سلطت وفاة الطبيب المصري، أشرف عمارة، جراء إصابته بكوفيد-19 الأضواء على المصاعب التي تعاني منها الكوادر الطبية في كينيا، والتي طالبت السلطات هناك بمزيد من إجراءات الحماية لمن هم في الخط الأمامي في المعركة ضد تفشي الوباء، كما يشير باسياليوه موتاهي في هذا التقرير.
عندما أصيب الجراح عمارة، وهو أحد أبرز المتخصصين بالجراحة التجميلية والترميمية في غربي كينيا، بالفيروس، بدأت حالته الصحية تسوء ولم تكن هناك أي أسرّة متوفرة في وحدة العناية المركزة في مستشفى موي التعليمي (أم تي أر أج) في مدينة إلدورَت.
وكان الدكتور عمارة يُدّرس طلبة الطب لعقود في هذا المستشفى الذي يعد ثاني أكبر مستشفى تعليمي في البلاد.
وحاولت عائلة الطبيب وزملائه نقله إلى العاصمة الكينية نيروبي التي تبعد مئات الأميال عن مدينته، لكن كلفة الحصول على طائرة إسعاف لنقله كانت “غالية جدا”، بحسب قول مسؤول في نقابة الأطباء في كينيا.
وكذلك كانت الحال مع توفير الدواء الضروري للمساعدة في وقف حالته المتدهورة، الذي بات من الصعب جدا الحصول عليه.
وقال الدكتور تشيبانزي مواتشوندا، الذي يقوم مقام الأمين العام لاتحاد نقابات الأطباء والصيادلة وأطباء الأسنان أمام لجنة برلمانية “إن زملاءه الأطباء قد قدموا تبرعات لشراء الدواء الضروري للمساعدة في استقرار حالته الصحية”.
وأضاف “لقد كانت حالة محزنة جدا” مشيرا إلى أن الأطباء لا يتمتعون بتأمين طبي شامل من شركة التأمين الوطنية.
وقد نقل الدكتور عمارة إلى مستشفى خاص في ناكورو، وهي مدينة تقع في منتصف المسافة بين إلدورت ونيروبي، في انتظار أن يتوفر له سرير في وحدة العناية المكثفة في مستشفيات العاصمة.
بيد أنه توفي بعد يوم واحد في الـ 13 نوفمبر/تشرين الثاني.
نقص في عدد الأطباء
وبات الدكتور عمارة رابع طبيب تخصصي يتوفى هذا الأسبوع، وهذا خبر محزن في بلد ليس فيه سوى نحو 7000 طبيب لكل سكانه البالغ عددهم 48 مليون نسمة.
Tragic week for the Medical Profession after losing four Senior Specialists in one week.
1. Dr. Emarah Ashraf
2. Dr. Vladimir schuckin
3. Dr. Hudson Inyangala
4. Dr. Robert Ayisi
KMPDU urges all doctors to abstain from duties where the work environment is unsafe. pic.twitter.com/BIB5Wk5Vp5— KMPDU (@kmpdu) November 13, 2020
وقال صديقه الدكتور أنتوني أكوتو إنه كان قبل أسبوع من وفاته، يشرف على عملية جراحية ويوجه طلبة الطب فيها، ثم ظهرت عليه أعراض المرض بعد أيام.
وأضاف د. أكوتو، وهو مسؤول أيضا في نقابة الأطباء: “لقد توفي وهو يؤدي واجبه في الخط الأمامي لمواجهة المرض”، مشيرا إلى أن هذه الوفاة اختطفت الجراح الوحيد المتخصص في الجراحة التجميلية، والذي يمتلك خبرة عالية مثله، في غربي كينيا.
وأكمل: “ثمة عدد قليل من الجراحيين التجميليين في البلاد، ولا نملك شخصا آخر بمستواه، على الرغم من أن هناك بعض الجراحين الذين سيأتون، إلا أننا سنظل نعاني من فجوات في هذا الصدد”.
