Getty Imagesسفينة الحفر البحري “يافوز” تحرسها سفينة حربية تركية قبالة الساحل القبرصي (11 يوليو/تموز 2019)
قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن ما يسمى باتفاقية ترسيم مناطق الصلاحية البحرية بين مصر واليونان لا قيمة لها، مشيرا ، في الوقت ذاته، إلى التزام بلاده بالاتفاق المبرم مع حكومة الوفاق المعترف بها دوليا في ليبيا، بحسب وكالة أنباء الأناضول. فما هي حكاية هذه الاتفاقية وما هي خلفياتها؟
ما هي الاتفاقية المصرية اليونانية؟
وقعت مصر واليونان الخميس الماضي اتفاقية مشتركة لترسيم الحدود البحرية بين البلدين.
وفي مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره اليوناني في القاهرة، قال وزير الخارجية المصري سامح شكري: “إن الاتفاق يفتح آفاقا جديدة للتعاون الاقتصادي مع اليونان وتم توقيعه بعد استيفاء كافة جوانبه”.
وتكمن أهمية هذه الاتفاقية في أن منطقة شرق المتوسط التي تطل عليها سواحل البلدين من المناطق الغنية بالغاز الطبيعي، ويقدر تقرير لهيئة المسح الجيولوجية الأمريكية عام 2010 وجود (122 تريليون قدم مكعب) أو 3455 مليار متر مكعب من الغاز و كذلك 1.7 مليار برميل من النفط في المنطقة.
ومنذ ذلك الحين سارعت قبرص واليونان وتركيا ومصر وسوريا ولبنان وإسرائيل والسلطة الفلسطينية لإعداد مشاريع التنقيب.
Getty Imagesصورة ارشيفية للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يتوسط رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس والرئيس القبرصي نيكوس اناستاسيادس
لماذا تعارض تركيا الاتفاقية المصرية اليونانية؟
أعلنت وزارة الخارجية التركية رفضها للاتفاقية زاعمة أنها تنتهك الجرف القاري التركي، ومؤكدة أن أنقرة لن تسمح لأي أنشطة ضمن المنطقة المذكورة، وستواصل بلا شك الدفاع عن الحقوق المشروعة لتركيا وللقبارصة الأتراك شرقي المتوسط.
هل تتجاوز تركيا واليونان خلافاتهما المستمرة منذ قرنين؟
تحركات تركيا الأخيرة للتنقيب عن الغاز في شرق المتوسط “قد تشعل بؤرة توتر جديدة”
ما هي مشكلة التنقيب في السواحل القبرصية؟
وفي السنوات الأخيرة، تم اكتشاف احتياطيات ضخمة من الغاز قبالة سواحل قبرص، مما دعا الحكومة القبرصية واليونان وإسرائيل ومصر إلى التعاون من أجل تحقيق الاستفادة القصوى من تلك المصادر.
ولإكساب عمليات التنقيب المشروعية القانونية اتجهت الدول لترسيم حدودها البحرية، وفي هذا الإطار وقعت مصر وقبرص إتفاقية لترسيم الحدود البحرية في ديسمبر/كانون الأول من عام 2013.
ومن ناحيتها، كثفت تركيا عمليات التنقيب في البحر إلى الغرب من قبرص (التي تنقسم إلى شطرين منذ عام 1974، ولا يحظى شطرها الشمالي الخاضع لسيطرة تركيا سوى باعتراف أنقرة).
وتقول حكومة جمهورية قبرص إن تركيا طالما انتهكت حقوقها الحصرية في الحفر في المنطقة، مشيرة إلى أن تركيا لا حق لها في التنقيب عن النفط والغاز قبالة سواحلها.
لكن يبدو أن تركيا لا تقر تلك الحقوق، وتقول إنها تكثف حملاتها لاستكشاف النفط والغاز في نطاق أراضيها، وتزعم أن أعمال الحفر التي تقوم بها تحدث داخل الجرف القاري الذي يخصها، ومن ثمّ فإنها لا تخالف القانون الدولي.
وتنقسم جزيرة قبرص إلى قسمين حيث تم الفصل بين مجتمعي القبارصة اليونانيين والقبارصة الأتراك بمنطقة عازلة بموجب قرار أممي صدر عام 1974، بعد اجتياح تركيا شمال الجزيرة القبرصية ردا على انقلاب عسكري مدعوم من اليونان.
Getty Imagesطائرة عسكرية مسيرة تركية في قاعدة في شمال قبرص
وتعترف تركيا وحدها بجمهورية شمال قبرص التركية المعلَنة من جانب واحد.
