محافظ القاهرة يأمر بإعادة تمثال الفنان الراحل محمد عبد الوهاب إلى صورته المثلى pic.twitter.com/99LFAboeys

— Ya5abar | ياخبر (@Ya5abar) March 6, 2016

#اليوم_السابع | تمثال عباس محمود العقاد.. من فاروق إبراهيم لتشويه موظفى المحليات https://t.co/KDtMXLYn3c pic.twitter.com/i9oLkuAtMS

— اليوم السابع (@youm7) November 8, 2015

وتكرر المشهد ذاته في 2016، عندما صدم مواطنون في محافظة المنيا بتمثال للملكة نفرتيتي يتخلف تماما عن الصورة المعروفة للتمثال الأصلي للملكة الفرعونية.

وقد تحول التمثال آنذاك إلى قضية رأي عام مما دفع الحكومة للتدخل وتكليف فنان تشكيلي بإعادة نحته.

تطور فن النحت في مصر القديمة والحديثة

اليسار -تمثال نفرتيتي قبل ٣٣٥٠ سنة –
اليمين -تمثال نفرتيتي حاليا pic.twitter.com/mMFvMv2Wou

— د.عصام الصالح (@Q8demo) April 16, 2020

فاكرين تمثال راس نفرتيتي الفضيحة اللي كان في مدخل مدينة سمالوط، واللي الدنيا كلها اتريقت عليه -وكان يستاهل بصراحة!
طلبة فنون جميلة عملوا قطعة جميلة عبارة عن راس نفرتيتي برضه، لكن طبعاً بالمقاييس السليمة واللمسة الفنية الحقيقية، واتحطت في (ذات نفس) المكان..

– شجعوا من يستحق .. pic.twitter.com/xPAqUXHqVK

— مُحَمَّد الخُزَامَى (@Alkhouzami) September 28, 2018

تمثال “نهضة مصر” وثورة 1919

ما إن تطأ قدمك القاهرة الخديوية حتى تعترضك واجهات بنايات فخمة يميزها طابع البروك الأوروبي، وستصادفك تماثيل ترمز لأعلام وحقب مختلفة من تاريخ مصر الثري.

وعندما تحث الخطى نحو “جامعة القاهرة”، أحد أهم صروح المعمارية في مصر الحديثة، فلا بد أن يقع نظرك على تمثال “نهضة مصر”.

يجسد التمثال فتاة مصرية تقف شامخة بجانب تمثال لأبي الهول وتضع يدها اليمنى على رأسه فيما تضع كف يدها اليسرى على جبينها وكأنها تستشرف المستقبل.

شيد ذلك التمثال بأنامل محلية خالصة، فهو للفنان الراحل محمود مختار الذي يعد أبرز نحاتي مصر في القرن العشرين.

ينتمي مختار إلى جيل النهضة الذي برزت فيه كوكبة من ألمع الفنانين والكتاب والسياسيين، فأبدع كغيره من أبناء جيله في إخراج تحف وأعمال أبهرت العالم.

ويعتبر تمثال “نهضة مصر” المصنوع من حجر الجرانيت، أبرز أعماله وأشهرها على الإطلاق.

اكتسب التمثال قيمة رمزية، إذ يعد أبلغ تعبير عن آمال وتطلعات المصريين عقب ثورة 1919.

ففي تلك السنة اندلعت سلسلة مظاهرات بقيادة حزب الوفد، الذي كان يرأسه سعد زغلول، احتجاجا على الاحتلال البريطاني وسياسات الأسرة الحاكمة.

فجاء تمثال النهضة ليجسد ثورة الشعب التي مثلها النحات في هيئة فلاحة مصرية وكأنه ينتفض بهذا التمثال على توجهات الأسرة الملكية التي اكتفت ببناء تماثيل تمجد أبناءها وأصحاب الطبقة المخملية، وفق ما ذكرته تعليقات البعض.

محمود مختار فنان مبدع
ويشهـد تمثال نهـضة مصر من القرن ١٩ لكنه مازال آية فى الجمال pic.twitter.com/BK8CAg0B2f

— Aya Abd El-Wahed | ايهـ (@Noteatos) August 2, 2020