في حلقة جديدة من مسلسل «الرعب» المستمرّ بين أمريكا وإيران قامت مقاتلة أمريكية (أو مقاتلتان حسب رواية طهران) باعتراض طائرة ركاب تابعة لشركة «ماهان إير» الإيرانية، قادمة من طهران إلى بيروت عند اقترابها من أجواء قاعدة «التنف» الأمريكية على الحدود السورية مع العراق والأردن، مما دفع قائدي الطائرة المدنية لاتخاذ قرار الارتفاع بسرعة وهو ما أدى لإصابة العديد من الركاب برضوض جرّاء اضطرارها للهبوط السريع من علو مرتفع جدا عقب حادث الاعتراض، لتهبط بعد ذلك في مطار رفيق الحريري ويتم إجلاء المصابين.
الحادث، حسب الرواية الأمريكية، جرى للتأكد من هوية الطائرة و«ضمان أمن وسلامة قوات التحالف في قاعدة التنف»، وبأن الاعتراض «تم وفق المعايير الدولية المتبعة»، فيما اعتبر المسؤولون الإيرانيون ما حصل «إرهاب دولة»، و«انتهاكا صريحا لأمن الطيران»، كما هدّدت إيران بملاحقة الأمر حقوقيا في محكمة العدل الدولية، كما أبلغت الأمين العام للأمم المتحدة بتفاصيل الحادث.
يأتي الحادث الاستفزازي والخطير في وقت ما زالت فيه إيران تعاني من تداعيات كبيرة لإسقاطها طائرة مدنية أوكرانية بصاروخين ما أدى إلى قتل 176 شخصا كانوا على متنها بعد إقلاعها من طهران في كانون ثاني/يناير الماضي، وما زالت الدول المعنيّة ممن قتل ركابها ترفض حتى الآن الروايات الإيرانية التي كانت آخرها أنه كان خطأ بشريا سببه توجيه الرادار.
تنضاف هذه القضية إلى الملفّ الشائك الإيراني مع المنظومة الدولية فيما يخصّ قضايا الطائرات المدنية، والعمليات السرّية المتبادلة بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الغربيين (إضافة إلى إسرائيل).
والأغلب أن الإيرانيين لم ينسوا بعد حادثا آخر رغم تقادم الزمن عليه، والذي تعرضت فيه طائرة نقل جوي مدني إيرانية كانت تنقل 290 راكبا، في طريقها إلى مطار دبي الدولي في تموز/يوليو عام 1988 إلى إطلاق النار عليها من قبل القوات البحرية الأمريكية مما أدى لسقوطها ومقتل كل ركابها وغرقها في مياه الخليج العربي، وهو حادث مأساوي جرى على خلفية توتّر عالمي شبيه بما يحصل حاليا، أثناء الحرب العراقية ـ الإيرانية وبعد اصطدام مدمرة أمريكية بلغم إيراني.
رغم الاتهامات المتطايرة والمتبادلة، فلن يكون حادث اعتراض الطائرة المدنية الإيرانية سوى فاصلة قصيرة في حرب إقليميّة طويلة لا يبدو أن القيادتين في البلدين مشغولتان كثيرا بـ«سلامة الركاب»، فبعد حادثة الطائرة الأوكرانية وغضب الرئاسة الإيرانية من تلاعب العسكريين والحرس الثوري بالمعلومات وما تبعه من غضب شعبي واحتجاجات راقب العالم حلقة جديدة من قمع السلطات الأمنية للجماهير الإيرانية، كما شاهد العالم، خلال احتجاجات الأمريكيين على مقتل جورج فلويد، محاولات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لتبرير ممارسات قمعيّة أيضا ضد الجماهير الأمريكية، ومحاولة إنزال الجيش والقوات الفيدرالية لمنع الاعتصامات.