Getty Images
شهدت مواقع التواصل الاجتماعي في مصر جدلا واسعا إثر انتشار صور ومقاطع فيديو لعمليات هدم بالجرافات لمقابر يعتقد أنها أثرية في منطقة صحراء المماليك شرقي القاهرة.
الحكومة بتهدم مقابر المماليك الأثرية إللي بقالها مئات السنين ! عشان تعمل طريق أسفلت إسمه محور الفردوس
اي دوله في العالم لو عندها الكام مقبره اللي اتهدوا دول كانت عملتهم متاحف مفتوحه ! pic.twitter.com/aRPqMajAwg— Assem Elbaradei (@Assem_Elbaradei) July 20, 2020
وعبّر رواد مواقع التواصل عن استيائهم من هدم “أقدم الجبانات في العالم”، وتغيير ملامح صحراء المماليك التاريخية عبر إزالة بعض من مباني وأسوار مقابرها، في حين اعتبر آخرون أن الجبّانات حديثة البناء و”ليست أثرية وأن هدمها ضروري” من أجل إنشاء محور مروري.
كل ده مش تراث؟ احتمال البيروقراطية اساسا مش شايفة شغلها بشكل مهني ان كل ده راح عليها؟ ده مش تاريخ؟ دي مش عهدة؟ ده مش وطن؟ دول مش مصريين؟
Apparently in Egypt, because it is 7000 years old, this is not heritage. It is not even protected private property. photos by Youssof Osama pic.twitter.com/E62hPRVzJr
— Cairobserver (@Cairobserver) July 20, 2020
رد رسمي
ورداً على حملة الاعتراض عبر مواقع التواصل الاجتماعي أطلق رئيس قطاع الآثار الإسلامية والقبطية واليهودية بوزارة السياحة والآثار، أسامة طلعت، يباناً نفى فيه الأخبار المتداولة بشأن أعمال هدم في منطقة ‘جبانة المماليك’.
وقال طلعت إن “هذا الكلام عار تمامًا عن الصحة وإن محور الفردوس (المروري) بعيد عن الآثار الإسلامية المسجلة بقرافة المماليك” مؤكدًا أنه “لم يتم هدم أي أثر، وأن المقابر الموجودة بالصور المنشورة هي مبان غير مسجلة في عداد الآثار الإسلامية والقبطية، وأنها مقابر حديثة وخاصة بأفراد”.
ايماء إلى ماتم تداوله على مواقع التواصل الإجتماعي عن أعمال هدم بمنطقة «جبانة المماليك» بما فيها من مقابر تاريخية وآثار…
Posted by Ministry of Tourism and Antiquities وزارة السياحة والآثار on Monday, July 20, 2020
وعلى الرغم من النفي، وجه الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار مصطفى الوزيري، بتشكيل لجنة علمية فنية لمعاينة الشواهد والأحجار التي تشتمل على نقوش زخرفية أو كتابية ليتم دراستها وبحث إمكانية عرض جزء منها في بعض المتاحف كجزء من تراث مصر المتميز.
التاسعة | د.مصطفى الوزيري: لايمكن أن يتم هدم مقابر آثرية #كلنا_الجيش_المصري#احمى_نفسك_احمى_بلدك
Posted by الفضائية المصرية on Monday, July 20, 2020
“تفسير غير مقنع”
ورفض فريق من رواد مواقع التواصل الاجتماعي ما وصفوه بتبرير الحكومة لهدم المقابر بأنها “غير مسجلة”.
إذ عدّد المهندس المعماري “عمر أبو طويلة” مجموعة من الأسباب التي تجعل هدم مبان غير مسجلة مر عليها أكثر من مئة عام “كارثة بحق الإنسانية”، كما يقول، ومنها الإشارة إلى “أهمية الحفاظ على النسيج العمراني المميز في منطقة القاهرة التاريخية”، وضرورة عدم ارتباط أهمية المباني بعمرها الزمني في كل الأوقات.
في نقاط سريعة ومكثفة هحاول أجاوب من وجهة نظري على سؤال بيشغل بال ناس كتير دلوقتى “ليه هد مقابر غير مسجلة ومعداش عليها…
Posted by Amr Adel Abotawila on Monday, July 20, 2020
وتصف الدكتورة في جامعة القاهرة، سهير زكي حواس، على صفحتها بيان وزارة الآثار بأنه “غير مقنع ومتناقض”.
