السياسي – يبدو أن دولة الإمارات تسير على حبل مشدود في رسم ملامح علاقاتها القديمة- الجديدة مع إسرائيل من خلال مقاربة تراجع إسرائيل عن خطة ضم المزيد من الأراضي الفلسطينية المحتلة والتقدم في عملية السلام على قاعدة حل الدولتين، في مقابل الانتقال من التعاون المعلن في مكافحة “كورونا” إلى تحسين العلاقات، التي وصفها السفير الإماراتي في واشنطن بـ”الحميمة”.
ترى الإمارات أن عملية الضم قد تشعل العنف وتزعزع الاستقرار في المنطقة بأكملها، لكن الأهم لدى الإمارات، الحريصة على المضي قدما بالعلاقات مع إسرائيل، هو أن تلك العملية ستقوض مساعيها في طريق التطبيع العربي- الإسرائيلي.
وفي ما يُشبه النصيحة “الودية”، أرسل السفير الإماراتي في واشنطن، يوسف العتيبة، المعروف بقربه من مراكز صنع القرار الأمريكية، رسالة صريحة إلى الرأي العام والأوساط السياسية الإسرائيلية ضمّنها عنوان مقال له وضع فيه الإسرائيليين أمام خيارين: “إما الضّم وإما التطبيع”.
وتعهد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بضم ما يصل إلى 30 في المئة من منطقة غور الأردن الاستراتيجية، التي تشكل ثلث مساحة الضفة الغربية المحتلة، في خطوة اعترضت عليها الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والسلطة الفلسطينية وحركة “حماس” والجامعة العربية ودول عربية عدة، منها الإمارات.
وعبّر ولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد عن “رفض الإمارات القاطع لخطوة الاحتلال الإسرائيلي لضم أراض فلسطينية بصورة غير قانونية”.
وفي 12 يونيو/ حزيران الماضي، كتب السفير “العتيبة” مقالا باللغة العبرية في صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية واسعة الانتشار، حذّر فيه الإسرائيليين من أنه لا يمكن لإسرائيل أن تتوقع تطبيعا للعلاقات مع العالم العربي إن هي ضمت أراضٍ في الضفة الغربية.
وأضاف أنه يمكن للإمارات، من خلال قدراتها، أن تكون “بوابة مفتوحة أمام الإسرائيليين لربطهم بالمنطقة والعالم”.
ويعتقد “العتيبة” أن الإمارات وجزءا كبيرا من العالم العربي تطلعوا إلى أن تكون إسرائيل “فرصة” وليس عدوا، وأنهم رأوا فيها “فرصة عظيمة” لبناء علاقات “حميمة”.
وفي تسجيل مصاحب لمقاله، تحدث “العتيبة” باللغة الإنجليزية عن أن المواقف العربية تشهد تغيرا تجاه إسرائيل، حيث أصبح الناس أكثر تقبّلا لها وأقل عداءً تجاهها، وكل ذلك “قد ينسفه قرار بالضم”.
وهناك الكثير من الخطوات التطبيعية خارج النطاق الدبلوماسي، حيث لا توجد علاقات رسمية بين الإمارات وإسرائيل.
وعامة، لا تقيم أي دولة عربية علاقات رسمية “معلنة” مع إسرائيل، باستثناء مصر والأردن، اللتين ترتبطان معها بمعاهدتي سلام.
ووفقا لتصريحات رسمية، تتحرك الإمارات بكل السبل الدبلوماسية المتاحة لمواجهة اعتزام إسرائيل ضم أراضٍ فلسطينية في تحدٍ إسرائيلي سافر للإجماع العربي والمجتمع الدولي، باستثناء الولايات المتحدة، بما يشكل خطرا على مسار السلام واستقرار المنطقة.
وكان لجائحة “كورونا” حصة من الخطوات التطبيعية، تمثلت في تصريحات رسمية على أعلى المستويات في الدولتين عن استجابة الإمارات للظروف التي تفرضها “كورونا” على كافة الدول للتعاون في مجال البحث والتطوير والتكنولوجيا وتكريسه لصالح مسيرة الإنسانية.
وأعلنت شركتان من القطاع الخاص الإماراتي وشركتان إسرائيليتان، في 25 يونيو/ حزيران الماضي، إطلاق مشاريع مشتركة في المجال الطبي، لأنه “من الواجب وضع مصلحة الإنسان والبشرية وحمايتها في مقدمة الأولويات، للعمل معا من أجل التخلص من جائحة لم يشهد العالم مثيلا لها”، وفق بيان إماراتي.
وسبق ذلك، في التاسع من الشهر نفسه، وصول طائرة مساعدات إماراتية ثانية إلى مطار بن غوريون في تل أبيب، بعد أسابيع من وصول الطائرة الأولى إلى المطار نفسه، في رحلتين مباشرتين من مطار أبو ظبي إلى إسرائيل، لتقديم مساعدات إلى السلطة الفلسطينية، التي رفضتها لعدم التنسيق المسبق معها، بينما رأت فصائل فلسطينية ذلك تطبيعا إماراتيا مرفوضا.
