BBCجمعت الصداقة بين هونديسا (يسار) وأمنسيسا منذ عام 2009
أدى مقتل المغني والموسيقي الإثيوبي الشهير هاشالو هونديسا إلى أيام من الاضطرابات في بلده، ومقتل ما لا يقل عن 80 شخصاً خلال احتجاجات.
وغنى هاشالو في الغالب عن الحب والوحدة، لكن أغانيه تناولت أيضاً قضايا التهميش التي شعرت بها قوميته العرقية الأورومو.
في السطور التالية، يتحدث أمنسيسا إيفا، الذي يعمل مشغّلا للكاميرا في بي بي سي وكان صديقًا للموسيقي وصوّر معه مقطع فيديو حاز على جوائز، عن الوفاة وما تلاها من أحداث.
في بعض الأحيان عندما أفكر في مقتل هاشالو، أعتقد أنني أُفضّل لو مُت إذا كان ذلك يعني أنه كان يمكن أن يعيش.
لقد كان بطلاً بالنسبة لكثيرين، وكان لديه الكثير ليقدمه لشعبه.
لقد كافح من أجلهم دائماً – وخلال الأوقات التي فرّ فيها العديد من الفنانين والناشطين والسياسيين من البلاد، ظل هاشالو يثير قضايا لم يكن ليجرؤ كثيرون على طرحها.
“هاشالو في المستشفى”
بدأت في تلقي مكالمات ورسائل نصية بعد الساعة العاشرة مساء (19:00 بتوقيت غرينتش) يوم الاثنين من أصدقاء كانوا يسألونني عما حدث لهاشالو.
لم يكن أحد في تلك اللحظة يقول إنه مات، ولكن كان من الواضح أن أمرا ما قد حدث.
حاولت الاتصال بأصدقائنا الآخرين، ولكن لم يكن أحد يرد. ثم تلقيت رسالة نصية تقول إن هاشالو في المستشفى.
قررت أن أقود السيارة إلى المستشفى، وفي طريقي، تمكنت من الاتصال هاتفيا بأحد أصدقائنا، والذي أخبرني وهو ينتحب أنه يقف بجوار جثة هاشالو.
لقد قُتل هاشالو بالرصاص.
BBC
حين وصلت إلى المستشفى كان هناك الكثير من الضجيج داخل الغرفة الموجودة بها الجثة.
كشف أحدهم عن الجثة، ورأيت ما بدا لي وكأنه جرح ناجم عن طلق ناري في صدره.
كانت الشرطة موجودة هناك، وكذلك العديد من الأصدقاء.
كنت أنادي اسمه وأبكي. كان الجميع يصرخون ويبكون.
واصلنا الصراخ بعبارة “لا تقل لي إن هذا حقيقي”.
ثم نُقل جثمان هاشالو إلى مستشفى آخر حتى يتمكن الأطباء من إجراء المزيد من التحقيقات. ولقد تبعنا سيارة الإسعاف التي نقلته.
ظللنا في المستشفى طوال الليل. وفي حوالي الساعة الرابعة فجرا خرجنا. كانت المنطقة المقابلة للمستشفى ممتلئة عن آخرها بالناس الذين جاءوا بعدما ذاع نبأ وفاة هاشالو.
كان الجميع يبكون مرددين اسمه.
وبعد شروق الشمس، حاولنا إخراج الجثة من العاصمة أديس أبابا، إلى مدينة أمبو مسقط رأس هاشالو – على بعد حوالي مئة كيلومتر إلى الغرب.
“هاشالو بطلنا”
عندما خرجنا من المدينة في موكب سيارات، أدركت أن هناك الكثير من المشاكل. سمعت أصوات طلقات نارية وقنابل الغاز المسيل للدموع التي تطلقها الشرطة.
وصلنا إلى بورايو، على بعد حوالي 15 كيلومترا، حيث قابلنا آلاف الأشخاص الذين كانوا متوجهين إلى أديس أبابا سيراً على الأقدام وفي شاحنات وحافلات، والكثير منهم في حالة صدمة وحزن. كانوا يريدون توديعه.
كان هؤلاء أشخاصا من أجزاء مختلفة من منطقة أوروميا، سافروا ليلا بعد سماع نبأ وفاة هاشالو. وكان كثيرون يطالبون بأن تُقام الجنازة في العاصمة.
أثناء جلوسي في سيارتي، سمعت أشخاصا يقولون: “هاشالو بطل أمتنا. إنه يستحق جنازة أبطال في أديس أبابا”.
توقف موكبنا هناك لبعض الوقت، ثم بدأنا رحلة العودة إلى أديس أبابا.
اكتشفنا لاحقاً أن الحكومة أصرت على أن يتم دفن هاشالو في بلدة أمبو، إذ أن ذلك ما أرادته العائلة. ونتيجة لذلك، نُقل جثمانه على متن طائرة مروحية إلى البلدة.
لكنني لم أستطع الذهاب إلى أمبو لحضور الجنازة يوم الخميس، حيث تم إغلاق الطرق.
بدلاً من ذلك، اضطررت لمتابعة المراسم عبر التلفزيون، وكانت تلك أصعب لحظة بالنسبة لي.
Reuters
أردت أن أكون معه لأودعه على النحو المناسب. لاحظت أنه لم يُسمح لكثير من الأشخاص بالحضور، وفي ثقافتنا لا يمكنك دفن حتى شخص عادي في وجود عدد قليل من الناس حوله، ناهيك عن بطل كبير مثل هاشالو.
كنت أبكي وأنا أشاهد الجنازة.
اتصلت بأمي وأنا أبكي وقلت لها: “أريد أن أموت اليوم”. كانت تبكي هي أيضاً. وأنا لا زلت أبكي منذ ذلك الحين في كل مرة يسألني أحدهم عن شعوري.
مازلت مرتبكًا بشأن وفاة هاشالو.
حتى يوم الخميس، عندما سمعت أن أمرا ما حدث لصديق له، شرعت بشكل غريزي بالاتصال برقم هاشالو للتحدث معه عن ذلك.
لقد تحدثت معه قبل أسبوع من إطلاق النار عليه وأخبرني أن لديه أغنية جديدة يريد أن يُسمعها لي، تحمل اسم “أين أنت؟”.
فن هاشالو لم يقتصر على السياسة. لقد غنّى عن الثقافة والهوية والوحدة وحقوق الإنسان والحب، ضمن أمور أخرى.
كنت أرغب أيضا في التحدث معه عن مقابلة تلفزيونية كان قد أجراها للتو، أبلغ فيها الناس أنه لن يدير ظهره لآرائه السياسية.
كان يتحدث عن حقوق شعب الأورومو، أكبر قومية عرقية في إثيوبيا، والتي تشكو منذ فترة طويلة من التهميش السياسي والاقتصادي.
وكان الناس يتهمونه بقبول أموال من الحزب الحاكم الجديد للبلاد – حزب الازدهار – لكنه قال: “لا أحد يستطيع شرائي”.
لطالما كان على دراية باختلاف الناس معه، وقد وقعت حوادث شهدت مشادات بينه وبين البعض في أديس أبابا.
لكنه لم يقلق أبداً على حياته. كثيراً ما قال إن الشخص الذي يموت من أجل شعبه هو بطل.
قال لي ذات مرة: “أنا لا أختلف عن أي شخص آخر، قد أموت يوماً ما، لكنني لا أخشى الموت”.