اغتصاب وتحرش: لماذا أصبحت مواقع التواصل “ملاذا آمنا” لضحايا الاعتداءات الجنسية؟

حملة ضد الاغتصاب والتحرش الجنسي

Getty Images

أعادت حملة إلكترونية في مصر قضية الاغتصاب والتحرش الجنسي إلى واجهة النقاش، وأبرزت افتقار ضحايا الاعتداءات الجنسية لملاذ آمن على أرض الواقع، استعاضت عنه كثيرات بواقع افتراضي عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

فقد ضجت مصر خلال الأيام الماضية على وقع اتهام أكثر من 100 فتاة لشاب بالاغتصاب والاعتداء الجنسي على قاصر والتحرش بأخريات.

حملة الاتهامات بالاغتصاب استهلتها فتاة مصرية بإنشاء حساب على انستغرام بعنوان “شرطة التعدي Assault Police”، تضمن “شهادات وأدلة اتهام” من الفتيات ضد الشاب.

وسرعان ما توالت الشهادات واتسع الجدل ليشمل جميع منصات مواقع التواصل الاجتماعي في مصر، ليتصدر وسم يحمل اسم الشاب قوائم الموضوعات الأكثر تداولا في مصر على مدى ثلاثة أيام.

السلطات تتحرك

وكان المركز القومي للمرأة في مصر من أوائل المؤسسات التي ساندت الفتيات، إذ تقدم المركز ببلاغ للنائب العام للتحقيق في الواقعة، مطالبا جميع الفتيات اللاتي وقعن ضحية للشاب بالتقدم ببلاغات رسمية.

قومي المرأة يتقدم ببلاغ للنائب العام في قضية “موقع التواصل الاجتماعي ” الشهيرة أعلن المجلس القومي للمرأة عن تقدمه…

Posted by The National Council for Women on Saturday, July 4, 2020

من جهتها، أصدرت النيابة العامة المصرية بيانين، أشار أولهما إلى “عدم تلقيها أيَّ شكاوى رسمية أو بلاغات ضد المذكور من أي شاكية أو متضررة منه، سوى شكوى واحدة من إحدى الفتيات” تتهم فيه ذلك الشاب بتهديدها، قبل أربع سنوات، لإجبارها على ممارسة الرذيلة معه.

وأشار البيان الثاني إلى أن النيابة العامة “تُجري تحقيقاتها مع المتهم بعد أن ألقت الشرطة القبض عليه، وحررت محضرًا بواقعة الضبط وعرضته والمتهم على النيابة المختصة، وجارٍ التحقيق معه”.

«النيابة العامة» تُجري تحقيقاتها مع المتهم «أحمد بسام زكي» بعد أن ألقت الشرطة القبض عليه، وحررت محضرًا بواقعة الضبط وعرضته والمتهم على النيابة المختصة ، وجارٍ التحقيق معه.

Posted by ‎Egyptian Public Prosecution النيابة العامة المصرية‎ on Saturday, July 4, 2020

في المقابل، قالت مايا مرسي، رئيس المجلس القومي للمرأة، إن الفتيات اللاتي تحدثن عبر مواقع التواصل الاجتماعي عن تحرش الشاب بهن يترددن في تقديم البلاغات خشية التشهير.

حملات دعم وتأييد

انخرطت صفحات نسوية ومشاهير وفنانون مصريون في حملة لدعم الفتيات وتشجيع أخريات على فضح المتحرشين وكسر حاجز الصمت.

فقد حثت الممثلتين، هند صبري ورانيا يوسف، الفتيات على “كسر حاجز الصمت”، إزاء ما يتعرضن له من انتهاكات.

https://www.facebook.com/Hend.Sabry.page/posts/a.162944248567/

By : alzosman

Posted by ‎رانيا يوسف‎ on Saturday, July 4, 2020

كما دشنت فتيات وسوما أخرى ومجموعات على فيسبوك، يحكين فيها عن أول حادثة تحرش تعرضن لها.

ولعل أبرزها وسم #اول_محاوله_تحرش_كان_عمري الذي احتل مركزا متقدما في لوائح المواضيع الأكثر انتشارا في مصر.

وامتلأ الوسم بقصص مفجعة لما يحدث للفتيات في الشارع وخلف الأبواب الموصدة من انتهاكات جسيمة.

