عشر سنوات مضت منذ اندلاع شرارة المظاهرات في الدول العربية، في إطار ما يعرف بالربيع العربي، والذي علق عليه الكثير من الشباب آمالهم في تغيير مصيرهم، ومصير الأنظمة التي حكمتهم لسنين طويلة.
نزل الملايين من هؤلاء الشباب إلى شوارع المدن العربية للمطالبة بحقوقهم. قدموا الكثير من التضحيات، سواء خلال الموجة الأولى من الربيع العربي في دول مثل مصر وسوريا، أو في موجته الثانية في السنتين الأخيرتين في العراق والسودان والجزائر ولبنان. كانوا يعلمون أن الإنتفاضات والثورات لها ثمنها الذي يجب أن يدفعه كثيرون ممن يشاركون فيها. هناك من خسر أهله، أو خسر اصدقاءه، أو أصيب بإصابات جسدية لا يزال ألمها يذكره بيوم الإصابة، بعد أن مر عليه عقد من الزمان، وكأنه البارحة.
كيف يرون تضحياتهم وآلامهم بعد كل هذه السنوات؟ هل كان الأمر يستحق كل هذه المعاناة، أم أن تضحياتهم ذهبت سدى؟ هذه هي تجارب مجموعة منهم.
مصر- أحمد الشيخ
“كانت أول مرة نرى فيها شيئا مثل هذا”. هكذا وصف أحمد الشيخ بداية الربيع العربي في تونس. بالرغم من عمل أحمد الحالي في الصحافة المحلية والاستقصائية، إلا أنه لم تكن له أية إهتمامات بالسياسة منذ صغره. ولكن متابعته لما كان يحدث في تونس، وتطور المشهد السياسي هناك شد انتباهه. وحتى عند بداية المظاهرات في مصر يوم 25 يناير/كانون الثاني 2011، كان فقط متابعا لما يحدث. إلا أنه عرف ما حصل مع أحد أصدقاءه، أحمد بسيوني، الذي كان معيدًا في أحدى الجامعات المصرية وتم ضربه ومصادرة كاميرته التي كان يصور بها ما يحدث في المظاهرات من قبل اجهزة الأمن. هنا، شعر أحمد أن عليه النزول للشارع، ولم يخف من أن يحدث له ما حدث لصديقه. “الانتهاكات التي كنا نراها على التلفزيون، والتي يتعرض لها المتظاهرون كانت نوعا من التحفيز لنا.”
يوم 28 يناير 2011 هو تاريخ مهم جدًا لأحمد، فقد كان ذلك اليوم هو “جمعة الغضب” الذي تعرض فيه الكثير من المتظاهرين لعمليات عنف من قبل الشرطة، وتم قطع الإنترنت عن مصر. وهو أيضا اليوم الذي قدم أحمد فيه أكبر تضحياته، خسارة عينه.
نزل أحمد للتظاهر في الإسكندرية يومها، وكان خط سير المظاهرة يمر من أمام مركز الشرطة. ظن ضباط الشرطة أن المتظاهرين سيهاجمون المركز فاستخدموا الغاز المسيل للدموع والرصاص الحي. يتذكر أحمد ما حدث ويقول: “كانت هذه أول مرة في حياتي أنزل في مظاهرة، وكنت أشعر أن كل الناس تنظر لي.” عند محاولة توثيق ما يحدث مثل باقي المتظاهرين، إنعكست أشعة الشمس على شاشة موبايل أحمد وهو مختبئ وراء كشك هاتف عمومي. وعند تحريك رأسه، أطلق أحد رجال الشرطة الرصاص الحي نحو الكشك، ومن ثم تطايرت قطع صغيرة من الحديد وضربت زجاج نظارته التي كان يلبسها وانكسر الزجاج مصيبا عينه اليسرى. مكث أحمد في المستشفى قرابة الشهر. “شعرت بالألم عندما أستيقضت من التخدير وأنا أضع يدي على عيني وفجأة أنتبهت أنني لا أرى شيئا لأنهم كانوا مغمضين كلتا عيناي، وبعدها عرفت ما حدث”.
خسارة أحمد لم تكن جسدية وحسب، فاتصال عادي للإطمئنان على صديقه الذي تعرض للضرب وأخذ كاميراته في بداية المظاهرات في مصر، انتهى بأن تفاجأ أحمد بخبر وفاته. “كان هذا احساس مختلف جدا وكسرني بشكل كبير وتولد لدي شعور أن أنزل حالا وأكون مع الناس”.
