قطف فيلم “الهدية” للمخرجة البريطانية – الفلسطينية فرح نابلسي جائزة أفضل فيلم بريطاني قصير في حفل توزيع جوائز بافتا (أكاديمية فنون السينما والتلفزيون البريطانية).
ويعزز هذا الفوز حظوظ الفيلم الذي يتنافس للفوز بجائزة أوسكار أفضل فيلم روائي قصير، حيث اختير ضمن القائمة القصيرة للأفلام المتنافسة على الجائزة هذا العام.
وقد أُقيم حفل توزيع جوائز بافتا هذا العام على غير العادة افتراضيا وعلى مدى يومين بدلا من الحفل التقليدي الذي يقام بحضور النجوم سنويا، بسبب ظروف تفشي فيروس كورونا.
فكانت فعاليات إعلان الجوائز تجري في قاعة ألبرت هول في لندن، بينما يظهر الفنانون المكرّمون في مقاطع فيديوية عبر الإنترنت.
وشمل الجزء الأول من الجوائز الذي أعلن يوم السبت فضلا عن جائزة أفضل فيلم قصير وأفضل فيلم تحريك قصير التي ذهبت لفيلم “البومة والقطة”، الجوائز التقنية: كجائزة أفضل مؤثرات بصرية التي منحت لفيلم المخرج كريستوفر نولان “تينيت”.
وذهبت جائزة أفضل تصميم إنتاج لفيلم “مانك” للمخرج الأمريكي ديفيد فينتشر الذي يتناول حياة كاتب سيناريو فيلم المواطن كين، هيرمان جي مانكيفيتش.
وذهبت جائزتا أفضل مكياج وأفضل تصميم أزياء لفيلم “ما رينيز بلاك بوتم”، وأفضل صوت لفيلم “ميتال”. أما جائزة أفضل اختيار ممثلين (كاستنغ) فمنحت لفيلم روكس، وهو فيلم بريطاني ذو ميزانية منخفضة قدم مجموعة من الفتيات المراهقات يقف معظمهن أمام الكاميرا لأول مرة.
وقد شكرت المخرجة النابلسي في كلمتها التي وجهتها عبر الإنترنت لحظة اعلان الجائزة، القائمين على الجائزة والكادر الذي عمل معها على انجاز هذا الفيلم، مهدية فوز فيلمها للشعب الفلسطيني.
كثافة عاطفية
نجحت فرح النابلسي في تجربتها الإخراجية الأولى في لفت الأنظار إليها عبر اختيارها قصة بالغة البساطة تركز على جماليات اليومي والعادي والمألوف، وذات كثافة عاطفية في الوقت نفسه، لتقديم معاناة الفلسطينيين على حواجز المعابر الإسرائيلية.
وتوسلت بالتأثير العاطفي لعلاقة أب بابنته الصغيرة وسط عالم قاسٍ يُحيط بهما لجذب متابعة مشاهديها وتعاطفهم مع عملها الفني، وقد عمق ذلك الأداء المميز للممثل محمد بكري بدور يوسف (الأب) والطفلة مريم كنج بدور ياسمين.
وقد نجح الفيلم حتى الآن في الترشح أو قطف جوائر عدد من مهرجانات الأفلام القصيرة في الولايات المتحدة وعدد من المهرجانات السينمائية في دول أخرى. وتُحصي قاعدة بيانات الأفلام على الإنترنت (آي أم دي بي) نحو 26 جائزة وأكثر من 20 ترشيحا لجوائز، ومن بينها جائزتي الجمهور في مهرجان بروكلين السينمائي الدولي ومهرجان كليرمون-فيران وجائزة أفضل فيلم قصير في مهرجان كليفلاند السينمائي الدولي ومهرجان ميامي السينمائي وجائزة أفضل ممثل وميدالية ذهبية في مهرجان مانهاتن للأفلام القصيرة.
وقد أتاحت منصة “نتفليكس” عرض الفيلم عالميا مع ترجمة إنجليزية بدءا من منتصف الشهر الماضي على الرغم من أنه ليس فيلما روائيا طويلا.
