Getty Images
بعد نحو أسبوعين من التصريحات والاتهامات المتبادلة، شهدت الأيام القليلة الماضية تصاعداً في وتيرة الحرب الكلامية بين فرنسا وتركيا حول الدور الذي تلعبه كل منهما في الملف الليبي. وبينما تتعالى الأصوات الداعية إلى ضرورة التوصل إلى وقف لإطلاق النار يمهد لحل سياسي للأزمة الليبية، تتزايد المخاوف من أن تتحول ليبيا إلى ساحة للصراع بين باريس وأنقرة خاصة في ضوء امتلاك كل منهما لمصالح استراتيجية في هذا البلد الذي تمزقه الحرب.
وجاءت أحدث حلقة في مسلسل التصعيد بين البلدين العضوين في حلف الناتو على لسان وزارة الجيوش الفرنسية، التي أعلنت في ١ يوليو/ تموز قرار باريس الانسحاب مؤقتاً من عملية للأمن البحري لحلف شمال الأطلسي في البحر الأبيض المتوسط “حتى يتم تصحيح الوضع”.
وقالت الوزارة الفرنسية إنه من غير المعقول لها أن تبقي على سفنها ضمن العملية التي تشمل مهامها التأكد من عدم خرق حظر توريد الأسلحة إلى ليبيا “مع حلفاء لا يحترمون الحظر”، وهو ما اعتبر إشارة واضحة إلى تركيا التي تتهمها فرنسا بخرق هذا الحظر المفروض من الأمم المتحدة منذ أعوام.
صدام في البحر
وقد عرفت العلاقات الفرنسية التركية الكثير من التوتر خلال الأشهر الماضية على خلفية قضايا مختلفة من بينها عمليات التنقيب التركية عن الغاز في البحر المتوسط والدور التركي في الشمال السوري إضافة إلى التدخل التركي العسكري في ليبيا والذي لم تخفِ فرنسا معارضتها له منذ البدء.
لكن حادثة وقعت قبالة السواحل الليبية في ١٠ يونيو/حزيران شكلت الشرارة التي أشعلت التوتر الأخير بين البلدين. وقد حدث الأمر عندما ذهبت الفرقاطة الفرنسية كوربيه لتفتيش سفينة شحن تركية ترفع علم تنزانيا للتحقق مما إذا كانت تقوم بتهريب أسلحة إلى ليبيا.
وفي السابع عشر من يونيو/حزيران، وخلال اجتماع لوزراء الدفاع في حلف الناتو، اتهمت وزيرة القوات المسلحة الفرنسية فلورنس بارلي تركيا باستهداف فرقاطتها أثناء قيامها بعملية التفتيش، وهو الأمر الذي نفته أنقرة بدورها قائلة على لسان مسؤول في وزارة الدفاع التركية إن الزعم الفرنسي “ليس له أساس” وغير مدعوم بأي أدلة ملموسة.
النفي التركي للحادثة، التي قال حلف الناتو إنه يحقق فيها، أُتبع في الثاني من يوليو بمطالبة بالاعتذار أطلقها وزير الخارجية التركي مولود شاويش أوغلو من برلين، حيث قال خلال مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره الألماني إن فرنسا لا تقول الحقيقة للاتحاد الأوروبي وحلف الناتو، مضيفاً أن عليها أن “تعتذر بلا شروط”.
لعبة خطيرة
وبعيداً عن حرب التصريحات المتعلقة بحادثة الفرقاطة، عرفت الأسابيع الماضية تبادل البلدين لكثير من الاتهامات حول المسؤولية عن تأجيج الأزمة الليبية.
وكانت فرنسا قد صعدت موقفها تجاه التدخلات التركية في ليبيا منذ مطلع يونيو واصفة إياها بـ”غير المقبولة”، في حين دان وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان “الدعم العسكري المتزايد” لتركيا لحكومة الوفاق الليبية، المعترف بها دوليا، والتي تمكنت بفضل الدعم التركي هذا من استعادة السيطرة على مدينة طرابلس وضواحيها بالكامل، بل والتوجه نحو مدينة سرت شمال وسط البلاد بنية انتزاعها من قوات شرق ليبيا بزعامة القائد العسكري خليفة حفتر.
بدورها قالت وزارة الخارجية التركية في بيان إن المزاعم الفرنسية حول موقف أنقرة تجاه ليبيا تعد مؤشرا جديدا على “سياسة فرنسا المظلمة وغير المبررة تجاه ليبيا”، مضيفة أن أكبر عقبة أمام إحلال السلام والاستقرار في ليبيا هي الدعم الذي تقدمه فرنسا وبعض الدول لبعض الأنظمة غير الشرعية، في إشارة إلى حكومة شرق ليبيا، بما يتعارض مع قرارات مجلس الأمن الدولي.
