Getty Images
تشهد روسيا حملة إعلامية تدعو المواطنين للتصويت في استفتاء على تغييرات في دستور البلاد.
ويغازل القائمون على الحملة المشاعر القومية لدى الروس لحملهم على المشاركة في التصويت. وتعجّ الشوارع بلافتات عليها صور أطفال وحيوانات أليفة، ورموز للغة الروسية، ورموز الحرب العالمية الثانية، وغيرها مما يثير الشعور بالفخر لدى المواطنين.
ولا تشير الحملة الإعلامية، بين الكثير من الأشياء التي تشير إليها، إلى مسألة تعديل البند المتعلق بفترة بقاء الرئيس فلاديمير بوتين في الحكم.
وفي مطلع شهر يونيو/حزيران الجاري، أعلن بوتين عن إجراء تصويت على تعديلات في الدستور الروسي في الفترة ما بين 25 يونيو/حزيران وحتى الأول من يوليو/تموز.
وبُعيد إعلان بوتين، انطلقت رسميا حملة إعلامية بشأن التعديلات. وأُغرقت البلاد بلافتات تدعو المواطنين للتصويت، وشرع متطوعون في توزيع منشورات دعائية في الشوراع.
وإلى جانب الوسائل الرسمية، عكف أشخاصٌ مؤثرون على وسائل التواصل الاجتماعي على نشر فيديوهات وصور يدعون من خلالها متابعيهم إلى التصويت لصالح التغييرات.
من أجل مستقبل من المغايرة الجنسية
تُظهر الإعلانات صورا لآباء وأطفال في أجواء أسرية دافئة. كما تشير إلى قضايا تهمُّ كبار السن، كالحصول على الدواء أو المعاشات. فضلا عن صور لأطفال يعانقون أجدادهم.
ويدعو أحد التعديلات في الدستور الجديد إلى معاملة الحيوانات بشكل أفضل؛ وتشير إعلانات إلى ذلك بصور لأطفال يحتضنون كلابا وقططا.
KIRILL KUDRYAVTSEV/AFP via Getty Imagesليس مصادفة، بحسب محللين سياسيين، أن يتزامن التصويت على التعديلات الدستورية والاحتفالات بعيد النصر
ولغرضٍ يبدو أنه إخافة الروس ودفعهم إلى التصويت لصالح التعديلات، انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو مثير للجدل يظهر فيه طفل يتيم وقد تبناه زوجان من مثلي الجنس، بينما ينتظرهم جميعا مستقبل بائس عام 2035.
وتقول أستاذة العلوم السياسية إيكاترينا شولمان لبي بي سي: “ثمة طرْحٌ لا منازِع له، وهو ما ليس من شأنه إثارة جدل سياسي. هناك هامش ضيق للاختيار – أطفال، وحيوانات أليفة، وبدرجة أقل، عيد النصر”.
ويقول الباحث السياسي ألكسي مكاركين إن العادة قد درجت على عدم قانونية استخدام صورٍ لأشخاص قاصرين في حملات سياسية، لكن هذه المرة سُمح بذلك.
ويوضح مكاركين: “صور الأطفال تثير الكثير من العواطف في أي دولة، وبالذات في روسيا. إننا نعيش من أجل أطفالنا، إننا مستعدون لتحمل الجوع والمعاناة في سبيل أن يحيا أطفالنا حياة أفضل”.
- فلاديمير بوتين: الاستفتاء الذي قد يُبقي الزعيم الروسي 36 عاما في السلطة
بوشكين في معرض الدفاع عن اللغة الروسية
عملية التصويت على التعديلات الدستورية كانت مزمعة في وقت سابق من العام الجاري، لكن تفشي وباء كورونا تسبب في إرجائها.
Sergei FadeichevTASS via Getty Imagesيحظى بوشكين بإعجاب الكثيرين، ومن هنا كان طبيعيا أن يقع الاختيار على صورته في حملة تعديل الدستور
في مارس/آذار الماضي، انتشرت عبر الإنترنت مقاطع فيديو لمشاهير يحثون الناس على التصويت لصالح التعديلات الدستورية.
وحملت لافتات صورة شاعر روسيا الأكبر ألكسندر بوشكين، وانتشرت دعوات الحفاظ على اللغة والثقافة الروسية، مما أثار سؤالا عن موقف بوشكين، الذي اشتهر بروحه الحرة، من هذه التعديلات الدستورية لو كان حيًّا اليوم.
تقول إيكاترينا شولمان إن اللغة قضية عالمية، و”بوشكين كالأطفال والحيوانات الأليفة – كلهم يحظون بحب الناس. إن صورته تبعث في النفس الشعور بالاطمئنان”.
ويقول المستشار السياسي ألكسي كروتوف إن القائمين على الحملة يعمدون إلى استخدام رموز لا خلاف على قيمتها.
ويضيف كروتوف: “يتحدثون منذ سنوات على محطات التلفزة الرسمية في روسيا عن تقهقر اللغة الروسية شرقي أوكرانيا، فلماذا لا يستخدمون الأرضية التي اكتسبوها؟”.