وتضم قائمة مجلس الأطباء الممارسين أسماء أربعة متخصصين فقط في الجراحة التجميلية والترميمية في عموم البلاد في عام 2018.
ويقول زملاء الدكتور عمارة، المولود في مصر والذي جاء إلى كينيا قبل 30 عاما، إنه استاذ ومشرف وجراح لامع سيفتقدونه بشدة.
“زارع البسمة”
اشتهر الدكتور عمارة بعمليات ترميم وتجميل لآلاف الأطفال الذين يولدون بشفة عليا مشقوقة (الشفة الأرنبية)، زارعا الابتسامة من جديد على شفاهم، كما عرف أيضا بنقل خبراته تلك إلى الجراحين في الدول المجاورة كالصومال وأوغندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية.
وأبنت منظمة “سمايل ترين أفريكا” الخيرية الطبيب الراحل قائلة “نشعر بحزن شديد لرحيل صديقنا وشريكنا”، في تغريدة نشرتها على موقع تويتر مع صورة له برفقة بعض الأطفال الذين أجرى لهم عمليات جراحية.
وأضافت: :تعازينا القلبية لزوجته وأطفاله وأصدقائه وزملائه ولمرضى الشفة المشقوقة الذين زرع الابتسامة على شفاههم خلال رحلة حياته وللجراجين الذين دربهم ويحملون أرثه”.
Getty Imagesزاد معدل الإصابات اليومية بفيروس كورونا في كينيا في الأسابيع الأخيرة
وقد توفي 14 طبيبا على الأقل منذ بدء تفشي فيروس كورونا في البلاد في مارس/آذار الماضي.
وقد أعلن اتحاد نقابات الأطباء والصيادلة وأطباء الأسنان الاثنين عن وفاة الدكتور ستيفن موغوسو جراء إصابته بكوفيد-19.
ويضاف إلى ذلك وفاة نحو 20 ممرضة و10 موظفين صحيين جراء إصابتهم بالفيروس.
وقد أصيب 2000 من العاملين في القطاع الصحي، على الأقل، بضمنهم الدكتور مواتشوندا، أعلى مسؤول في نقابة الأطباء، الذي تحدث مؤخرا عن العبء الكبير الذي تركته هذه التجربة على وضعه النفسي وصحته العقلية.
BBC
- ما هي احتمالات الموت جراء الإصابة؟
- هل النساء والأطفال أقلّ عرضة للإصابة بالمرض؟
- كيف ينشر عدد قليل من الأشخاص الفيروسات؟
- فيروس كورونا يحتاج إلى خمسة أيام حتى تظهر أعراضه
- فيروس كورونا “ينتقل بين البشر قبل ظهور أعراض المرض”
- متعافون من المرض يقصون حكاياتهم داخل الحجر الصحي
وقال لمحطة تلفزيون إن تي في المحلية: ” إنها أقسى فترة مررت بها هذا العام … في لحظة ما شعرت أنني استسلمت، أو كدت أن استسلم، وقلت لنفسي ‘لا أظن أنني سأفعلها’ وأنجو”.
وتصاعدت أعداد الإصابات بالفيروس في كينيا مجددا في الأسابيع الأخيرة، وسجل في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني أعلى عدد للإصابات اليومية وللوفيات أيضا منذ بدء تفشي الوباء في البلاد.
وقد وصل مجمل عدد الإصابات حتى الآن أكثر من 88 ألف حالة إصابة، وبضمنها 1500 حالة وفاة.
“نحتاج إلى حماية”
وكانت الدكتورة دورين لوغاليكي، طبيبة التوليد والأمراض النسائية، أول طبيب كيني يتوفى جراء الإصابة بفيروس كورونا، وقد توفيت في العاشر من يوليو/تموز عن عمر يناهز الـ 39 عاما.
Getty Imagesوالدة أول طبيبة كينية تتوفى جراء الإصابة بفيروس كورونا، تحمل صورتها
وقد توفي في الأسبوع نفسه مع الدكتور عمارة كل من الدكتور فلاديمير شوكين الجراح المختص بأمراض السمنة والدكتور هودسون إنيانغالا، المتخصص في الصحة العامة، ودكتور روبرت أيايسي المختص في طب الأطفال.
