من يتصفح مواقع التواصل الاجتماعي في الأردن منذ يوم أمس وحتى اللحظة، سيجدها تضج بنقاشات حول مجموعة من القصص الاجتماعية المعنية بقضايا المرأة وحرية التعبير والرأي.
وتعد قضية الشابة أحلام، التي قضت قتلا على يد والدها، من أبرز القضايا التي هزت مواقع التواصل الاجتماعي الأردنية وحظيت باهتمام شعبي عارم.
ولم تُفصح السلطات بعد عن طبيعة وخلفية الجريمة واكتفت بالإعلان عن القبض على الأب وإحالته للقضاء قبل أن تعلن لاحقا منع النشر في القضية حتى انتهاء التحقيقات.
هل يستحق كل هذا الجدل؟
ولكن الجدل والنقاش حول قضية أحلام لم يمنع الأردنيين من متابعة قضية “مزرعة جرش” التي سرعان ما تصدرت عناوين المواقع الإلكترونية في البلاد لينطلق جدل آخر عنوانه “أيهما أهم قضية أحلام أم مزرعة جرش؟” و”ما معايير الحرية المسموح بها؟ على من تطبق وكيف؟”
اقل اشي ممكن تعمله الدولة لفشلها في توفير الحماية انها تخلي الاعدام علني وجثته المعلقة عِبرة لمن لا يعتبر، بس الأولى عندهم انهم يخرسوا الشارع العام ويشهروا بقضايا تافهة زي مزرعة جرش ؟؟؟؟؟ مهزلة https://t.co/aVozPN5PZy
— Maha (@qudahhh) July 19, 2020
وضع السكين على رقبة ابنته الاربعينية كي يذبحها فهربت منه الى الشارع تصرخ فلحقها وضربها بطوبة حتى ماتت، ثم جلس يحتسي كوبا من الشاي ، جريمة لم تحرك جماعات السوشيال ميديا لانهم انهمكوا بما يحدث في مزرعة خاصة في جرش.
نحن اعلى درجات الإنفصام الأخلاقي وارتباك الضمير ..#الأردن— Parehan.K بريهان قمق (@parehan) July 18, 2020
تأتي هذه الأسئلة كلما ضج فضاء الإنترنت بفيديو لفتاة أو لحفل يعتبره كثيرون “مثيرا للجدل لأنه يخالف أخلاق المجتمع وتقاليده”.
فقبل أيام انتشر مقطع مصور، يظهر حفلا مختلطا لشبان وشابات، في مزرعة خاصة بمدينة جرش، شمال الأردن، بحسب ما قاله نشطاء.
وتم تسريب شريط فيديو لما كان يجري في الحفل الذي شارك فيها شبان وفتيات بملابس سباحة وظهروا هم يرقصون على أنغام موسيقى صاخبة ويحتسون مشروبات كحولية.
بدا المشهد طبيعيا للبعض ممن دافعوا عن حرية الأشخاص في اختيار لباسهم وممارسة أنشطتهم ونمط عيشهم دون إكراه أو تدخل من أحد.
النائب قيس زيادين في تعليقه على ما حدث في مزرعة جرش | لا ارى اي مخالفة ” قانونية” اخرى؛ مع احترامي لكل من يرى في نفسه “وصيا” على اخلاق المجتمع…
استمر سعادتك#الأردن pic.twitter.com/WNhTzRhX43
— General Inspector (@GeneralInspect2) July 18, 2020
إلا أن معظم المعلقين أعربوا عن استيائهم من المشاهد التي تضمنها المقطع، ووصفوها بـ”الخليعة وبالمنافية لقيم وأخلاق المجتمع الأردني المحافظ”.
فقد أثار الفيديو موجة استنكار كبيرة في مختلف الأوساط الأردنية، وسارع كثيرون للبحث عنه، مبدين رغبة وحماسا في مشاهدة الحفل تضاهي حماسهم وتفاعلهم مع كبريات القضايا الوطنية والإقليمية بل تغالبها.
من بعد اللي شفته هسا ، بدعي ربنا يجيرنا من اللي الانحلال والفساد الأخلاقي والديني اللي عايشينه ويثبتنا على دينه ، قسماً بالله اني تضايقت، الله يهدينا ويهديكم#مزرعة_جرش
— عَلي غَباشْنه (@AliGhbashnh) July 17, 2020
مزرعه في #جرش على طريق #اربد تقام فيها حفله مختلطه من العيار الثقيل مليئه بتعري وتجمعات ومخالفات قانونية وتخل بالحياء العام ..الفيديو عندي pic.twitter.com/4IQFmKyI6n
— عبدالباسط العمري (@abdalbaset714) July 17, 2020
وسرعان ما تصدرت “حفلة مزرعة جرش” قائمة الكلمات الأكثر بحثا على غوغل في الأردن خلال ساعات.
كما أطلق رواد موقع تويتر وسما باسم المزرعة، في محاولة للضغط على السطات المحلية ودفعها إلى فتح تحقيق وملاحقة منظمي الحفل.
