مقامرة كورونا في مصر

هناك نوعان من الاختبارات الخاصة بفيروس كورونا، الأول هو اختبار المسحة الطبية PCR، والثاني هو اختبار الأجسام المضادة السريع .

BBC

هناك نوعان من الاختبارات الخاصة بفيروس كورونا، الأول هو اختبار المسحة الطبية PCR، والثاني هو اختبار الأجسام المضادة السريع .

 

بخطوات بطيئة تحرك أحمد في صالة الوصول بالمطار متجها نحو الأماكن المخصصة لوحدة الحجر الصحي لقياس درجة الحرارة وإجراء الاختبار السريع للأجسام المضادة لفيروس كورونا، وذلك ضمن الاجراءات الاحترازية التي فرضتها السلطات المصرية على القادمين إلى مصر.

أحمد الشربتلي هو أحد المصريين العائدين من الخارج ضمن رحلات طيران استثنائية سمحت بها القاهرة لعودة العالقين بعد توقف حركة الطيران وإغلاق المطارات.

مع بداية شهر مارس/ آذار الماضي وبعد انتشار حالات الإصابة بفيروس كورونا حول العالم، أغلقت العديد من الدول مطاراتها، لكن السلطات المصرية وجدت وسيلة أخرى لتأجيل تلك الخطوة، إذ أعلنت وزيرة الصحة المصرية، هالة زايد، في مؤتمر صحفي أن القاهرة تعاقدت لشراء 250 ألف وحدة اختبار سريع ستُستخدم في المطارات على القادمين إلى مصر ولا سيما من الدول التي بها انتشار كثيف للفيروس.

 

وبعد قرار مصر إغلاق المطارات في 19 مارس/ آذار الماضي ، استُخدمت تلك الاختبارات على المصريين العائدين من الخارج.

وهناك نوعان من الاختبارات الخاصة بفيروس كورونا، الأول هو اختبار المسحة الطبية PCR ويكون عن طريق مسحة من الأنف أو الفم ويكشف إذا ما كان الشخص مصابا بالفيروس حاليا، وتظهر نتيجته في خلال يوم أو يومين.

والثاني هو اختبار الأجسام المضادة السريع ويجري عن طريق عينة صفيرة من الدم ويكشف ما إذا كان الشخص تعرض للإصابة في الماضي، وتظهر نتيجته خلال نصف ساعة. وهذا الأخير هو ما اشترته مصر لاستخدامه في المطارات.

كان أحمد يشعر بالتعب والصداع المستمر منذ كان بالطائرة، لذا انتظر نتيجة الاختبار السريع بشيء من القلق حيث تُحدد وجهته بعد المطار بناء عليها، إذا جاءت سلبية فسيتوجه لعزل إجباري فرضته السلطات بداية من أبريل، على كافة العائدين، مدة أسبوعين في أحد الفنادق بعدها يمكنه الذهاب إلى أسرته، أما إذا كانت النتيجة إيجابية فسيُحول لمستشفى الحجر الصحي لإجراء اختبار المسحة الطبية PCR.

ظهرت نتيجة الاختبار سلبية، لكن ما إن وصل الفندق حتى ساءت حالته.

السلطات المصرية أعلنت أنها تعاقدت على شراء 250 ألف وحدة اختبار سريع ستُستخدم في المطارات على القادمين إلى مصر خاصة من الدول التي بها انتشار كثيف للفيروس.BBC

السلطات المصرية أعلنت أنها تعاقدت على شراء 250 ألف وحدة اختبار سريع ستُستخدم في المطارات على القادمين إلى مصر خاصة من الدول التي بها انتشار كثيف للفيروس.

يقول أحمد: “اتصلت بإدارة الحجر الصحي في الفندق وأخبرتهم أنني أشعر بأعراض كتلك الخاصة بكورونا، لكنهم أخبروني أنه لا داعي للقلق فكل القادمين من المطار للفندق لا يحملون الفيروس لأن نتيجة الاختبار السريع كانت سلبية”.