ويؤكد كروتوف: “هذه الرسالة تتناسب بالتأكيد مع عقلية مشاهدي التلفزيون”.
حماية تاريخ الأجداد
أوليغ غازمانوف، مطرب شعبي اشتُهر بأغانيه الوطنية، يقول في فيديو مؤيد للحملة إنه “سيصوّت من أجل التغييرات التي من شأنها أن تحول بين أي شخص وتشويه تاريخنا، أو ذكرى أبطالنا”.
Getty Images
أحد الإعلانات منتشر في مدن روسية، يصور فتاة ترتدي الزي العسكري للجيش الروسي في الحرب العالمية الثانية وعلى رأسها خوذة جندي، وتمسك في يدها باقة من زهور القرنفل، وعلى الصورة كُتب: “حتى لا ننسى تاريخ أجدادنا”.
أما الممثل فلاديمير ماشكوف، الذي لعب دور عميل سري في الفيلم الأمريكي “مهمة مستحيلة”، فقد ظهر في مقطع فيديو عبر الإنترنت يقول فيه: “أريد أن تكون حدود بلادنا منيعة؛ لا يتمكن أحد من الاعتداء على جزء منها، ولا من كتابة تاريخنا بشكل مختلف”.
ويقول ألكسي مكاركين: “هذا الفيديو موجّه لكبار السن، ممن عاصروا الاتحاد السوفيتي، ولا يزالون يعتبرون الحرب قائمة”. إن فكرة تحصين حدود روسيا قد تلقى رواجا بين هذه الفئة.
مستقبل يلفّه الغموض
اتسمت الشعارات الخاصة بالتعبير عن المستقبل بقدر أكبر من الغموض. وحملت الإعلانات في موسكو كلمات من أمثال: “الأول من يوليو/تموز، مستقبلنا” و”استقرار وتنمية. دستور 2020″.
وفي حال تزويد الصورة الخاصة عن المستقبل بأي تفاصيل فإنها تكون قاتمة ومقدَّمة للجمهور باعتبارها شيئا ينبغي عليه تفاديه، كذلك الفيديو الذي يصور طفلا يتيما يتبنّاه زوجان مثليان في حالة بائسة.
Alexei NikolskyTASS via Getty Imagesالرئيس بوتين يعقد اجتماعات مع لجنة الانتخابات المركزية الروسية ومع مجموعات ناشطة، ومع ذلك لا تظهر صورته على أي من منشورات الحملة
يقول كروتوف: “على مدار الخمس عشرة سنة الأخيرة اعتدنا على تجنُّب الحديث عن المستقبل، وعندما نفعل، نحاول نسيان ما قلنا لأن بعضه لا يتحقق”.
أما حقيقة أن التعديلات تتضمن بندا يسمح للرئيس بوتين بالبقاء في السلطة حتى عام 2036، فهي غائبة بشكل ملفت للنظر من إعلانات الحملة.
تقول إيكاترينا شولمان: “أعتقد أنها محاولة من جانب القائمين على الحملة لتفادي طرْح ما يمكن أن يثير انقساما، ولهذا لا تظهر صورة لبوتين على أي من الإعلانات”.
وتضيف إيكاترينا: “بالمثل، لا ذِكْر لتعديلات تتعلق بإعادة توزيع السلطات بين الرئيس والبرلمان، أو بين الرئيس والمحكمة العليا”. لكن هذه الاستراتيجية قد تؤتي نتائج عكسية.
تقول إيكاترينا: “كلما زاد حرصك على عدم مضايقة أي شخص، قلّت فُرصك في جذب الاهتمام”.
إعلام أم إعلان؟
إيلا بامفيلوفا، رئيسة اللجنة المركزية للانتخابات، ترفض اتهاما بأنهم يروجون للتعديلات الدستورية.
Stanislav KrasilnikovTASS via Getty Imagesإيلا بامفيلوفا، رئيسة اللجنة المركزية للانتخابات، ترفض اتهاما بأنهم يروجون للتعديلات الدستورية
تقول إيلا: “لم يُخرج أحدهم منشورا واحدا توجّه فيه اللجنة المركزية للانتخابات، بالقول: صوِّتْ لهذا التعديل أو ضده”.
المعارضة من جانبها نظمت حملة تتخذ اسم “لا”، وتتهم اللجنة المركزية للانتخابات باعتماد مواد تدعم بشكل واضح التصويت لصالح التعديلات.
وقد حظرت السلطات الموقع الذي تستخدمه المعارضة في حملتها والذي كانت تدعو المواطنين من خلاله إلى التصويت ضد التعديلات.
ومؤخرا، نشرت منظمة “غولوس” لمراقبة الانتخابات في روسيا تقريرا انتقدت فيه عدم وجود لوائح تنظيمية خاصة بالحملات والتمويلات في قانون الانتخابات الروسي.
وفي هذا التقرير، يقول مراقبون إن الحكومة واللجنة المركزية للانتخابات تنفذان حملة في طول البلاد وعرضها مؤيدةً للتعديلات الدستورية المقترحة، في وقت تقدمان فيه ظاهريا معلومات عن الاستفتاء.