وجاء رد الشرطة الأردنية سريعا، إذ أعلنت مديرية الأمن العام اعتقال وتوقيف ثلاثة أشخاص وإحالتهم للقضاء.
قال الناطق الاعلامي باسم مديرية الامن العام ان العاملين في ادارة البحث الجنائي وعلى اثر تداول مقطع فيديو لحفل مخالف…
Posted by مديرية الامن العام on Saturday, July 18, 2020
تناقضات وازدواجية
ووصف مغرد حالة “الهلع” التي اعترت مواقع التواصل الاجتماعي قائلا: “فيديو حفلة مزرعة جرش أصبح مطلوبا أكثر من دعم الخبز”.
وعلى نفس المنوال، علقت المدونة تولين ساخرة: “الناس تبحث عن فيديو مزرعة جرش وقصة أحلام لكنها تجاهلت قضايا الفساد والأموال المنهوبة من الوطن والاقتطاعات وضم الأغوار وغاز العدو وغيرها من القضايا”.
فيديو حفلة مزرعة جرش صار مطلوب أكثر من دعم الخبز
— amjad Shotar 90 (@sho6ar) July 17, 2020
بين حفلة #مزرعة_جرش و #صرخات_احلام
و بين هبل و سذاجة الشعب و دهاء الحكومةللحظات.. حسستوني أنها #الأردن هيي المدينة الفاضلة اللي خططلها أفلاطون#شعب متناقض وكذاب
— سوووسة (@rawannasir893) July 18, 2020
في تغريدات تحاول(عن غباء او عن خبث) تحاول تصوير المجتمع الأردني كامل بانه منحل اخلاقيا ومتعطش للجنس والقتل وان الاسرة في #الأردن عبارة عن مستنقع للتخلف والقمع بناء على جريمة قتل #احلام وقصة #مزرعة_جرش الاعدام لقاتل احلام والخزي والعار لمن تقاعس عن سماع #صرخات_احلام
— Zeyad Omoush (@ZRomoush) July 18, 2020
أما عامر بدوي فقال: “في الوقت الذي تنتظر فيه أحلام أن تأتي صراخاتها بنتيجة، انشغل كثيرون. مشغول الشباب في مزرعة جرش الخاصة. من يقف ضد مزرعة جرش هم نفسهم الأشخاص الذين قد يسمحوا بقتل بناتهم”.
فيديو مزرعة جرش أثّر في “مجتمعنا المحافظ وخدش الحياء العام”. لكن صرخات أحلام وكاسة الشاي الي انشربت بجانب جثتها قد اصبحت جزء من عاداتنا و تقاليدنا.
لروحك الرحمه يا احلام. #صرخات_احلام pic.twitter.com/RjFBdPXRZw— Anas Al-Madanat (@AnasMadanat) July 18, 2020
فيديو مزرعة جرش أثّر في “مجتمعنا المحافظ وخدش الحياء العام”. لكن صرخات أحلام وكاسة الشاي الي انشربت بجانب جثتها قد اصبحت جزء من عاداتنا و تقاليدنا.
لروحك الرحمه يا احلام. #صرخات_احلام pic.twitter.com/RjFBdPXRZw— Anas Al-Madanat (@AnasMadanat) July 18, 2020
السلطة الأخلاقي
بذلك تحول فيديو الحفل من مجرد مقطع منتشر على الانترنت إلى مادة للسجال بين فريقين، يرى أحدهما أن قيم المجتمع ثابتة لا تغيير، بينما يرفض الآخر التقييد برؤية موحدة وجماعية للأخلاق.
ويرى كثيرون أن هذا السجال كشف تناقضات مجتمعية وفكرية وخلطاً بين “الموروثات الثقافية” للبلد و”الأفكار الدخيلة” عليه.
كما يحمل هؤلاء مواقع التواصل الاجتماعي المسؤولية الأكبر في إبراز القضايا الهامشية، مشيرين إلى أن “الحريات الفردية لا تأتي في سلم أولويات الأردني المنشغل، الذي يطالب بالمزيد من المكتسبات الاقتصادية والسياسية”
في المقابل، يرى آخرون أن “الحرية قضية لا تتجزأ، وأن تحقيق الحرية السياسية والاقتصادية لن يتأتى إلا بتحرير المرأة والمجتمع، الذي ظل لزمن طويل محكوما برؤية أحادية للأخلاق، وبتفكير سلطوي يخشى من انتشار الأفكار المخالفة له”.
#مزرعة_جرش #حفلة_جرش
يجب محاسبتهم لعدم لبس الكمامات
فضحوا حالهم— فيصل الصمادي 1983 (@faisal_smadi) July 17, 2020
ويأتي الفيديو، الذي يوثق الحفل الخاص، في ظل استمرار الحكومة الأردنية اتخاذ تدابير وقائية للحد من فيروس كورونا، من بينهما منع التجمعات.