Getty Images
لا يكاد يمر يوم دون أن نسمع بحوادث عنف وقتل تتعرض لها المرأة بشكل خاص، على يد ذوي القربى، وفي مقدمتهم الأب الذي يفترض أن يكون سندا يحميها.
وخرجت يوم الأربعاء مجموعة من الأردنيات في وقفة احتجاجية أمام مجلس النواب الأردني، للمطالبة بوضع حد للعنف الأسري ولإلغاء أو تعديل قوانين يرون أنها مسؤولة بشكل مباشر عن عدد كبير من حوادث قتل البنات والزوجات.
#صرخات_احلام #طفح_الكيل pic.twitter.com/DLhgKue7Q9
— Salma Nims سلمى النمس (@Salmanims) July 22, 2020
صرخات أحلام
أحدث تلك الحوادث المعلنة، قصة الشابة الأردنية أحلام التي قتلها والدها.
وكان أردنيون قد تداولوا منذ أيام مقطع فيديو صُور ليلا ويُسمع من خلاله صرخات وتوسلات فتاة يقول الناشطون إنها لأحلام.
ولم يتسن لبي بي سي الـتأكد من صحة المقطع، إلا أن بيانا مقتضبا لمديرية الأمن العام الأردنية أكد، يوم السبت، مقتل الشابة الثلاثينية بعد أن اعتدى عليها والدها بأداة حادة على مستوى الرأس.
وأفادت المديرية بأن الأب أحيل إلى القضاء منذ يومين. ولم تقدم السلطات معلومات عن طبيعة وخلفية الجريمة.
لكن قضية أحلام لم تكن الأولى، وقد لا تكون الأخيرة، في ظل انقسام مجتمعي وتأييد ضمني، وأحيانا صريح، من بعض شرائحه.
وقد نشرت صفحة مكتب الأميرة بسمة بنت طلال بيانا جاء فيه: “إن جريمة قتل هذه الشابة لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة في سلسلة الجرائم المحزنة المعيبة … آن الأوان أخيرًا أن نلتزم التزاماً حقيقيًا صادقاً ونتسلح بإرادة مجتمعية سياسية لتطبيق الإجراءات الرادعة وإنهاء إمكانية استغلال الأحكام المخففة للإفلات من العقوبة”.
في ليلة الجمعة، صرخات الألم لشابة أردنية لم تنجيها من القتل بدم بارد على أيدي والدها، والذي وفقًا لما تم تداوله وبعد…
Posted by Princess Basma Bint Talal Office مكتب الأميرة بسمة بنت طلال on Sunday, July 19, 2020
هل تهز صرخات أحلام القوانين؟
تحولت صرخات أحلام ومناجاتها إلى وسم تصدر الصفحات والمواقع الإلكترونية في الأردن.
واستخدم مغردون وسم #صرخات_الأردنيات لمشاركة حالات وصور توثق العنف ضد المرأة، كما أدان معظم مستخدمي الوسم ما وصفوها بـ”العقلية الذكورية” في المجتمع الأردني بشكل عام.
المغدورة نهى الشرفاء
قتلها شاب يود خطبتها لكن والده رفض فقرر انهاء حياتها حتى لا تكون لغيره.
القاتل حمزة نرموق، تمت المصادقة على إعدامه و نهى أصبحت تحت التراب!
القوانين الرادعة مهمة، لكن الأهم هو هدم الفكر الذكوري الذي يظن فيه الرجل أنه يحمل حياة النساء في يده!#صرخات_الاردنيات pic.twitter.com/yEQTEhHDtS— Ayah (@AyahRIP) July 21, 2020
حنان بني نصر
دفعها زوجها الى قناة الملك عبدالله أثناء رحلة عائلية حتى غرقت و فارقت الحياة.
يقول المجرم:
“انا قتلت زوجتي عندما طلبت مني التقط صورة لها ومياه السد خلفها، فتحينت الفرصة ودفعت بها الى مياه القناة وكانت تغرق”.
دافع الجريمة: “كثرة النق على راسي”#صرخات_الاردنيات pic.twitter.com/ircatIMjND
— Ayah (@AyahRIP) July 21, 2020
وتقول الناشطات اللاتي نظمن الوقفة الاحتجاجية إن الهدف منها تحقيق مجموعة من المطالب منها: المطالبة بقانون رادع يخص العنف الأسري، ومنع اسقاط الحق الشخصي في حالات العنف الأسري، وتعديل مادة قانونية خاصة بجرائم ثورة الغضب.
Posted by مجتمع أردني حقوقي on Tuesday, July 21, 2020
وطالبت جمعيات حقوقية بتوقيع أقصى العقوبات على الأب، لاسيما مع انتشار معلومات بأنه جلس يرتشف الشاي بجانب جثة ابنته غير مبال بجريمته التي لاقت قبولا وإشادة من باقي أفراد العائلة، بحسب ما قاله ناشطون.