وفي نهاية مايو/أيار الماضي، قالت تركيا إنها تعتزم البدء في التنقيب خلال الأشهر التالية في مناطق عدة أخرى إلى الغرب، مما أثار انزعاج اليونان وقبرص عضوتي الاتحاد الأوروبي.
وكانت عدة تراخيص قد منحت لشركة تيركيش بيتروليوم التركية للنفط للتنقيب في شرق المتوسط، بما في ذلك قبالة سواحل جزيرتي رودوس وكريت اليونانيتين.
وقال فؤاد أقطاي نائب الرئيس التركي: “على الجميع أن يتقبل أن تركيا وجمهورية شمال قبرص التركية لا يمكن إقصاؤهما عن معادلة الطاقة في المنطقة”.
ما هي مشكلة التنقيب في الجرف القاري التركي؟
تقع العديد من الجزر اليونانية في بحر إيجة وشرق المتوسط على مرمى البصر من الساحل التركي، وبالتالي فإن قضايا المياه الإقليمية معقدة، كما أن البلدين كانا على شفا حرب في الماضي.
وإذا ما تم السماح لليونان بمد حدود مياهها الإقليمية من 6 أميال إلى 12 ميلا وهو الحد الأقصى المسموح به دوليا، فإن تركيا تقول إن خطوط ملاحتها البحرية ستتضرر بشدة.
وبخلاف المياه الإقليمية، توجد المناطق الاقتصادية الخالصة، كتلك المتفق عليها بين تركيا وليبيا، وكذلك الاتفاقات الموقعة بين قبرص ولبنان ومصر وإسرائيل. ويمكن لهذه المناطق أن تمتد لمسافة 200 ميل بحري.
إذن ما هو وضع جزيرة كاستيلوريزو الواقعة على بعد كيلومترين من الساحل التركي؟
Getty Imagesاليونان اعتبرت رحلة السفينة التركية أوروج مخالفة للقانون الدولي
في الوقت الذي تتمسك فيه اليونان بأحقيتها في الجرف القاري للجزيرة، قال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو إن “الجزر البعيدة عن البر والقريبة من تركيا ليس لها جرف قاري”.
كما قال نائب الرئيس التركي فؤاد أقطاي إن أنقرة ستمزق الخرائط التي “رسمت لسجننا داخل البر”، مشددا على أن أنقرة تتصرف بموجب قانون الأمم المتحدة للبحار.
إلى أي مدى وصل التوتر في شرق المتوسط؟
في يوليو/ تموز الماضي، وضعت اليونان قواتها البحرية في حالة تأهب بعد إعلان تركيا عن إرسالها سفينة لإجراء عمليات مسح زلزالي قرب جزيرة كاستيلوريزو اليونانية قبالة سواحل تركيا الجنوبية.
اليونان “درع أوروبا” في مواجهة تدفق المهاجرين من تركيا
مجلس الكنائس العالمي يدعو اردوغان للتراجع عن تحويل آيا صوفيا إلى مسجد
وتحدثت تقارير عن أن سفنا حربية من كلا البلدين تستعد لتسيير دوريات في المنطقة. وقال الإتحاد الأوروبي إن الإخطار التركي “غير مفيد ويبعث برسالة خاطئة”، بينما قالت تركيا إن سفينة التنقيب تعمل داخل جرفها القاري.
وشمل الإخطار التركي منطقة تقع بين قبرص وجزيرة كريت. وأفادت تقارير يونانية غير مؤكدة بأن سفنا حربية تركية ويونانية كانت في طريقها إلى منطقة قرب جزيرة كاستيلوريزو الواقعة على مسافة قريبة من الأراضي التركية.
ولكن في أواخر يوليو/ تموز الماضي، قال إبراهيم كالين، المتحدث باسم الرئاسة التركية إن بلاده قد توقف عمليات التنقيب عن الطاقة في شرق البحر المتوسط لبعض الوقت، انتظارا لمحادثات مع اليونان.
Reutersسفينة التنقيب فاتح قامت بمهمة قبالة سواحل قبرص
وأضاف كالين في مقابلة مع قناة (سي إن إن ترك) التلفزيونية إن الرئيس رجب طيب أردوغان طلب تعليق عمليات التنقيب كنهجٍ بناء تجاه المفاوضات.
غير أنه بعد الاتفاق المصري اليوناني، قال أردوغان: “إن المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل طلبت منا مؤخرا وقف أعمال التنقيب وأبلغتنا بأن ذلك سيسهل عملها، وأنا قلت لها إن كنت تثقين باليونان أو بالآخرين سنوقف أنشطة التنقيب لمدة تتراوح بين 3 و 4 أسابيع”.