حاول أحمد أن يطمئن نفسه ولكنه أخبر الشخص الذي يشاركه غرفة الفندق أن يأخذ حذره.

بعد عدة أيام، طالب بإعادة فحصه باختبار المسحة الطبية PCR، فجاءت النتيجة إيجابية وهو ما استدعى إجراء تحليل آخر لزميله في الغرفة وتبين انتقال الفيروس إليه أيضا وحُولا للمستشفى للعلاج.

تواصلت بي بي سي عربي مع طبيب عمل بوحدة الحجر الصحي بأحد المطارات المصرية – وقد أخفينا هويته حفاظاً على سلامته، الذي أكد أن الاختبار السريع للأجسام المضادة أثار الشكوك حول دقته منذ بداية استخدامه.

خريطة انتشار فيروس كورونا وأحدث الأرقام المسجّلة

الصحة العالمية تحذر من عدم وجود “حل سحري” لوباء كورونا

يقول الطبيب إن اختبار الأجسام المضادة كان يجب ألا يستخدم بهذه الطريقة كحائط دفاع لمنع دخول الفيروس للبلاد، إذ أعطى نتائج غير دقيقة.

“لم يكن منطقيا بالنسبة لي أن أفحص 300 راكب بالاختبار السريع، وتأتي كافة النتائج سلبية بالرغم من أنهم قادمون من مدينة ميلانو بإيطاليا التي كانت بؤرة وباء كورونا في هذا الوقت” أضاف الطبيب.

من جانبها أظهرت الحكومة المصرية ثقتها في هذا الاختبار السريع، إذ نشرت في مننتصف مارس/ آذار الماضي فيديو يظهر إجراء فحص بالاختبار السريع للوزراء قبل اجتماع الحكومة.

على الجانب الآخر، خلال مؤتمر صحفي، كان مايكل ريان، المدير التنفيذي لبرنامج الطوارئ الصحية بمنظمة الصحة العالمية، يُحذر الحكومات من الإعتماد على الاختبار السريع كأداة لكشف الإصابات الحالية بالفيروس، قائلا إن “اختبارات الأجسام المضادة لا تختبر ولا تكشف الفيروس. ما تفعله هو أنها تكشف رد فعل مناعتك تجاه الفيروس ويتطلب بناء رد فعل مناعي تام أياماً وأسابيع”.

egyptReuters

مع نهاية أبريل/ نيسان، قالت وزارة الصحة المصرية إنها أجرت أكثر من 200 ألف اختبار أجسام مضادة سريع

لكن مصر استمرت في استخدام الاختبار السريع بطريقة خاطئة، إذ نشرت فيديو يوضح الاجراءات الاحترازية التي تتبعها مع القادمين إلى مصر في المطارات وهي الكشف عن الحرارة وإجراء اختبار الأجسام المضادة السريع.

لم تُعلن الحكومة المصرية عن أي تفاصيل خاصة بتلك الصفقة ولا اسم الشركة المصنعة أو البلد المنتجة. لذا بدأنا في البحث.

أعاد سفير مصر في كندا، أحمد أبو زيد، نشر فيديو فحص الوزراء بالاختبار السريع، في تغريدة عبر حسابه على موقع تويتر، وكتب أنه تم استيراد أحدث الاختبارات السريعة من كندا، لكنه لم يُذكر اسم الشركة المصنعة.

لكن بتحليل الفيديو الذي عرضته الحكومة المصرية لاستخدام اختبارات الأجسام المضادة السريعة في مطار القاهرة الدولي، وجدنا اسما على الصناديق، وهو أرترون لابوراتوريز.

ما هي الأكلات المميزة لعيد الأضحى في بلادنا؟

أرترون شركة كندية متخصصة في اختبارات التشخيص المتعلقة بمجموعة متنوعة من الأمراض، اختبار الأجسام المضادة السريع الذي باعته لمصر هو أحد أحدث منتجاتها.

وجدنا أن هذا الاختبار مايزال قيد المراجعة من قبل الهيئة الصحية التنظيمية الكندية، مما يعني أنه غير مرخص للاستخدام في كندا ولكن يمكن تصديره.