ويلتقط الفيلم، الذي اشتركت في كتابة السيناريو له مع المخرجة النابلسي، الشاعرة والمخرجة هند شوفاني، (من أفلامها رحلة في الرحيل 2015 وعدد من الأفلام القصيرة)، حكايته من المعاناة اليومية للسكان الفلسطينيين عند تنقلهم عبر المعابر ونقاط التفتيش الأمنية الإسرائيلية، فتختار رحلة أب من ابنته الصغيرة عبر المعبر نحو بلدة قريبة لشراء هدية لأمها بمناسبة عيد زواجهما.
- الأوسكار: “الرجل الذي باع ظهره” مهاجر سوري يدخل تونس في التنافس على جائزة أفضل فيلم أجنبي
- برتراند تافيرنييه: المخرج الفرنسي الشهير يرحل عن 79 عاما
- الربيع العربي: كيف أسهمت الصورة الوثائقية في صنعه وتسجيل أحداثه؟
- “نرجس ع” فيلم عن المقاومة بالأمل والفرح في “ثورة الابتسامة” بالجزائر
وتفتتح النابلسي فيلمها بمشهد للأب (الممثل صالح بكري) نائما قرب الجدار العازل على قطع من الورق المقوى (الكارتون)، كي يلحق بافتتاح المعبر فجرا وسط زحام العمال الفلسطينيين الذاهبين للعمل في إسرائيل، ثم نراه بعد هذا المشهد التمهيدي مستلقيا في بيته، حيث يبدأ مع ابنته بتحضير قائمة المشتريات المطلوبة للمنزل. وينطلق معها من جديد في رحلة عبر المعبر نفسه، للذهاب إلى السوق في بلدة قريبة، فيعترضه أحد الجنود الإسرائيليين ويخضعه لتفتيش دقيق يقتضي بقاءه في الانتظار بعيدا عن ابنته الصغيرة، ثم يذهب مع ابنته سيرا على الأقدام ليكتشف أنها قد تبولت على بنطالها من طول الانتظار والسير في الطريق.
وعند الوصول إلى البلدة وشراء احتياجاتهما يذهبان إلى محل لبيع الأجهزة الكهربائية، حيث يشتري ثلاجة هديةً لزوجته بدلا عن ثلاجتهما القديمة المستهلكة، ويتفق مع صاحب المحل على أن يقوم بإيصالهما إلى البيت بشاحنته، لكنهما يجدان نقطة تفتيش عسكرية قد أغلقت الطريق، فيستعير من البائع عربة دفع يدوية ويواصل مع ابنته رحلة العودة تحت المطر.
وفي المعبر يواجه من جديد مشكلة مع جنود نقطة التفتيش، حيث يصعب إخراج الثلاجة من البوابة الحديدة المدورة المخصصة لمرور الأشخاص من الفلسطينيين إلى الجهة الأخرى، حيث يصر أحد الجنود على مروره من البوابة الحديدية، حيث لا يمكن للثلاجة أن تمر، وليس من الشارع الرئيسي ويؤنب زميله الذي يتعاطف معه ويحاول اقناعه بالسماح له. فيفقد الأب اعصابه ويتوتر الموقف مع الجنود الذين يصوب البعض منهم أسلحتهم إليه.
وهنا تقدم النابلسي ضربة النهاية في فيلمها حيث ينتبه الجميع وسط أصوات الشجار العالية إلى أن الطفلة ياسمين قد دفعت العربة والثلاجة عبر الشارع الرئيس وانتقلت بها إلى الجهة الأخرى مستغلة فوضى شجارهم ، ليلحق بها والدها بعد ذلك دافعين هديتهما باتجاه منزلهما.
إيجاز وتلميح
اعتمدت المخرجة أسلوبا سينمائيا متقشفا يعتمد على الإيجاز والاختصار والتلميح، وهذا ما تفرضه بنية فيلم روائي قصير لا يتجاوز زمنه 24 دقيقة.
لذا توزعت أحداث فيلمها على يومين فقط. ولم يتجاوز مواقع الأحداث الخمسة مواقع؛ (الحاجز، المعبر، والبيت والبلدة وشارع العودة) وهي مواقع خارجية في معظمها، وقد صور بعض المشاهد في المعبر الحقيقي الذي يربط القدس وبيت لحم المعروف باسم المعبر 300 أو معبر راحيل.
