EPAدمر الانفجار الدامي في بيروت ميناء المدينة والمناطق المجاورة
إن الانفجار المدمر الذي وقع في بيروت هو تذكير مُحزن بحقيقة مقلقة للغاية، وهي أن المكان الذي خزنت فيه آلاف الأطنان من نترات الأمونيوم بشكل غير آمن في ميناء تلك المدينة ليس الموقع الوحيد المعرض لخطر الانفجار التلقائي.
ففي بلدان أخرى أمثال: الفلبين وأوكرانيا وجورجيا وليبيا وغينيا بيساو ثمة مخلفات خطرة من الذخائر تركت من صراعات سابقة وراهنة، وبعضها في مواقع قريبة من مناطق مأهولة بالسكان وتهددها بالخطر.
ووفقاً لوكالة مراقبة تتخذ من سويسرا مقراً لها وتدعى “مسح الأسلحة الخفيفة” (SAS) قُتل و أصيب نحو 30 ألف شخص في 101 دولة في الفترة الواقعة بين عام 1979 وشهر أغسطس/آب 2019، جراء انفجارات غير مخطط لها في مواقع الذخائر.
ومن بين 606 حادثة مسجلة، تتعلق نسبة ما يقرب من ثلاثة أرباعها بانفجارات في ترسانات أسلحة تابعة لدول.
وقد وقع أحد أسوأ هذه الانفجارات في برازافيل في جمهورية الكونغو عام 2012 ، وأسفر عن مقتل أكثر من 500 شخص.
ويقول سايمون كونواي ، أحد كبار المسؤولين في مؤسسة “هالو تراست” الخيرية البريطانية لإزالة الألغام، إن الخطوة الأولى المطلوبة هي دفع الحكومات إلى الاعتراف بأن مستودعات الأسلحة هذه غير آمنة. فهي لا تعد المستودعات مشكلة ما لم تنفجر.
أما الخطوة التالية هي جلب أناس يتحلون بالخبرة المناسبة لنقل مخازن المتفجرات بعيداً عن المناطق السكنية، وتدميرها.
ويقول كونواي: “عادة ما تكون هذه المواقع لا تتمتع بمستوى عال من الأمان، ويكون من السهل جداً أن تختفي بعض المكونات منها لتظهر لاحقاً في شكل عبوة ناسفة أو قنبلة موقوتة”.
إذاً، على من يجب أن نقلق اليوم بعد بيروت؟ وما هي المواقع الأخرى التي يعتبرها خبراء الأسلحة، قنابل موقوتة محتملة؟
الفلبين
على جزيرة مليئة بالثعابين في خليج مانيلا، ثمة مخزن يضم ذخائر أمريكية تالفة يعود تاريخها إلى الحرب العالمية الثانية. قذائف صدئة وقذائف أعماق وقنابر (قذائف) هاون وغيرها من القذائف المتناثرة على أرضية أحد الأقبية العسكرية المملوءة بصناديق المتفجرات والحشوات الدافعة للقذائف والصواريخ.
وتقدر مؤسسة “هالو تراست” أنه يوجد في جزيرة كابالو، وفي موقع آخر قريب منها، ما مجموعه 1.6 مليون مادة متفجرة، وهو ما يكفي بشكل مخيف لتدمير المطار المحلي في كوريغيدور وتهديد السفن العابرة في خليج مانيلا.
ويقول كونواي، الذي تفقد الموقع برفقة الجيش الفلبيني، إن هناك مخبأين يحتويان على 200 ألف طلقة مضادة للطائرات، وإذا انفجرت تلك المخابئ، فبالتأكيد سيؤثر ذلك على المطار القريب”.
وثمة المزيد من بقايا ذخائر الحرب العالمية الثانية مخزنة في قاعدة بحرية قريبة من العاصمة مانيلا. وهي مخزنة بشكل غير آمن ينذر بالخطر بجوار قذائف مدفعية حديثة بحسب كونواي.
إن هول ما حدث في مرفأ بيروت كان بمثابة ناقوس خطر للسلطات المحلية هناك. ففي غضون أيام، اتصلت البحرية الفلبينية بمؤسسة “هالو تراست” لمناقشة أفضل السبل للتخلص من كل هذه الذخائر بطريقة آمنة.
انفجار بيروت: ما الدول العربية التي لا تزال تختزن شحنات من مادة نترات الأمونيوم؟
صور انفجار بيروت: مقارنة بين ما قبل الحادث وما بعده
انفجار بيروت: السفينة التي جلبت الجحيم لبيروت
انفجار بيروت: كل ما نعرفه حتى الآن عنه وأسبابه وملابساته
غينيا بيساو
ويقع أحد أكثر المواقع إثارة للقلق في دولة غينيا بيساو، في غرب إفريقيا، حيث توجد كمية غير معروفة من قنابل الطائرات التي تعود إلى الحقبة السوفيتية تركت لتصدأ وتتآكل بفعل الحرارة والرطوبة في العديد من المخازن القريبة من مراكز سكنية.