وحتى الآن، لم يتم ترخيص الاختبار من قبل أي جهة صحية تنظيمية أخرى حول العالم.

أبلغت أرترون لابوراتوريز بي بي سي بأن لديها ثقة كبيرة في اختبارها المستخدم حول العالم، وأضافت بأنه يمكن أن يساعد “في تحديد الأشخاص الذين تولدت لديهم أجسام مضادة ورد فعل مناعي للفيروس. ويساعد في معرفة من سبق له التعرض للفيروس”.

وتقول أرترون لابوراتوريز بأن هذا الاختبار يجب أن يستخدم لكشف إذا ما كنت قد تعرضت للفيروس سابقاً، وليس لكشف إذا ما كنت حاملاً للفيروس الآن، كما كانت تفعل مصر.

العراق يعلق رحلات الطيران إلى تركيا بعد قرار مماثل لأنقرة “لمنع انتشار فيروس كورونا”

بحثنا في قاعدة بيانات التجارة الدولية الكندية، وجدنا أن مصر في مارس/ آذار / آذار أنفقت 1.6 مليون دولار على مستلزمات طبية خاصة بفيروس كورونا استوردتها من كندا، منها أكثر من مليون ونصف المليون دولار على وحدات الاختبار السريع.

في 30 مارس/ آذار، نشرت القوات المسلحة المصرية فيديو يظهر طائرة شحن عسكرية تحمل مستلزمات طبية استوردتها مصر لمكافحة فيروس كورونا، لكن لم يتم ذكر من أين تم استيرادها.

عندما حللنا صور تلك الشحنة، كانت هناك أعلام كندية ومصرية على الصناديق، وباستخدام مواقع بيانات تعقب الطائرات العسكرية ومواقع هواة مراقبة الطائرات تأكدنا أن هذه الطائرة كانت في تورونتو بكندا قبل ذلك بيومين.

مع بداية شهر أبريل الماضي وتزايد أعداد الإصابات بفيروس كورونا حول العالم، ورغم تحذيرات مسؤولي منظمة الصحة العالمية من استخدام الاختبار السريع لكشف الفيروس، لم تكتف مصر باستخدام اختبار الأجسام المضادة في المطارات ولكن بدأت في استخدامه لفحص الطواقم الطبية في المستشفيات، حيث أصدرت تعليمات تنص على ضرورة اجراء تلك الاختبارت قبل خروجهم من المستشفى وإذا كانت النتيجة إيجابية فقط عندها يتم اجراء اختبار المسحة الطبية بي سي آر.

أثارت تلك التعليمات الجديدة غضب الطواقم الطبية الذين طالبوا باختبار المسحة الطبية عند انتهاء نوبات عملهم، هشية انتقال الفيروس إليهم ومن ثم إلى أسرهم.

تحدثت بي بي سي هاتفياً مع طبيب يعمل في مستشفى كبير خارج القاهرة، وافق على التحدث إلينا شريطة عدم الكشف عن هويته.

يقول الطبيب “أنا وأربعة من زملائي بالمستشفى شعرنا بارتفاع درجة الحرارة والسعال، وعندما ذهبنا إلى مسؤول الاختبارات وطبنا فحصنا بالمسحة الطبية بي سي آر، رفض وأصر على اجراء الاختبار السريع وطبقا للنتيجة يتم تحديد اختبار المسحة”

جاءت نتيجة الأطباء الخمس سلبية، ورفض طلبهم في اختبار المسحة الطبية، عاد الأطباء إلى منازلهم ولكن أحدهم بقي وأصر على اختبار المسحة الطبية PCR، وجاءت نتيجته إيجابية.

بعد يومين، علم بقية الأطباء بذلك، فعادوا إلى المستشفى وأصروا على إجراء اختبار المسحة الطبية PCR لهم أيضاً، وظهرت نتائجهم جميعا إيجابية.