مر أحمد بصعاب كثيرة للتعامل مع ما حصل له في الثورة. خسارة عينه سببت له مشاكل نفسية كثيرة. “كنت أقف أمام المرآة وأنظر لعيني ومن ثم أنظر لصوري وأبكي”. وكان أحمد يرتدي العصابة على عينه لمدة عام كامل وعند إزالته لها كانت رؤيته ضبابية إلى أن وصل لمرحلة عدم الرؤية. فما كان الحل سوى السفر خارج مصر لإجراء عملية واكتشاف أنه تم تشخيصه بشكل خاطىء.
عانى أحمد كثيرا فعندما وجد الأطباء أن العصب الذي يصل الشبكية بالمخ ليس ميتا (كما شُخص من قبل) ولكنه خامد، كان عليه استخدام قطرات لتنشيط العصب. وبالفعل داوم على القطرات لمدة سنتين وكان ممنوعًا من أمور كثيرة مثل لعب كرة القدم، المشي في درجة حرارة عالية والتواجد في الأماكن المتربة. فكان القرار الأخير هو إجراء عملية لإزالة العين اليسرى ووضع عين أخرى بدلاً منها. وفي آخر لحظة ما قبل أن يأخد أحمد حقنة التخدير وهو في غرفة العمليات، أزال الأجهزة الموصولة به وغادر الغرفة. فاجئ قرار أحمد خاله الذي كان معه، عندما قال: “الذي يريد أن يتقبلني بما أنا عليه، أهلاً به، والذي لا يريد أن يتقبلني لا يهمني.” تحول الموضوع بالنسبة له إلى تحد.
المواقف التي تعرض لها أحمد نتيجة لإصابته في عينه كانت مختلفة. منها عندما تعرف عليه شخص غريب ورأى إصابته وتم التعامل معه بفوقية ولكن بعد المعرفة بأنه خسر عينه في الثورة، يصبح بطلاً بالنسبة للآخرين. هذه الإزدواجية في التعامل لا يطيقها أحمد. أما بالنسبة لنظرات الناس، أصبح أحمد يتفهمها. مثال على ذلك موقف حصل له في أحد المراكز التجارية وهو بانتظار الدفع، وسؤال طفل واقف أمامه عن ما حدث لعينه وحرج الأم. لم يؤثر عليه الأمر معللاً: “لو رأيت أحدًا في الشارع شكله غير إعتيادي أنت ستنظر له”. كانت هذه عقلية أحمد التي ساعدته في تقبل وضعه ونظرات الآخرين له.
سلاح أحمد الوحيد كان صوته وتظاهره بشكل سلمي على أمل الحصول على مطالب منها “عيش، حرية، عدالة اجتماعية”. ولا يندم أحمد على تضحيته رغم عدم تحقق مطالب الثورة الرئيسية وتراجع الحريات في مصر. ولكن أحد الأفكار التي تدور في باله هي الهجرة. “آن الأوان لكي أفعل شيئا لنفسي لأن بلدنا هذه لا تعطي أي شيء.”
سوريا – أحمد سرحيل
الهجرة كانت الحل الوحيد لأحمد سرحيل من بعد ما اشتدت صعوبة الوضع في سوريا، وبالأخص بعد إصابته في رجله وبترها. بدأت الثورة في سوريا بعد تخرجه من كلية الشريعة بثلاثة أشهر. “مع بداية الثورة في مصر وفي ليبيا كنا نغلي”. كانت مطالب المتظاهرين السوريين تتعلق بالحريات والتعليم والخدمات. يروي أحمد القيود التي كانت تفرض على السوريين وعدم وجود أحزاب معارضة في سوريا ويقول “طموحي أني أقول الكلمة ولا أخاف منها”. كان الخروج للشارع والتظاهر بطريقة سلمية هو أمل أحمد في التغيير. كان المتظاهرون مدركين حجم المعاناة التي سيعانونها، ولكن لم يتوقعوا أن يصل الأمر لاستخدام الرصاص الحي.