وقد حضت النقابة الأطباء على عدم الذهاب إلى أماكن العمل “التي تكون البيئة فيها غير آمنة”.
وفي ضوء وفاة عدد أكبر من الأطباء الإختصاصيين وكون الحكومة غير قادرة، على ما يبدو، على معالجة الوضع؛ دعا الأطباء إلى أضراب بدءا من يوم السابع من الشهر الجاري، لكنهم قرروا تأجيله لأسبوعبن لإتاحة الفرصة لمزيد من المفاوضات.
وقال الدكتور مواتشوندا أمام لجنة البرلمانية “كيف نقاتل في حرب بينما يتساقط جنودنا ويقل عددهم؟ نحتاج إلى حماية”.
واحتج اثنان ممن ممثلي نقابات الممرضات والعاملين في القطاع الصحي، التي مضت قدما في الإضراب، ضد ظروف العمل غير الآمنة، وما يصفونه بالأداء الحكومي الضعيف في التعامل مع تفشي فيروس كورونا.
وأشارت النقابات إلى جملة من أوجه القصور في المستشفيات العامة، ومن ضمنها: المنشآت الفقيرة ونقص الكوادر وعدم توفر معدات حماية كافية ونقص خدمات التأمين الصحي الشامل، والتي تسهم جميعا في خلق “بيئة عمل بالغة الصعوبة وخطرة ومؤذية”.
وقال الدكتور أكوتو لبي بي سي: “نشعر أن الحكومة قد تخلت عن العاملين في الرعاية الصحية، الذين باتوا تقريبا يعملون لوحدهم. ليس لدينا معدات حماية كافية. والأطباء يدفعون من جيوبهم الخاصة قوائم الرعاية الطبية عندما يتمرض واحد منهم أثناء أداء الواجب”.
وأضاف: “نشعر أن الحكومة لا تتعامل بجدية مع هذه القضية”.
مواجهة العدو من دون دفاعات
وقد أقرت وزراة الصحة ببعض هذه القضايا التي أثارتها النقابات، لكنها نفت أنها قد تخلت عن العاملين؛ قائلة إن مطالبهم ستلبى، ومشيرة إلى تواصل المشاورات معهم.
وقال ميرسي موانغانغي المسؤول في وزارة الصحة إن “التخلي عن جنودنا سيكون معادلا لمواجهة عدو من دون دفاعات”.
Reutersيعزو البعض مشكلات الخدمات الصحية إلى تفشي الفساد
ويُعزى بعض مشاكل المنشآت الصحية في كينيا إلى الفساد، إذ تتردد مزاعم بأن بعض التمويلات المخصصة لمكافحة فيروس كورونا قد حولت إلى أغراض أخرى.
وفي سبتمبر/أيلول، أوصت وكالة مكافحة الكسب غير المشروع بتوجيه اتهامات إلى مسؤولين كبار في إدارة التجهيزات الطبية، تتهمهم بالتلاعب في العطاءات المقدمة للإدارة مما خلق انفاقا غير منتظم في الأموال المخصصة في هذا المجال. وما زالت القضية قيد التحقيق بعد رفض رئاسة الإدعاء العام إقرار هذه الاتهامات. وينفي من وردت أسماؤهم في هذه القضية قيامهم بأي فعل خاطئ.
وقال الدكتور أكوتو لبي بي سي: “إنه أمر محبط تماما… لدينا بعض الأطباء ممن كانوا في خط المواجهة يقاتلون لمكافحة تفشي الوباء، ولم يستلموا رواتبهم لأربعة اشهر، ونسمع عن ضياع مليارات الشلنات في وزارة الصحة وإدارة التجهيزات الطبية بسبب الفساد”.
هذا الخبر فيروس كورونا: رحيل الدكتور المصري الذي زرع البسمة على شفاه الأطفال الكينيين ظهر أولاً في Cedar News.