“كنا في منازلنا ومع عائلاتنا خلال ذلك الوقت. أنا كنت بالمنزل وفي تواصل مستمر مع شقيقتيَّ وأبي” يضيف الطبيب.

ظهرت نتائج جميع أفراد عائلاتهم إيجابية ونقلوا إلى المستشفى للعلاج.

مع نهاية أبريل/ نيسان، قالت وزارة الصحة المصرية إنها أجرت أكثر من 200 ألف اختبار أجسام مضادة سريع.

لكن نقابة أطباء مصر، وهي الجهة التي تمثل العاملين في الرعاية الصحية، حذرت في رسالتها إلى الحكومة، أن هذه الاختبارت غير دقيقة وأن الاعتماد عليها يساعد في انتشار الفيروس بين الطواقم الطبية أسرهم والمجتمع.

الدكتور إبراهيم الزيات هو أحد أعضاء مجلس نقابة أطباء مصر، قال لبي بي سي، إن الحكومة تجاهلت المخاوف التي عبرت عنها الطواقم الطبية.

يقول “في الحقيقة هذا اختبار غير كاشف لأنه يعطي نتائج كاذبة كثيرة جداً سواء سلباً أم إيجاباً، فلا يمكننا أن نعتمد عليه في فحص المخالطين من الفريق الطبي”

مضيفا “يجب إجراء مسحات طبية، مسحات بالبي سي آر، وعزل لفترة حوالي 14 يوماً بعد انتهاء العمل. كان الهدف من ذلك هو الحيلولة دون تعرض الفريق الطبي لأي نوع من الإصابات ولكي لا يكون الفريق الطبي عند مغادرته ناقلاً للمرض لأسرته وللمجتمع المحيط به”.

ولكن رغم هذه المخاوف أصرت وزارة الصحة المصرية على استخدام اختبار الأجسام المضادة.

حسب القانون المصري، يجب تسجيل كافة عقود وزارات الحكومة في قاعدة بيانات التعاقدات العامة المصرية، لكن لم يكن هناك سجل أو إشارة للصفقة بين وزارة الصحة وشركة أرترون لابوراتوريز.

حصلت بي بي سي عربي على صور وأشرطة فيديو تظهر وحدات اختبار أرترون لابوراتوريز تستخدم في المستشفيات في عموم مصر. على الصناديق وجدنا اسم شركة جديدة هي أتش في دي لايف ساينسز.

إنها موزع عالمي للمستلزمات الطبية واختبارت التشخيص، كانت الراعي الذهبي ألأعلى لمؤتمر إيجي هيلث الطبي في مصر عام 2019.

عبر صفحتها على فيس بوك، نشرت اتش في دي منشورا، بأنها استوردت وحدات الاختبار السريع إلى مصر لصالح وزارة الصحة.

وفي قاعدة بيانات التعاقدات العامة المصرية، وجدنا أن أتش في دي لايف ساينسيز لم تفز في الماضي سوى بعقدين حكوميين صغيرين، كان آخرهما في مارس/ آذار 2019.

ولا يوجد أي ذكر للصفقة الخاصة باختبار الأجسام المضادة.

تواصلت بي بي سي مع اتش في دي لايف ساينسيز لكنها ردت بأنها ملتزمة بالسرية ولذا فإنها لا تستطيع الإجابة على أسئلتنا.

في يونيو/ حزيران، وبينما كان يتم تخفيف القيود على السفر الجوي، أوقفت مصر استخدام اختبارات الأجسام المضادة السريعة في مطاراتها وألغت حجر المسافرين القادمين، لكنها واصلت استخدام هذه الاختبارات مع الطواقم الطبية.

ورغم إرسال نقابة الأطباء المصرية لتنبيهات وخطابات رسمية للحكومة المصرية، تحذر فيها من سوء استخدام تلك الاختبارات، إلا أن شركة أرترون تقول إن المزيد من وحدات الاختبار في الطريق إلى مصر.

لم ترد وزارة الصحة المصرية أو القوات المسلحة المصرية على أسئلة بي بي سي وامتنعتا عن التعليق.