ويعود تاريخ بعض هذه القنابل إلى الخمسينيات من القرن الماضي، ويعتقد أنها ليست في حالة مستقرة إطلاقاً. ويقع هذا الموقع الأكثر إثارة للقلق بجوار مدينة بافاتا، ثاني أكبر المدن في البلاد والتي يبلغ عدد سكانها 22500 نسمة.
وتجرى محادثات مع الحكومة بشأن كيفية التخلص منها بأمان منذ عام 2005 ، لكن سياسات محلية تُبطئ مسارها. وتقول منظمة “هالو تراست” إنها باشرت في بناء مستودعات أكثر أماناً ولكن حتى الآن لم يتم تدمير أي شيء من هذه الذخائر القديمة.
ليبيا
وتغرق ليبيا بالأسلحة والذخائر منذ ثورة 2011 التي أطاحت بنظام معمر القذافي. وتقدر الأمم المتحدة بأن هناك أكثر من مئتي ألف طن من الذخائر المفقودة وغير الخاضعة لسيطرة الحكومة.
ويقول كونواي: “يتم تهريب هكذا أشياء بسهولة إلى بلدان الساحل أو أي مكان آخر”.
وفي 6 مايو/أيار، وقع انفجار أولي في مخزن الذخائر خارج مدينة مصراتة ، تلته بعد أيام انفجارات أخرى، حيث انفجرت قذائف وصواريخ وقنابل تحملها الطائرات وتناثرت شظاياها على مساحة واسعة وتسببت في عدد غير معلوم من الضحايا.
وتعمل هالو تراست على تأمين الذخائر غير المنفجرة المتبقية. وأحد المواقع الأكثر إثارة للقلق حاليا، هو مستودع الأسلحة الكبير الذي بني في عهد القذافي في مزدة، القريبة من بلدة يزيد عدد سكانها عن عشرين ألف شخص.
ولعل أولئك الذين يحاولون إزالة هذه المخاطر لا يضطرون فقط إلى التعامل مع القيود المفروضة بسبب كوفيد 19، بل ومع الخطر الدائم للحرب الأهلية المستمرة في ليبيا.
أوكرانيا
مثل العديد من جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق، يوجد في أوكرانيا عدد من مستودعات لبقايا الأسلحة من المرحلة التي كانت البلاد فيها جزءاً من الاتحاد السوفيتي.
وفي عام 2017 انفجر اثنان من هذه المستودعات، طال الانفجار الأول مستودعاً ضخماً للصواريخ وقذائف المدفعية في شرق أوكرانيا، مما أدى إلى إجلاء أكثر من 20 ألف شخص كانوا يعيشون على بعد 10 كيلومترات من المستودع.
في وقت لاحق من ذلك العام، تسبب انفجار آخر في مستودع للأسلحة في انفجار مهول، وكان بالإمكان رؤيته من مسافة بعيدة ، مما أدى إلى تدمير ما قدّر بـ 32 ألف طناً من الذخائر، وظلت المقذوفات تتطاير نحو السماء لوقت طويل.
وقد عانت كل من كازاخستان وأوزبكستان من انفجارات غير مخطط لها في مستودعات الأسلحة.
جمهورية أبخازيا المنفصلة عن جورجيا
في أغسطس / آب 2017 ، أدى انفجار غير مخطط له في مستودع مطل على البحر الأسود كان يخزن فيه أكثر من 2000 طن من الذخائر القابلة للانفجار، إلى انطلاق صواريخ ومقذوفات أخرى في الهواء سقطت على بعد 12 كيلومتراً.
وتقوم منظمة “هالو تراست” بتطهير المنطقة منذ ذلك الحين، وقد دمرت أكثر من 90 ألف مادة، ولكن لا يزال يتعين عليها تأمين نحو ثلث المنطقة المتضررة.
وبالنسبة لجميع هذه البلدان ، كان الانفجار الأخير في العاصمة اللبنانية بمثابة تذكير مروع بما يمكن أن يحدث عندما يتم تخزين مواد متفجرة غير مستقرة بشكل غير آمن.
وسرى خبراء الذخائر الآن أنه إذا كان من الممكن الخروج بشيء إيجابي من المأساة اللبنانية، فسيكون تجديد المطالبة العالمية بجعل هذه المخزونات آمنة قبل فوات الأوان.