#أول_محاولة_تحرش_كان_عمري ٦ سنوات كان صاحب ابوي الروح بالروح ورفيق دربه دايماً يزورنا بالبيت بعد صلاة الجمعة ولما والدي يخرج من الغرفة عشان يجيب له الضيافة يتحرش بي وكنت مرعوبة واكره يوم الجمعة بسببه ماقلت لوالدي اعرف مابيصدقني
الله لايرحمك ياعم هادي ولايغفر لك ويخلدك في جهنم

— أحمديـة 🔖 (@A7madyahZh) July 4, 2020

#أول_محاولة_تحرش_كان_عمري كان عمري ٦ سنين كانو اهلي واثقين في سواق عمي انو يودي الاطفال مشاوير لحالهم بدون احد بالغ وهو استغل الفرصه كنت لحالي معه بالسياره وتحرش فيني اكثر من مره وكنت طفله ما كنت ادري انو هذا الشي غلط بس مستحيل انسى الي كان يصير لي

— Dee (@DalalS30d) July 4, 2020

وهناك أيضا حملة #انا_ناجية ، التي تشجع ضحايا التحرش والاغتصاب على الإفصاح عما تعرضن له، بهدف التوعية من جهة، وفضح المعتدي لينال عقوبته من جهة أخرى.

#انا_ناجية
لا للاسف احنا منجناش من التحرش والاغتصاب وسايب في كل واحده بصمه جسديه ونفسيه بتفتكرها كل ما تشوف او تسمع عن متحرش ومغتصب وبتكلم بحرقة من قلبها لأنها حاسه مش مجرد متضامنه ومتعاطفه
والنار دي اللي بهديها وبيعزي نفسنا محاكمه كل متحرش ومغتصب بأقسى عقوبه وبلا رحمه

— Noha Abeer (@AbeerNoha) July 4, 2020

وتطرق مدونون ومغردون إلى أسباب إحجام الفتيات والنساء عن التقدم ببلاغات رسمية في حال تعرضهن للتحرش أو للاغتصاب.

يمكن واجب أحكي القصة الحقيقية. (١٨+)قصة لا يعرفها سوى أشخاص معدودة..وأنا مُراهقة تعرضت لمحاولة اغتصاب.. الحمد لله لم…

Posted by Miral El Masry on Friday, July 3, 2020

ليه البنات المغتصبة مبتتكلمش؟ده اللي مالي دماغ الدكاترة وخبيري الطب الشرعي والأخصائيين ان مفيش بنت بتغتصب الا بمزاجها !

Posted by Egypt girls’ diaries on Friday, July 3, 2020

ولم تقتصر حملات المساندة والتأييد لضحايا التحرش والاغتصاب على النساء فقط، بل شارك فيها أيضا رجال سئموا سلبية أقرانهم، إزاء ظاهرة تعاني منها كثير من الفتيات بشكل شبه يومي.

س&ج للرجال حول جرائم الاعتداء الجنسيأو كيف تتحول من رجل كنبة إلى إنسان& ليه الدوشة دي؟الدوشة دي مش علشان مجرم اغتصب…

Posted by Egypt girls’ diaries on Saturday, July 4, 2020

“استدعاء انتقائي لمفهوم الستر”

أعلنت كثيرات عن انتفاضهن في وجه ما وصفنه بـ”ازدواجية المجتمع في التعامل مع هذه القضايا”.

فمع كل واقعة تحرش أو اعتداء جنسي تخرج إلى العلن، تتحول الضحية إلى مجرمة ولا تضطر إلى مواجهة المتحرش فحسب، بل تصطدم مع منظومة اجتماعية كاملة، تبرر فعل الجاني وتصم الناجيات منه بأفظع الألقاب.

وفي الوقت الذي يدعو في الكثير من المعلقين إلى التشهير بالمتحرشين، تعلو نبرة “الستر” بين قطاع آخر من المغردين.

وفي خضم ردود الفعل على قضية طالب الجامعة الأمريكية، استحضر مغردون قضية اللاعب عمرو وردة، الذي اتهم بالتحرّش وطلب العفو عما ارتكب.

فثمة من طالب وقتها بـ”الستر على اللاعب”، وانطلقت بعض الأقلام تبرر فعلته وتشهر بالفتيات.