وحاولت الإمارات التقليل من أهمية التعاون في مكافحة “كورونا”، بتوصيفه بأنه مجرد اتفاق بين شركتين إماراتيتين خاصتين وشركتين إسرائيليتين لتطوير تكنولوجيا لمحاربة الفيروس، بينما أعلن نتنياهو أن هذه الشراكة جاءت نتيجة مفاوضات مكثفة بين الدولتين في الأشهر الأخيرة.
لكن علاقات الإمارات مع إسرائيل خارج الإطار الدبلوماسي تمتد لسنوات طويلة في مجالات شتى.
في الواقع، معظم الدول الخليجية، بعد اتفاقية أوسلو بين الفلسطينيين والإسرائيليين عام 1993، ارتبطت مع إسرائيل بنوع من العلاقات وفق حسابات خاصة بكل دولة على أسس حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية مستقلة، عاصمتها القدس الشرقية، على حدود ما قبل 5 يونيو/ حزيران 1967.
وللإمارات تاريخ طويل من العلاقات “السرية” مع إسرائيل، خارج إطار العلاقات الرسمية.
ويعتقد مراقبون أن التحول الأبرز في العلاقات بين الدولتين كان بعد وصول رجل الأمن الفلسطيني السابق، محمد دحلان، إلى الإمارات، في أعقاب فصله من منظمة التحرير الفلسطينية، في يونيو/حزيران 2011، وتعيينه مستشارا أمنيا لولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد.
و”بن زايد” هو الحاكم الفعلي لدولة الإمارات، بعد غياب رئيس الدولة، خليفة بن زايد آل نهيان، عن المشهد السياسي منذ أكثر من ست سنوات، لدواع ٍصحية.
ويُعرف “دحلان” بضلوعه بملفات فساد مالي وتعاون سري مع إسرائيل، عندما كان قائدا للأمن الوقائي في قطاع غزة بين عامي 1994 و2001، ثم مستشارا للأمن الوطني في السلطة الفلسطينية ومناصب أخرى بمنظمة التحرير.
وأنشأت إسرائيل أول بعثة لها في الإمارات عام 2015، لتمثيلها في “الوكالة الدولية للطاقة المتجددة”، ومقرها أبو ظبي.
وقال مسؤولون إماراتيون إن وجود هذه البعثة لا يمثل تغييرا في السياسات الإماراتية تجاه إسرائيل، وإنه مخصص حصرا للأنشطة المتعلقة بالوكالة.
وشاركت الإمارات، في مارس/ آذار 2017، في تدريب عسكري مشترك مع القوات الجوية اليونانية والأمريكية والإيطالية والإسرائيلية.
وكانت هذه هي المرة الثانية التي يحلق فيها طيارون إماراتيون مع طيارين إسرائيليين في تدريبات مشتركة، بعد مشاركتهم في مناورات “العلم الأحمر” بصحراء ولاية نيفادا الأمريكية، عام 2016، والتي شارك فيها أيضا طيارون من الولايات المتحدة وباكستان وإسبانيا.
وتحاول الإمارات الإيحاء بالتزامها بالحق الفلسطيني وحرصها على الثوابت العربية في إحلال السلام مع إسرائيل، عبر سلسلة من التصريحات الإعلامية والمواقف السياسية، وفي الوقت ذاته تمضي قدما في خطواتها العملية لإقامة علاقات مع إسرائيل بشكل واضح ومعلن، على غير ما كانت عليه خطوات سابقة.
وتتحدث وسائل إعلام إسرائيلية عن أن الدول العربية تقترب كثيرا من التطبيع الكامل مع إسرائيل بخطوات عملية، بينما تمارس هذه الدول لعبة إعلامية مفضوحة عبر مواقف سياسية تهدد أو تحذر إسرائيل من مواصلة نهج ضم الأراضي الفلسطينية.
وكان لافتا موقف أحد المقربين من ولي عهد أبو ظبي، حيث اعتبر قبل أيام، أن “قرار التعاون مع شركات طبية وبحثية إسرائيلية غير موفق حتى إن كان لمكافحة كورونا”.
وأضاف أن “الإمارات لا تحتاج التعاون مع معاهد إسرائيلية ولا تحتاج التعاون مع عدو إسرائيلي للقضاء على كورونا”، طالما أن “هناك شركات ومعاهد في كوريا اليابان الصين الهند فرنسا ألمانيا أمريكا مليون مرة أفضل مما في إسرائيل”.
قد لا تجد الخطوات التطبيعية الإماراتية، ومحاولة تسويقها عربيا وإقليميا، قبولا شعبيا على المستويين المحلي والعربي، لكن مع هذا، يمضي المسؤولون الإماراتيون قدما في هذا الاتجاه.
(الأناضول)