وتقول: “هناك قانون حماية الآثار وهو لا ينطبق على جميع المقابر لذلك تصرح وزارة الآثار بأن الآثار بخير ولم تتعرض للهدم بسبب محور الفردوس، ولكن هذا تفسير غير مقنع لأنها صرحت بأنه سيتم تشكيل لجنة لتحديد بعض القطع لعرضها كتراث مصري في المتاحف. كلام غير واضح ويتناقض مع التصريح الأول”
هذه المنطقة بالمقابر تدخل في نطاق القاهرة التاريخية المعتبرة تراثا عالميا طبقا لمنظمة اليونسكو ومسجلة منطقة حماية طبقا…
Posted by Soheir Zaki Hawas on Monday, July 20, 2020
فيه قانون حماية الأثار وهو لا ينطبق على جميع المقابر لذلك تصرح وزارة الأثار بأن الأثار بخير ولم تتعرض للهدم بسبب محور…
Posted by Soheir Zaki Hawas on Monday, July 20, 2020
كما تداول مغردون صورة من فتوى لدار الإفتاء المصرية ردا على سؤال حول حكم الإقدام على نقل المقابر.
نص الفتوى الرسمية من دار الافتاء المصرية:نقل المقابر الواقعة داخل مدينة القاهرة إلى أطرافها أو إلى خارجها إذا حصل قبل…
Posted by Abd El Aziz ALbogdady on Monday, July 20, 2020
مقابر لشخصيات هامة
تقنياً يبدو بيان وزارة السياحة والآثار دقيقا، حسب خبير الآثار الإسلامية يوسف أسامة، فالمباني التي هدمت لم تكن مسجلة كآثار، وإن كانت تضم مقابر لشخصيات هامة في التاريخ المصري الحديث.
ومن أمثلة ذلك رئيس الوزراء السابق حسن صبري، الذي يحمل أحد شوارع القاهرة اسمه، وأحمد عبود باشا أول مصري التحق بمجلس إدارة هيئة قناة السويس، والذي كان قبره يحمل طرازاً معمارياً فريداً حسب قول الخبير، وكذلك أول مدير لجامعة القاهرة التنويري أحمد لطفي السيد، بالإضافة إلى قبر نازلي حليم حفيدة محمد علي باشا مؤسس مصر الحديثة”.
ويقول الخبير يوسف أسامة إن المهتمين بالتاريخ كانوا يأملون في أن يقام في القاهرة مشروع لتوضيح أماكن دفن الشخصيات المؤثرة في تاريخ مصر الحديث على غرار مشروع “هنا عاش” الذي يوضح أماكن سكن الشخصيات المؤثرة بوضع لافتة على أماكن سكنهم.
كما يوضح أسامة أن عملية تسجيل الآثار في مصر عملية معقدة، واشتراطات التسجيل العديدة تحتل كتيبا، ولكن تبقى المشكلة الأكبر أن التعامل مع الأثر يقع بين العديد من الوزارات: مثل الثقافة والآثار والأوقاف والداخلية والتخطيط بالإضافة إلى مجالس المحليات ودواوين المحافظة.
اهتمام عامة المصريين بالمنطقة كان واضحاً من خلال تعليقاتهم على منشور صفحة رئاسة الوزراء المصرية، والذي عبر الكثيرون من خلال التعليقات عليه باهتمامهم بالمنطقة التي ستتأثر بالمحور، لأنه سيغيّر من المنظر العام لقبة قنصوة أقدم مباني المنطقة، وكذلك سيغطي على مقبرة إينال، الحاكم المملوكي الذي حكم الدولة لمدة ثماني سنوات، ووزير دفاع مملوكي آخر يدعى قرقماس.
وحتى إن تم تنظيم التعامل مع الآثار من خلال جهة واحدة، كما طالب جميع المهتمين بتاريخ القاهرة، سيفتقد المصريون والقاهريون منهم تحديداً متحف صحراء المماليك المفتوح بقبابه المميزة وما يمثله من رقعة تاريخ دامغة وسط توحش العمارات السكنية والعمران.
“مأساة أثرية وحضارية”
وتداول مصريون صورا لصحراء المماليك تظهر عددا من الأضرحة التاريخية التي “لم يمس بها”، ولكنهم يؤكدون هدم أسوار ومدافن “شخصيات مصرية بارزة”، وذلك فقط لعدم “تسجيلها كآثار في الحكومة”.