ورغم أن نبرة الاستنكار والتنديد طغت على تعليقات المتفاعلين مع القضية، إلا أن البعض لم يجد غضاضة في الدفاع عن الأب وشرعنة أفعاله.
ففي غمرة حملة التعاطف الواسعة مع أحلام، برزت ثلاثة عبارات تنضح ذكورية : “كفو عند الحق يحمي شرفه” و”أكيد الأب مختل عقلي” أو “استروا البنت ولا تشوه سمعة البلد والعائلة”.
الدعوات إلى الستر بحجة حماية سمعة الفتاة المتوفاة رأى فيها حقوقيون دعوة للتستر على جريمة العائلة، ودليلا على تقبل المتجمع للعنف المسلط ضد النساء.
لكن المدافعين عن الأب وجدوا في خبر يتحدث عن سجل أحلام الجنائي، فرصة لتسطيح القضية وتحميل المسؤولية للفتاة المغدورة.
ورغم أن السلطات لم تفصح عن ملابسات الجريمة، إلا أن البعض ربطها بالشرف وهي “الحجة والستار الذي يتوارى خلفه مرتكبو جرائم العنف ضد المرأة”، بحسب ما قلته المحامية إنعام العشا.
وتضيف العشا في حديثها مع مدونة ترند:”وصل الحال إلى أن أصبح الشرف عباءة يرتديها كل من يريد التملص من الجريمة أو إخفاء سبب جرمه الحقيقي، كخلاف على ميراث أو إرغام الفتاة على الزواج”.
#اوقفوا_قتل_النساء
ويصر حقوقيون أردنيون على أن جرائم قتل النساء، مهما كانت أسبابها، لا ينبغي أن تصبح “اعتيادية” وتمر دون عقاب.
وتلعب مواقع التواصل الاجتماعي دورا هاما لفضح حوادث العنف ضد النساء، والضغط على صناع القرار لتغيير قوانين يرى كثيرون أن تمنح “ولي أمر المرأة”، سواء كان والدها أو شقيقها أو زوجها أو حتى عشيرتها، حق قتلها تحت مسمى ذريعة “حماية شرف”.
مخيف جدًا أن يعيش بيننا من يستطيع قتل أحد أفراد عائلته، قمة الظلم والعار أن لا يجد الانسان من يحميه، وإن كان القانون لا يعاقب القاتل كما ينبغي يجب أن يُعدَّل القانون بما يحقق حماية حياة الناس .. #صرخات_احلام
— ارنستو وشرَّفتوا (@mohammad_adawi) July 18, 2020
وإثر قضية أحلام، تصدر وسم #اوقفوا_قتل_النساء مواقع التواصل الاجتماعي في الأردن ودول عربية أخرى.
ومن خلاله شاركت المئات من النساء قصصا وتجارب تعنيف إما تعرضن لها شخصيا، أو رووا حكايات لنساء تعرضن للانتهاكات أو العنف الجسدي على يد رجال وأفراد عائلة.
#اوقفوا_قتل_النساء فلسطينية أهلها عذبوها و قتلوها، أردنية زوجها اقتلع عينيها، ليبية اخواتها اغتصبوها و قتلوها، كويتية اخوها قتلها، مصرية زوجها حرقها حية، سعودية اغتصبوها و حرقوها، جزائرية اغتصبوها و اتهموها، يمنية قتلها ابوها و غيرهن، بس طبعا النسوية موضة غربية مستوردة
— القطة الإسحاقية (@sarrazine80) July 20, 2020
تراجع نسبي
وقد سجل الأردن تراجعا نسبيا في جرائم القتل الأسرية بحق النساء، منذ عام 2017، بعد تعديل المادة 98 من قانون العقوبات، التي “كانت تمنح مرتكب الجريمة عذرا مخففا في حال أقدم عليها بصورة غضب أو “وقع الفعل على أنثى بداعي المحافظة على السمعة والاعتبار”.
وانخفضت جرائم القتل الأسرية بحق النساء والفتيات خلال عام 2018 بنسبة 56 بالمائة مقارنة بعام 2017.
وعلى ضوء تلك النتائج، توقع حقوقيون أن تشهد حالات العنف ضد النساء تراجعا أكبر، لكن الأمل ما لبث أن تبدد بعد ازدياد شكاوى النساء وتطور الاعتداءات بحقهن.
وترى إنعام العشا، رئيسة جمعية معهد تضامن النساء الأردني، أن القوانين وحدها لا تكفي.
وتكمل في حديثها معنا: “العديد من الأحكام في الآونة الأخيرة صدرت مغلظة بحق الرجل المعتدي لكن المشكلة الحقيقية تكمن في التطبيق العملي والبنية الفكرية المجتمعية التي لا تزال محملة بالعنف تجاه المرأة، وتستهتر من مراجعة النساء للمراكز الأمنية”.