تظاهُر أحمد مع أخيه في حلب سبب قلقا لأهله، بالأخص أمه. “عندما أنزل للشارع من أجل المظاهرة، والدتي كان تضع قلبها في كفها”. وكان والده رافضا مشاركتهما في المظاهرات في البداية. غير أن قرار أحمد بالمشاركة في المظاهرات أثر عليه بطرق كثيرة. كان قد اعتقل لمدة ساعتين في الشارع وأُخذت هويته عندما شارك في مظاهرة الجامع الكبير عام 2012 وهو يحاول إسعاف أحد المتظاهرين الذي تعرض لإطلاق نار في رأسه. وبعد الاعتقال بنحو شهر تعرض أحمد لإصابة في رجله اليمنى عند توجه لمظاهرة في جامع بلال في حي صلاح الدين. “كنت ألبس زيا رسميا حتى إن خرجت في مظاهرة وتفرقنا لا يعرف الأمن أنني من المظاهرة”.
وهو في الطريق للمظاهرة، انفجرت قنبلة يدوية موضوعة في حاوية ورُفع أحمد في الهواء نحو ثلاثة أمتار وعند سقوطه لاحظ أن رجله اليمنى أسفل الركبة ممزقة. يضيف أحمد: “لوهلة كنت أظن نفسي ميتا. وجلست لـ 20 ثانية أتشهد والناس من حولي تفرقوا من هول الانفجار.” سمعت والدة أحمد صوت القنبلة كون المكان يبعد عن بيته نحو ربع ساعة. خلال الصدمة التي كانت يعيشها أحمد بعد الحادثة، رن هاتفه وكان المتصل أمه. رفض أحمد الاتصال نحو ثلاث مرات لكي لا يزيد من روع والدته. بعدها نقله أحد المتظاهرين للمشفى وكان القرار الطبي هو بتر رجله، وهو الأمر الذي لم يكن بالسهل على والده التوقيع عليه.
عند سؤاله ما إن ندم على ما حصل ومشاركته في المظاهرة، رد أحمد وبدون تردد: “لو يرجع بي الزمن سألتحق بالثورة ولو علمت أني سأصاب”. بالرغم من خسارة أحمد لرجله وأصدقاءه براء وأبو الوفا، الذين لا يزالان مفقودين لليوم، وأيضا فقدانه وطنه عند هجرته لتركيا، هو غير نادم. “تضحيتي لم تذهب سدى. عندما خرجنا للثورة كنا نفكر أننا شهداء”.
عند حديث أحمد عن إصابته والتغييرات التي طرأت على حياته اليومية بسببها، تشعر أن صوته لا يملؤه إلا الرضا والقناعة، وربما هذا هو الأمر الذي جعله ينجح في حياته بعدها. إصابة أحمد لم تمنعه من بدء أسرة وأن يصبح محرر أخبار في تركيا. أبرز مثال على صلابته هو عندما كان يزوره أصدقاؤه في المستشفى ويبكون. فكان رده هو: “يا شباب، الذي يريد أن يبكي يخرج من هنا. الحمد لله أني أصبت وأبتليت وأنا صابر ولا أريد أن يبكي أحد. الذي يأتي لزيارتي إما أن يقويني أو لا يأتي”. ولكن هناك لحظات يشعر أحمد بألم نفسي عندما يستعيد ذكرياته وهو يركض خاصة وهو يمارس الرياضة. “أنا حاليا أرتدي طرفا صناعيا ولا أستطيع الركض. كنت ألعب كرة قدم وكرة سلة. كل هذا محروم منه. هذا الألم الذي الذي يمكن أن يؤثر علي”.
العراق – كرار أحمد
كرة القدم بالنسبة لكرار أحمد أيضا هي إحدى هواياته التي لا يستطيع الآن ممارستها من بعد إصابته على خلفية مشاركته في المظاهرات في العراق قبل سنتين. “خرجت (للمظاهرات) وكنت أريد عمل شيء جيد. نصف حياتي دُمرت. عندما كانت تتأزم نفسيتي كنت ألعب كرة القدم لكي أرتاح. حتى هذا الشي الذي أحبه اختفى.”
كرار هو أكبر إخوته والمعيل الوحيد لعائلته المتكونة من أمه وأبيه وإخوته البنات الثلاث وإخوانه الإثنين، وهو عامل وراتبه بسيط. أحد أسباب نزوله للشارع في مظاهرات أكتوبر في العراق سنة 2019 هو تردي الوضع الاقتصادي في البلد. “الذي دفعني للخروح في المظاهرات هو البطالة. أريد أن أجد حلا.” كرار كان قد ترك الدراسة بعد أن أنهى الصف الخامس الإبتدائي لأن ظروف عائلته المادية دفعته للبحث عن عمل ومساندة عائلته. قبل بدء المظاهرات، كان كرار يعمل في تصليح السيارات وكان يحاول جمع المال في نفس الوقت. ولكن بعد فترة، أصبح كرار بدون عمل وكان الوضع بالنسبة له صعب. ولكنه اشترى “توك توك” بالمال الي جمعه من عمله السابق لكي يكون باب رزقه الجديد، ومن ثم أصبح هذا “التوك توك” وسيلة نقل لمساعدة المتظاهرين في بغداد.