ذهبت اليوم الي صحراء المماليك و ترب الغفير لاري بنفسي ما حدث بها.بالنسبه لقبر الشهيد محمد عبد الحكم الجراحي، لم يمس و…
Posted by Mostafa El Sadek on Monday, July 20, 2020
كما تداول مغردون مئات الصور والفيديوهات التي تظهر مباني الجبانة المهدمة، إذ عبروا عن استيائهم ووصفوا المظهر بالـ “مأساوي”.
Posted by Nader Ali Ahmed on Monday, July 20, 2020
اللي بيحصل ف مقابر المماليك جريمة، حتي لو مضطرين عشان خطة ام الطرق اللي مش بتخلص ممكن يتنقل بطريقة علمية اتعملت في كل العصور، واجهة مقبرة الشيخ الوقاد الموجودة حاليا من قصر جاردن سيتي بتاع ابراهيم باشا،بعض من جامع الظاهر بيبرس من حجارة الهرم، انتوا مقاولين فشلة وأعداء للحياة فعلا
— رشا عزب (@RashaPress) July 19, 2020
واستنكر مغردون تطوير مشاريع توسيعية على حساب “حرمة الموتى”، مشيرين إلى أهمية الحفاظ على “قدسية المقابر”، خاصة تلك التي بها “رفات سلاطين وعلماء”.
اليوم تم إزالة حوالي ١٠٠ مقبرة بصحراء المماليك ، ترجع إلي الربع الأول من القرن العشرين ، تحديدًا بشارع قنصوه الذي يربط بين صلاح سالم والنصر، لأجل التوسعة لمحور الفردوس لكن أليس الحفاظ علي قدسية منطقة أموات وتعتبر إحدى أشهر مدن الأموات في العالم لما تحويه من رفات لسلاطين وعلماء pic.twitter.com/Ffbebfuad0
— brave Heart (@Mexzhsfvybt10) July 19, 2020
أزمة سكنية
وفي سياق آخر، أشار مغردون إلى الضرر السكاني الذي قد يؤدي إليه هدم المقابر، إذ تعتبر مقابر المماليك منطقة سكنية واسعة بالإضافة إلى احتوائها على مقابر، وتضم عائلات “قد تفقد منازلها”، إثر الهدم. كما طالب مغردون السلطات بتوفير أماكن سكن بديلة لأهل المنطقة.
بعيدا عن التراث والآثار والقهر اللي من النوع دا في أسر اتشردوا في موقعة القرافة ومحور الفردوس ناس منهم بتقول انهم من 13…
Posted by Nermo Ra on Monday, July 20, 2020
أما المواطن الصحفي يوسف أسامة، فقد نشر مقطع فيديو توضيحيا يظهر ركام بعض المدافن المهدومة “لتوسيع الطريق الرئيسي للسيارات للربط بين نقطتين”. ولكن أسامة يؤكد في الفيديو أنه “لم يتم هدم أي آثار”، موجها عدسة الكاميرا إلى الأبنية الإسلامية الأثرية التي لا تزال قائمة.
كما يتحدث أسامة عن الأزمة السكانية التي نشأت بسبب هدم المقابر، وتتضارب روايات أعداد الأسر المتأثرة إذ يتراوح بين “عشر أسر إلى أربعين أسرة”، حسب رواد مواقع التواصل.
قرافة المماليك، ومحور الفردوس.يوسف أسامة Youssof Osama
Posted by المماليك on Monday, July 20, 2020
ما أهمية صحراء المماليك؟
أقام المماليك دولة إسلامية شملت مصر والشام والحجاز قبل أكثر من 800 عام وحكموها من القاهرة التي تقع خارجها من جهة الشرق صحراء شاسعة اختارها المماليك – وهم محاربون استقدمهم الخلفاء العباسيون وجعلوهم حراساً وقادة جيوش – لتكون مضماراً للسمر وسباق الخيل وبعد ذلك قرروا بناء مدافنهم ومقابرهم هناك، فسميت على اسمهم “صحراء المماليك”.
وكانت الصحراء القاحلة مورداً خصباً لخيال أدباء مصر وشعرائها، بدءًا من نجيب محفوظ الذي دارت معظم معارك فتواته فيها، إلى الراحل خيري شلبي الذي كتب رواية بذات الاسم “صحراء المماليك”.
وبمرور العقود امتلأت الصحراء بالمقابر والمساجد، وأحاطها العمران، لتصبح متحفاً مفتوحاً في قلب العاصمة شاهدا على التاريخ والمعمار والأدب.