وتنفي باريس الاتهامات الموجهة إليها بدعم خليفة حفتر بينما تواجه انتقادات لعدم إدانتها لتوريد الأسلحة لحفتر من قبل داعميه الإقليميين وبخاصة الإمارات التي قالت الأمم المتحدة إنها تنتهك حظر الأسلحة المفروض على ليبيا.
تصعيد اللهجة الفرنسية تواصل على لسان الرئيس إيمانويل ماكرون، الذي اتهم تركيا بتوريد الجهاديين من سورية إلى ليبيا “بكثافة”، قائلاً إنها تتحمل مسؤولية “تاريخية وإجرامية” عما يحدث في هذا البلد، وهو ما قوبل برد من وزير الخارجية التركي الذي قال إن فرنسا تلعب دوراً “تدميريا” في ليبيا.
انتقادات ماكرون الأخيرة جاءت بعد حوالي أسبوع من تصريحات مشابهة أطلقها خلال مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره التونسي قيس سعيد، في العاصمة باريس، وقال فيها إن تركيا تمارس في ليبيا “لعبة خطرة” لا يمكن التسامح معها، وأن تدخلها في ليبيا يشكل تهديداً مباشراً لأوروبا والمنطقة.
انقسام أوروبي
وفيما يبدو مسعى فرنسياً لتشكيل جبهة أوروبية موحدة في مواجهة تركيا، أعلن وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان في الأول من يوليو أن وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي سيجتمعون في الثالث عشر من يوليو/تموز بناء على طلب بلاده للتباحث حول تركيا، ملوحاً بإمكانية فرض التكتل لعقوبات إضافية على أنقرة بعد العقوبات التي كان قد فرضها على خلفية عمليات الحفر التي بدأتها تركيا العام الماضي قرب الشواطئ القبرصية.
وتشير الزيارة التي قام بها وزير الخارجية اليوناني نيكوس دنتياس إلى مدينة طبرق ولقاؤه برئيس البرلمان الليبي عقيلة صالح، إلى أن دولاً أوروبية أخرى بدأت تنخرط مباشرة في الملف الليبي. خاصة وأن دنتياس أدان من طبرق “الغزو التركي” لليبيا، بينما تمخضت الزيارة عن الإعلان عن تشكيل لجنة لترسيم الحدود البحرية مع اليونان من قبل سلطات شرق ليبيا فيما يبدو إجراء موازياً لاتفاقية ترسيم الحدود البحرية التي أعلنت تركيا عن توقيعها مع حكومة الوفاق أواخر العام الماضي.
لكن وبينما قد تتخذ أوروبا موقفاً موحداً فيما يتعلق بالتنقيب التركي عن الغاز في المتوسط، تبدو المواقف الأوروبية متباينة فيما يتعلق بالاصطفافات داخل ليبيا، خاصة مع ما يتردد عن الدعم الإيطالي لحكومة الوفاق في ضوء زيارة وزير الخارجية الإيطالي لويجي دي مايو إلى طرابلس ولقائه رئيس حكومة الوفاق فايز السراج الأسبوع الماضي.
برأيكم:
إلى أين يتجه التوتر بين فرنسا وتركيا بشأن ليبيا؟
كيف سينعكس التوتر الفرنسي التركي على المشهد الليبي؟
هل تتحول ليبيا إلى حلبة للصراع بين ماكرون وإردوغان؟
هل يمكن لفرنسا المراهنة على دعم أوروبي لها في مواجهة تركيا؟
كيف سيؤثر تصاعد التوتر بين فرنسا وتركيا على العلاقات داخل حلف الناتو؟
سنناقش معكم هذه المحاور وغيرها في حلقة الجمعة ٣ يوليو/تموز من برنامج نقطة حوار في الساعة 16:06 بتوقيت غرينتش.
خطوط الاتصال تفتح قبل نصف ساعة من البرنامج على الرقم 00442031620022.
إن كنتم تريدون المشاركة عن طريق الهاتف يمكنكم إرسال رقم الهاتف عبر الإيميل على nuqtat.hewar@bbc.co.uk
يمكنكم أيضا إرسال أرقام الهواتف إلى صفحتنا على الفيسبوك من خلال رسالة خاصة Message
كما يمكنكم المشاركة بالرأي على الحوارات المنشورة على نفس الصفحة، وعنوانها: https://www.facebook.com/hewarbbc أو عبر تويتر على الوسم @nuqtat_hewar