تعرض كرار لإصابتين من المظاهرات. أول إصابة كانت عند نزوله الأول إلى ساحة التحرير لمساعدة متظاهر آخر كان قد تعرض للضرب. عندها أصيب كرار بطلقين في رجله اليسرى. ولليوم لا تزال آثار الطلقتين ظاهرة. يروي كرار الحادثة ويقول: “كمية الدم كانت هائلة ولم يكن باستطاعتي فتح عيني”. لأن الطلقتين كانتا في العضل، وليس العظم. مكث كرار في المشفى قرابة الأسبوع وخرج.
و ما حدث له لم يمنعه من النزول مرة ثانية للتظاهر. عند جسر الأحرار في بغداد كان كرار يساعد متظاهرًا وقع من فوق الجسر. تعرض له أفراد من قوات حفظ النظام وأخذوا “التوك التوك” الخاص به وأحرقوه ورموه من فوق الجسر، وتم ضربه بالعصي في رجله اليسرى، ما أدى إلى كسرها. كانت إصابته في أصابعه ورجله وجبينه واضطر أن يخيط رأسه 8 غرز. لو كان بيده، لنزل كرار مرة أخرى لساحة التحرير، لكن إصابته أبقته في البيت مدة ثمانية أشهر. وبسبب الوضع المادي والتكاليف العالية، لم يستطع البقاء مدة طويلة في المستشفى فكانت أمه تشتري له الأدوية والإبر من الصيدلية لمداواته في البيت.
بحزن يتكلم كرار عن أثر إصابته عليه. “التوك توك كان باب رزقي وكنت أعطي منه مصروفا لأهلي”.ولكن ليست هذه هي خسارته الوحيدة. فبسبب إصابته في رجله، لم تعد حياة كرار كما كانت. يعاني كرار من انحراف في العظم بسبب الكسر وإن لم يجر عملية، ستزيد الحالة سوءا ويمكن أن يؤثر ذلك على قدرته على المشي تماما.
حياته اليومية تغيرت أيضا. في البرد لا يستطيع كرار المشي، وتوقف عن لعب كرة القدم، الأمر الذي يحبه. لا يستطيع الركض لأكثر من 10 دقائق لأنه يتم الضغط على الأعصاب كثيرًا فبالتالي لا تستطيع رجله تحمل وزن جسده فيسقط أرضًا. تمر على كرار لحظات يستذكر حياته السابقة والحالية بعد الإصابة ويقول: “تدمع عيني عندما أنظر لنفسي وأقول أنا لم أخرج من أجل شيء سيء”. ولكن بالرغم من كل هذا وبالرغم من أن الوضع السياسي في العراق لم يتغير وبرأيه “وصلنا للأسوأ” لا يندم على ما فعله. “لو أعرف أنني سأموت، أرجع مرة ثانية (للمظاهرة) ليس لي فقط ولكن للناس الآخرين”.
السودان – إيمان إسماعيل (أم قصي حمدتو)
حتى خسارة ابن لم تجعل إيمان إسماعيل أو أم قصي تشعر بالندم على التضحية الكبيرة التي قدمتها في مظاهرات السودان. “لو كنت مخيرة في اختيار طريقة لموت ابني لما وجدت أشرف من استشهاده”.
قصي حمدتو كان طالبًا يدرس القانون في جامعة النيلين في سنته الرابعة والأخيرة وكان يعمل في نفس الوقت. كانت معاناته مثل بقية الشباب في السودان. نزل للشارع للتظاهر على الفساد وتردي مستوى التعليم والصحة والمعيشة. وكذلك تفشي المحسوبية وضبابية المستقبل. تقول إيمان: “كنت خائفة جدًا عليه من بطش القوات النظامية وتنكيلها بالمتظاهرين السلميين، وأناقشه كثيرًا في المشاركة في المظاهرات فكان يحاول طمأنتي”. أم إيمان مثلها مثل أي أم كانت خائفة على ابنها من المشاركة خاصة مع انتشار قصص لمتظاهرين تأذوا على أثر نزولهم للشارع. تروي أم إيمان ما قاله لها: “يا أمي إن حفرت لي خندقا في داخل الغرفة هذه فهل ستحميني من الموت؟ فقلت له لا أحميك. فقال إذن لا تمنعيني من المشاركة”.