وتختم العشا: “يجب أن تتغير مفاهيم تربية الفتاة عن الشاب وأن تترسخ مفاهيم الندية والمساواة وعلينا التحرر من ثقافة الصمت التي تسيطر على العديد من الفتيات اللاتي يتعرضن لاعتداءات متكررة من أقرب الأشخاص إليهن”.
9 جرائم قتل أسرية بحق النساء منذ بداية عام 2020ضرورة إنشاء مرصد وطني لحالات قتل النساء والفتياتيجب عدم قبول التعهد من…
Posted by جمعية معهد تضامن النساء الأردني – sigi-jordan on Sunday, July 19, 2020
دائرة العنف المفرغة
يبدأ العنف بطائفة من الأفعال والقواعد، لا تنفك العائلة تفرضها على الفتيات في سن صغيرة، لتحتد مع مرور الزمن مخلفة آثارا على أجسادهن وشخصياتهن
وقد يُمارس العنف من الرجل ضد المرأة ومن المرأة ضد المرأة في كثير من الأحيان.
وحتى تتحرر المرأة من تلك القيود، يرى الكاتب مصطفى حجازي في مؤلفه “سيكولوجية الإنسان المقهور” أن لا بد أن يتحرر المجتمع أولا من سلاسل العبودية، فلا يمكن أن تتحرر المرأة في مجتمع مقموع وعاجز عن تحديد مصيره في ظل وجود منظمات سلطوية وأجهزة ديكتاتورية تعمل على قهره، وتسلط عليه كافة أنواع العنف وتشجعه على ممارسته”.
في ظل هذه الدائرة المفرغة من العنف يحاول صاحب السلطة قمع الأضعف منه، وعادة ما تكون المرأة والطفل الحلقة الأضعف في هذه الدائرة.
وقد تندفع العائلة في بعض الأحيان إلى تلقين أطفالها العنف التي عايشته في مجتمعات سلطوية وثقافات أبوية تميز بين الذكر والأنثى، فتربي ابنتها على قبول ذلك التمييز وتنشئ أخاها على ممارسته ضدها.
إلى كل من يرددون على مسامعنا: المرأة ماخذة حقوقها، المرأة ما ناقصها شي..
تخيلوا أننا ما زلنا نطالب بأبسط الحقوق للمرأة، ألا وهو حق الحياة.
نعم حق الحياة غير مضمون في ظل نظام أسري أبوي ذكوري أعمى يدعمه نظام سياسي قمعي ومتواطىء
#صرخات_أحلام#لا_تقتلوا_لجين #إسراء_غريب— Dima Khatib ديمة الخطيب (@Dima_Khatib) July 18, 2020
في قضية #اسراء_غريب و #صرخة_احلام الشعب الاردني والفلسطيني كان ضد هذه الجرائم اللي حصلت شباب وبنات هاجموا هذه الجرائم ورفضوها لكن اللي صدمني في قضيه #قاتل_الروابي للاسف ردود اكثر شبابنا تدافع عن القاتل وتقليل تام من شأن المرأة وحقوقها كأنها مش انسان شيئ مستفز ومحزن 🤦🏻♀️ pic.twitter.com/ytNB1e4TyT
— Diana Al Khamis (@diana__alkhamis) July 20, 2020
تعيد قضية أحلام التذكير بتاريخ طويل لقضايا من ذات النوع شهدتها الساحة الأردنية والعربية.
فكلنا نتذكر قصة الفتاة الفلسطينية إسراء غريب، التي هزت قضيتها العام العربي، بعد أنباء عن “تعرضها للضرب والتعذيب المفضي إلى الموت على يد أشقائها لملاقاتها خطيبها من دون عقد قرانهما”.
كُلنا أحلام كُلنا إسراء كُلنا أموات ، قُل لنا متى ينتهي هالضباب 💔! pic.twitter.com/Yup7NWTTHM
— شُشْ 🌘 (@shahed_mq1) July 18, 2020
عمري حاليًا 17 سنة ،وشفت أشياء ما بعتقد إنه كان لازم أشوفها بهيك عمر،مش رح أنسى ولا بيوم من أيامي وسنيني الجاي صرخات إسراء أو صرخات أحلام،مش رح أنسى ولا أي شي صار أو حادثة تحرش أو إغتصاب أو عنف أو أي كلمة سيئة دعمت الأفعال الخاطئة والأيدي المجرمة.
— •رُؤى🐎 (@rrrrroouuuu) July 18, 2020
ولا تزال القائمة طويلة. فرغم ارتفاع الوعي وتغليظ العقوبات لا يزال العنف المسلط ضد المرأة مستمرا.
وفقاً لـمنظمة “هيومان رايتس ووتش”، فإن ما بين 15 إلى 20 امرأة وفتاة يتعرضن للضرب أو الطعن أو الحرق حتى الموت من قبل أفراد الأسرة بسبب تجاوز هؤلاء النساء، حواجز “الشرف” الاجتماعية.
وغالباً ما تتضامن عائلة الضحية مع الجاني، وتطالب بنفسها بتخفيض العقوبة عنه.