من الاتصال عبر فيستايم بالعائلات القلقة إلى مساعدة الأطباء والممرضات في التصدي للإجهاد النفسي الذي يشعرون به، وجد رجال دين يعملون في المستشفيات أنفسهم في الخطوط الأمامية لمواجهة وباء كورونا.
اقترب روكي ووكر من الموت أثناء عمله قسا في مستشفى في جائحة فيروس كورونا أكثر من مواجهته للموت خلال خدمته في حرب الخليج عام 1991.
وقال ووكر “لقد كان الأمر مخيفًا وخطيرًا جدًا”، وأضاف “العمل في وحدات العناية الفائقة ورؤية كل تلك المعاناة ورؤية العائلات تتعرض للدمار بسبب هذا الشيء: لم أر ذلك في القتال، رأيت ذلك هنا عن كثب”.
في خضم المعركة التي تخوضها الولايات المتحدة ضد وباء كورونا، دُفع برجال دين ومتخصصين في الرعاية الروحية إلى الخطوط الأمامية بطرق جديدة. وقد أدى هؤلاء دوراً بالغ الأهمية في مواساة المرضى الذين أجبرهم الوباء على مواجهة الموت في معزل عن ذويهم وأحبائهم.
تغيرت المهام اليومية لووكر من قس ملحق بقسم أمراض القلب بمستشفى ماونت سايناي في نيويورك عندما اجتاح الوباء المدينة في أبريل / نيسان.
وجد الجندي السابق نفسه أمام موجات من المرضى الجدد وغرباء لا يعرف شيئًا عنهم بل هم أنفسهم غير قادرين على التواصل مع من حولهم.
في مركز إعادة التأهيل العبري في بوسطن، كان تحديًا مختلفا في انتظار هالي ديسيدو.
فكرة التطوع للعمل بوحدة رعاية مرضى الأمراض المزمنة والمسنين من حالات كوفيد 19 كان قرار ديسيدو.
وتقول “لم أكن أعتقد أن (الوحدة) ستكون في حاجة لي. هم يحتاجون الأطباء وأجهزة التنفس الصناعي ولكن الترحيب الذي تلقيته أذهلني”.
ديسيدو لديها خبرة في التعامل مع المحتضرين، ولكنها لم تكن مستعدة لتحد مختلف سترتدي فيه سترات خاصة لمنع تعرضها لمواد خطرة.
“تتحول فجأة من شخص يجلب وجوده السكينة والراحة لشخص مخيف. تعلمت تحريك حواجبي ونظرة عيني لأبدو كما لو كنت أبتسم”.
شعر ووكر أيضًا بحالة من الشلل عندما غطت الكمامة “سلاحه الأكثر فعالية”.
كان التحدي الأكبر بالطبع هو فقدان الاتصال المباشر مع المرضى، ولكن أيضًا مع العائلات. ويقول: “كان تطوير العلاقات عبر الهاتف مع أشخاص لم نلتق بهم مطلقًا” أمرًا صعبًا للغاية.
بدأ مستشفى ماونت سايناي بتعيين القساوسة والمتطوعين للتعامل مع المهمة الحساسة الخاصة بالتعامل مع أقارب المرضى عبر الهاتف.
Courtesy Hali Diecidue
وتعمل ديسيدو مع منظمة توفر عاملين يتمتعون بخبرة إيجاد طرق مبتكرة وارتجالية في مرافقة أشخاص يواجهون أصعب أوقاتهم.
وأُسست تلك المنظمة عام 2018 لاستكشاف التغيرات التي طرأت على الحياة الدينية في الولايات المتحدة، خاصة العدد المتزايد من الأشخاص الذين لا ينتمون لدين معين، ولكنهم في حاجة إلى رعاية روحية.
وقالت ويندي كيدج، مؤسسة المنظمة، إن “المنظمة تمكنت من التعامل بصورة سريعة مع متطلبات كوفيد 19، واستجابت للحاجة الماسة لتقديم المعونة الروحية عبر الهاتف لمواساة المتأثرين بالوباء، عبر شبكة من المتطوعين تضم نحو ثلاثة آلاف شخص في الولايات المتحدة وخارجها”.
وتقول إن الوباء سلط الضوء على العاملين في مجال الرعاية الروحية، لكن “هذه العناوين حول رجال الدين الذين يركضون نحو الموت، فهو لم يكونوا يركضون في الواقع: لقد كانوا هناك طوال الوقت. الناس … فجأة رأوا أنهم بحاجة إلى مساعدتهم “.
Getty Images
وفي وقت الوباء كانت الحاجة ماسة لمد يد العون للذين يعلمون أنهم على شفا الموت وأقاربهم وأحبابهم الذين يصعب عليهم الفراق ووداع أحبائهم.
وعمل ووكر مع طاقم التمريض الذي يمكن لأفراده دخول غرف المرضى لإيصال رسائل من أفراد الأسرة. في بعض الأحيان كان يقف خارج باب غرف المرضى مباشرة ليتيح لأقاربهم الاطمئنان عليهم أو وداعهم عبر فيس تايم.
أما بالنسبة لديسيدو فكانت مهمة الوقوف على أعتاب غرف المرضى مهمة شاقة ومؤلمة.
“يتعين عليك ارتداء كمامتين والصياح، بينما يشعر المرضى بالخوف. لذا وجدت نفسي أقترب أكثر فأكثر. وبعد ذلك لم يكن من المفترض أن ألمس المرضى، لكن أن تربت على الكتف، حتى وإن كان ذلك من خلال بطانية وزوجين من القفازات، يمنح المريض بعض السكينة”.
عبر فيس تايم على جهاز آيباد تمكن المرضى عن طريق ديسيدو من التواصل مع من يحبون: “أن أمنح من يواجهون نهاية حياتهم فرصة لرؤية أحبابهم كان بالنسبة لي أهم من أي خوف قد أشعر به”.
واعتمد ووكر على معتقده المسيحي وعلى معتقدات أسر الذين يعمل معهم لتذكير الأقارب الذين يشعرون بالحزن بأنه “حتى في غرفة منعزلة، نحن لسنا وحدنا أبدًا”.
ومع انحسار الوباء في نيويورك، واجه ووكر تحديا آخر، متمثلا في موجة من الإرهاق والاكتئاب اجتاحت العاملين في مجال الرعاية الصحية.
وقال ووكر إن تدريبه العسكري ساعده على التعرف على علامات “التعب القتالي”، وتشبه إلى حد كبير اضطراب ما بعد الصدمة.
في إشارة واضحة إلى أن الرعاية الروحية أصبحت محط تركيز رئيسي للقساوسة، أُعلن الأسبوع الماضي تخصيص منحة تبلغ قيمتها 500 ألف دولار لتوسيع الرعاية الروحية للعاملين في الخطوط الأمامية ولمساعدة القساوسة على التعامل مع شعورهم الشخصي بالصدمة.
أما ديسيدو، فكان الملاذ والعزاء في مواجهة موت 50 مريضا هو إعداد العجين وإنتاج الخبز والرعاية بكلب تم اقتناؤه لمواساة المحتاجين في مركز التأهيل.
“شهدنا خسائر فادحة. أعتقد أن الأمر سيستغرق عقودًا للتعافي بشكل عام، بدون جنازات لائقة أو وداع مناسب. علينا فقط أن نتعلم كيفية اجتياز تلك المحنة بطريقة جديدة”.