وفعلا ظل قصي يشارك في المظاهرات السلمية مطالبا بالحرية والسلام والعدالة حتى دخلوا إلى منطقة قيادة القوات المسلحة. في شهر يونيو/حزيران سنة 2019 خرج قصي من منزله للمشاركة في اعتصام القيادة العامة وبقي هناك حتى توفي بعدها بثلاثة أيام. في عملية فض الاعتصام، تم إطلاق النار على قصي في صدره، وتم ربط رجليه وعنقه ورميه في النيل حيث بقى يومين، كما تروي أمه. من بعدها طفت جثته وعثر عليه مجموعة من المزارعين على ضفاف النهر وقاموا بتبليغ الشرطة ومن ثم نقله لمشرحة مستشفى أم درمان.
كانت عائلة قصي وأصدقاءه وزملاءه يبحثون عنه لمدة أربعة أشهر دون جدوى. كانت أم قصي معتادة على الاتصال به للإطمئنان عليه، وإذا لم يرد كانت تتصل بأصدقاءه وأولاد عمه للسؤال عنه. وفي فترة اختفاءه كانت تدور أفكار كثيرة في ذهن أم قصي وهي لا تعرف أين هو ابنها. في هذا الوقت، قامت مبادرة “مفقود” بتقديم يد المساعدة لإيجاد المفقودين من عملية فض الاعتصام والذي كان قصي واحدًا منهم. فكان أفراد المبادرة يبحثون في أقسام الشرطة والمستشفيات وأماكن الاعتقال حتى تلقت عائلة قصي اتصال بشأن فيديو يُظهر قصي في مظاهرة القيادة العامة ووجود جثة في مشرحة أم درمان لشخص بنفس الملابس التي كان يرتديها في الفيديو. وفي شهر سبتمبر من نفس العام، ذهبت عائلة قصي للمشرحة للتأكد من هويته.
تقول أم إيمان: “وجدناه جثة متحللة تماما. فقط إصبع قدمه اليسار لم يتحلل ولأنني والدته عرفت أن الجثة هي لإبني قصي”. وبعد ثمانية أيام أكدت نتيجة تحليل الحمض النووي بأن الجثة هي لقصي.
المواقف التي تعرضت لها أم قصي منذ فقد ابنها وحتى التأكد من جثته أمر صعب جدا. تقول إيمان: “بالتأكيد استشهاد قصي فطر قلبي. كان ثمرة الفؤاد. أنا ليس لدي أخ وقصي كان ابني وأخي. أحبه جدا”. حرقة قلب إيمان واضحة جدا، ولكن بالرغم من ذلك تراها تتكلم عن ابنها بكل قوة ورضا بما حصل. بل بفخر. تتذكر إيمان تطلعات قصي وهي “وطن تحترم فيه إنسانية الإنسان وكرامته وعزته…وطن يسع الجميع. تبسط فيه قيم العدل والمساواة واحترام الآخر….وحرية الرأي والتعبير وطن ننعم فيه بالأمن والسلام والعيش الرغيد والرفاهية وطن جاذب يغري طيوره المهاجرة للعودة للأرض الأم وطن يتساوى فيه الجميع أمام القانون ولا يكون فيه أحد فوق القانون”.
لا ترى إيمان أن تضحية قصي ذهبت سدىً لأن ابنها ضرب “مثلا رائعا في الصبر والثبات على المبادئ والدفاع عن الواجب والحق”. وتقول عند مقارنتها لثورات سابقة، تعرف إيمان أن بعد الثورة لا تكون هناك تطورات إيجابية واضحة. ويحتاج الأمر وقتًا ونفسًا طويلاً. ولكن من الأمور الإيجابية التي جنتها الثورة في السودان هي أنه حصل تغيير في جيل كامل ونتج عنه جيل واعي ولديه حس الوطنية. ترى أم قصي أن الثورة لم تنته، و”هذا الاعتصام وما حصل فيه سيكون نواة لنهضة البلاد ورفعتها سيكون أول خطوة في سلم الأمجاد وإن طال الأمد”.
هذا الخبر الربيع العربي: هل ذهبت تضحيات المتظاهرين سدى؟ ظهر أولاً في Cedar News.