وتمسكت النابلسي بالبساطة والواقعية نهجا أساسيا لها، من دون التوسل بالسعي وراء جماليات فنية مصنوعة، فبدا المشهد لديها طبيعيا يجري بسلاسة، ومركزه تلك العلاقة الحميمة بين أب وطفلته، والشحنة العاطفية العالية التي تحملها.
بيد أن بعض النقاد الإسرائليين عابوا على الفيلم ما رأوه إخلالا بشرط الواقعية مثل لهجة الممثلين الفلسطينيين الذين أدوا أدوار الجنود الإسرائليين وهم يتحدثون العبرية بلكنة واضحة، كما أدانوا ما وصفوه بتوسل الفيلم بالبعد العاطفي لتقديم موضوعه.
وقد ترسم مدير التصوير الفرنسي، بينوا شامايار، (من أفلامه طريق إلى أسطنبول لرشيد بوشارب وزيزو أو عطر الربيع لفريد بوغدير وانتقام الفرسان لبرنارد تافرينيه)النهج ذاته، فجاءت صُوره طافحة بالبساطة والاقتصاد بالتفاصيل، وقد استثمر القضبان والأقفاص الحديدية التي في المعبر للتعبير بذكاء عن عزلة الشخصيات ونشدانها الحرية، كما بدا الكثير من المشاهد مصورا من وجهة نظر الطفلة التي ترافق والدها، ففي مشهد الانتظار في المعبر نراه يصور الجنود من زوايا منخفضة من وجهة نظر الطفلة التي كانت تجلس على الأرض في انتظار والدها.
وينطبق الأمر نفسه على الموسيقى التصويرية التي وضعها أدم بن عبيد (رصيده وضع الموسيقى التصويرية لعدد من الأفلام القصيرة) ، والتي ظلت حاضرة في مساحة محدودة جدا من الفيلم الذي طغت على شريط صوته الأصوات الطبيعية من مشاهد التصوير.
وعلى خطى والده الممثل المعروف محمد بكري، شق صالح بكري طريقه الى مقدمة المشهد السينمائي بتجارب أدائية مميزة من بينها مواجهته لوالده في فيلم “واجب” للمخرجة آن ماري جاسر والذي نال عن أدائه فيه جائزة أفضل ممثل في مهرجان دبي السينمائي الدولي في 2017 مناصفة مع والده. (سبق أن تناولنا الفيلم عند تنافسه على الفوز بجائزة مهرجان لندن في العام نفسه)
وقد حصل على أدائه في هذا الفيلم على جائزة أفضل ممثل في مهرجان منهاتن للأفلام القصيرة. وما يلفت الانتباه في أداء بكري هنا؛ هو تلك العلاقة التي بناها مع الطفلة التي تؤدي دور ياسمين فبدت العلاقة بينهما وكأنها علاقة طبيعية بين أب وابنته وليس بين ممثلين. وبدا بكري بارعا في التعبير عن انفعاله في حديثه بانكليزية غير متقنة ولكن واضحه وسط مشاهد متوترة في نقطة العبور، أو التلميح بانفعالاته الداخلية عبر حركة عينيه وعضلات وجهه وسط محاولته لأن يفتعل الهدوء ورباطة الجأش والسيطرة على انفعاله في نقطة التفتيش.
لقد قدمت فرح النابلسي إلى الفن السينمائي من خارجه، فهي المولودة في لندن في عام 1978 من أبوين فلسطينيين، كانت تعمل المجال المالي كمحلل مالي معتمد في مدينة لندن، بيد أنها انتقلت إلى العمل في السينما في عام 2013 وأسست شركة سينمائية، وتقول إنها قررت تغيير مهنتها بعد زيارتها للأراضي الفلسطينية باحثة عن جذور عائلتها.
بيد أنها استطاعت عبر فيلمها القصير الأول أن تضع خطوة واثقة في عالم الإنتاج والإخراج السينمائيين، وهي خطوة رشحتها لاثنين من أعرق الجوائز السينمائية في العالم، وهما البافتا البريطانية والأوسكار الأمريكية، وقد قطفت الأولى (بافتا) وفي انتظار إعلان نتائج الثانية في حفل توزيع جوائز الأوسكار أواخر الشهر الجاري.
هذا الخبر جوائز بافتا: المخرجة البريطانية-الفلسطينية فرح النابلسي تقطف جائزة أفضل فيلم قصير وعينها على الأوسكار ظهر أولاً في Cedar News.