يا جماعة أحمد زكي (مش ذكي) دة مغتصب مش متحرش
أول طريق الخسارة انك تسمي دة تحرش
تحرش دة بتاع عمرو وردة
تبعت صورة خارجة لبنت
تبعت كلام قليل الادب
نقول لفظ جنسي
تمد إيدك
و دة عقوبته في القانون ٣ سنين

— Baroudy (@barondy) July 4, 2020

احنا نسيب القضيه نفسها “التحرش”
ونمسك فغلطه عفويه فكلام، كلمة لحد معين،
ونكبر الحوار .. والفكره ان الاشخاص هتتنسي وهتتلاشي مع الوقت سواء كان احمد باسم ،
ولا عمرو وردة حتي وغيرهم .. القضية اللي باقيه بطلو صداع وندور ع السبب قبل العلاج.#عبدالله_رشدي_متحرش

— Ahmed (@Ahmed_Tork1) July 4, 2020

كما دفعت قضية الطالب كثيرين للنبش في تغريدات وتدوينات قديمة تطرقت للموضوع أو تبريره من منطلق ديني تارة أو لأسباب تتعلق باللباس تارة أخرى.

من بينها تغريدة كان قد نشرها الداعية المصري، عبد الله رشدي، عام 2019، رأى كثيرون أنها تعطي للمتحرش أعذارا لممارساته المشينة.

لكن عبد الله ظهر في بث مباشر عبر صفحته الرسمية على فيسبوك، ليفسر ما كتبه في تغريدته القديمة، مؤكدا أن “التحرش جريمة.. لا تقبل التبرير.. ليس لها أعذار.. ولو كانت المرأة بدون ملابس أصلاً”.

١-التحرش جريمة..لا تقبل التبرير..ليس لها أعذار..لو كانت المرأة بدون ملابس أصلاً..نرجو الله لنا ولها الهدايةَ..لكن لا…

Posted by ‎عبدالله رشدي – Abdullah Rushdy‎ on Friday, July 3, 2020

التحرش والملابس#الأزهر_قادم

Posted by ‎عبدالله رشدي – Abdullah Rushdy‎ on Saturday, July 4, 2020

من جهتها أصدرت دار الإفتاء المصرية بيانا، أكدت فيه على أن “التحرش حرام شرعا، وجريمة يعاقب عليها القانون”.

إلصاقُ جريمة التحرش النكراء بقَصْر التُّهْمَة على نوع الملابس وصفتها؛ تبريرٌ واهمٌ لا يَصْدُر إلَّا عن ذوي النفوس…

Posted by ‎دار الإفتاء المصرية‎ on Saturday, July 4, 2020

كما وجه الأزهر رسالة، عبر أحدث عدد من “جريدة صوت الأزهر”، قال فيها إن “علماء الأزهر يُطالبون بدعم ضحايا الاعتداءات الجنسية وتشجيعهن على الكلام والشكوى” وإن “الصمت أو غض الطَّرف عن هذه الجرائم يُهدد أمن المجتمع ويُشجِع على انتهاك الأعراض والحُرمات”.

ترقبوا العدد الجديد من #صوت_الأزهر الأربعاء القادم..#طمِّنوا-بناتكم- علماء الأزهر يُطالبون بدعم ضحايا الاعتداءات…

Posted by ‎جريدة صوت الأزهر‎ on Saturday, July 4, 2020

“ملاذ آمن للمرأة”

جانب آخر ركز عليه المتفاعلون مع قضية التحرش والاغتصاب، هو الدور الذي تلعبه مواقع التواصل الاجتماعي في استنهاض الفتيات وخلق نوع من الوعي الجمعي، بشأن التحديات التي تواجه المرأة العربية.

فقد تحولت وسائل التواصل الاجتماعي إلى ملاذ آمن للمرأة، في أحيان كثيرة، لطلب الحماية من العنف الأسري أو للإبلاغ عن واقعة تحرش أو لطرح مبادرة جديدة.

وتقول المدونة ميرال رواي: “مواقع التواصل الاجتماعي صارت تمثل بالنسبة للفتيات العربيات عالما جديدا، يوفر وسيلة آمنة لكسر صمتهن، فهي أكثر أمانا من حضن عائلة تجبر ابنتها على السكوت على انتهاكات جارها أو أستاذها المتحرش. هنا تمارس الشابة العربية هامشا من الحرية التي سلبتها إياها السلطة السياسية والدينية والاجتماعية”.