وتابع قائلا: “بعد نكث الوعد ما الذي سيحصل؟ باشرنا بأعمال التنقيب مباشرة وأرسلنا سفينة بربروس خير الدين باشا إلى المنطقة لمباشرة مهمتها قبالة سواحل جمهورية شمال قبرص التركية”.
وماذا عن الاتفاقية التركية الليبية؟
وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، وقعت أنقرة اتفاقا مع ليبيا تقول تركيا إنه يؤسس لمنطقة اقتصادية خالصة تمتد من الساحل الجنوبي لتركيا حتى شمال شرق ليبيا.
وتقول مصر إن الاتفاق غير قانوني، فيما اعتبرته اليونان منافيا للمنطق إذ لم يأخذ في الاعتبار وقوع جزيرة كريت اليونانية في المنطقة.
Getty Imagesأردوغان أكد التزامه بالاتفاق مع حكومة الوفاق
ويرى البعض أن هذا الاتفاق التركي-الليبي يأتي في إطار رد أنقرة على اجتماع عقد في القاهرة في يوليو/تموز عام 2019 بين ممثلين عن مصر والأردن وإسرائيل واليونان وقبرص وإيطاليا والسلطة الفلسطينية، والذي تمت فيه الدعوة لتدشين منتدى لشرق المتوسط حول الغاز في يناير/كانون الثاني الماضي باستثناء تركيا.
ما هي التدخلات الخارجية في ليبيا وما دوافعها؟
هل تتحول ليبيا إلى ساحة للصراع بين ماكرون وأردوغان؟
هل يشكل اتفاق تركيا وليبيا بشأن الحدود البحرية “تهديدا” لمصر؟
وماذا عن الموقف الأوروبي؟
دعم الحلفاء الأوروبيون موقف اليونان. وحث وزير الخارجية الألماني هايكو ماس أنقرة خلال زيارة لأثينا على التوقف عن “الاستفزازات في شرق المتوسط”.
كما عبر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن دعمه الكامل لقبرص واليونان. وأدان ماكرون “انتهاك تركيا لسيادة الدولتين”، وقال إنه لابد من “معاقبة” كل من يهدد الفضاء البحري لأحد أعضاء الاتحاد الأوروبي.
Getty Imagesندد ماكرون بالموقف التركي
كما قالت متحدثة باسم الاتحاد الأوروبي إن تلك الخطوة التركية “غير مجدية وتبعث برسالة خاطئة”.
وأضافت أن الاتحاد الأوروبي أكد مرارا على ضرورة التعامل مع حدود المناطق الاقتصادية الخالصة والجرف القاري عبر المفاوضات والنوايا الجيدة.
هل هناك مشاكل أخرى في هذه المنطقة؟
لا تعد مشاكل التنقيب في الساحل القبرصي والجرف القاري التركي إلا جانبا واحدا من مشاكل هذه المنطقة، وإن كانت هذه المشاكل هي الأكثر التهابا حاليا.
فمازالت إسرائيل ولبنان من الناحية الفنية في حالة حرب، كما أن هناك نزاعا بشأن الحدود البحرية غير المرسومة بينهما.
وكذلك الحال بالنسبة لسوريا التي مازالت تعاني آثار الحرب الأهلية المدمرة التي شهدتها في السنوات الأخيرة.
كما أثرت الحرب في سوريا على استفادة البلاد من الغاز البحري القابع في مياهها على نحو يجعل من المستحيل اجراء عمليات تنقيب عن الطاقة.
وعلى امتداد الحوض الشرقي للبحر المتوسط إلى الجنوب يوجد حقل غزة البحري الذي يقع على بعد 30 كيلومترا قبالة سواحل الأراضي الفلسطينية.
ففي عام 1999 منحت السلطة الفلسطينية ترخيص تنقيب لشركة (بريتيش غاز).
لكن الصراع بين اسرائيل والفلسطينيين حال دون تنمية الحقل، كما أصبح الوضع أكثر تعقيدا عندما تولت حركة حماس السلطة في عام 2007 وأطاحت بمنافستها حركة فتح من القطاع، ومن ثم شددت إسرائيل من حصارها الحدودي والبحري لغزة.
وهكذا ورغم أن اكتشافات الغاز في الحوض الشرقي للبحر المتوسط تضمن لأصحابها أمن الطاقة، فمازال هناك الكثير من التعقيدات.