Getty Images
سلطت صحف عربية الضوء على زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى لبنان في أعقاب الانفجار الهائل الذي وقع في مرفأ بيروت وأدى إلى مقتل 154شخصا وإصابة آلاف آخرين.
وتباينت أراء كتاب الرأي في هذه الصحف بين من وصف زيارة ماكرون بأنها تمثل “فرصة أخيرة” للإصلاح السياسي والقضاء على الفساد في البلاد، ومن رأى فيها عودة للوصاية وربط تقديم مساعدات مشروطة بمصالح استعمارية.
“فرصة أخيرة”
يقول طوني عيسى في صحيفة الجمهورية اللبنانية: “الخلاصة التي انتهى إليها هي: لا أمل في جماعة السلطة الذين ينادون بالوطنية ويطلقون الوعود بالإصلاح، لكنهم فاسدون ويرهنون البلد للخارج ويدمِّرون الدولة. والأمل الحقيقي يبقى في الناس الذين كفَروا. وهؤلاء الناس أوصلوا رسالتهم إلى ماكرون: لا تُجرِّبوا المجرَّب. هؤلاء لن يسيروا بالإصلاح ولو على قطع رأسهم. إنّهم يكذبون عليكم ويكسبون الوقت فقط. إذا أردتم فعلاً إنقاذ لبنان، ساعدونا للتخلّص منهم”.
ويضيف عيسى: “كان ماكرون واضحا أمام المسؤولين: السلطة إما أن تُغيِّر سلوكها وإما أن تتغيَّر. وحتى اليوم، أثبتت أنّها لا تريد لا أن تغيِّر السلوك ولا أن تتغيَّر. وهذا ما سيدفع باريس إلى خيارات أخرى أكثر حزما، وبالتأكيد ستظهر سريعا. لا غطاء لكم بعد اليوم”.
ويؤكد الكاتب “سيعود ماكرون في أول أيلول/سبتمبر. ومن غباء أهل السلطة أن يكابروا ويستهينوا بتحذيرات الفرنسي الناعم الأنيق. إنّها مسألة أيام أو أسابيع قليلة. فليتذكَّروا”.
وتحت عنوان ” فرصة أخيرة، هل يُنقذ الخارج لبنان أو السلطة؟”، تقول راكيل عتيق في الجريدة ذاتها “هذه الزيارة تُقرأ بأنّها تتمّ باسم الاتحاد الأوروبي وبالتنسيق مع المجتمع الدولي بكامله، ومنه الولايات المتحدة الأمريكية، إذ أنهم لا يريدون للبنان أن يسقط”.
وتضيف الكاتبة: “يمكن تلخيص زيارة ماكرون بعنوان عريض: ‘نحن إلى جانبكم ولن نترككم من دون مساعدات سريعة من طائرات وأدوية وفرق وخبراء .. لكن إذا كنتم تريدون أموالا بمعزل عن انفجار بيروت فطريقكم الوحيد هو الإصلاح، وجدول الإصلاحات واضح ومعروف وحددناه لكم مئات المرات”.
وعن حفاوة استقبال اللبنانيين للرئيس الفرنسي في شوارع بيروت، تقول سوسن الأبطح في الشرق الأوسط اللندنية: “حقًا إنه لأمر مشين أن يصبح إيمانويل ماكرون أكثر شعبية من أي زعيم لبناني، وهو يتجول في الأحياء المنكوبة. وإنها لنكبة أخرى، ألا يتمكن أي وزير من زيارة حي بيروتي لأنه سيرشق ويطرد ويلعن، وليس أكيدًا أنه سيبقى سالما”.
إنفجار بيروت: إيمانويل ماكرون الرئيس الفرنسي يدعو إلى “تغيير عميق” في لبنان
“إعادة استعمار” لبنان
Getty Imagesكان ماكرون أول زعيم أجنبي يزور بيروت بعد الحادث
وفي المقابل، انتقد عدد من المعلقين الزيارة فضلا عن التصرفات والتصريحات التي أدلى بها ماكرون في بيروت.
وتحت عنوان “ماكرون في بيروت، فخّ الحماسة الزائدة”، يقول أرنست خوري في صحيفة العربي الجديد اللندنية “وصل الرئيس الفرنسي إلى بيروت، وانصرف إلى التعاطي والتصريح بصفته حاكمًا محليا أو صاحب سلطة وصاية. والناس، من شدّة يأسها وغضبها في آن، صفقت له، أو صمتت على اعتبار أن الإهانة الكامنة في تصريحاته موجّهة إلى حكام البلد، لا إلى مواطنيه”.
ويضيف الكاتب: “تطرح زيارة ماكرون، وتصريحاته وسلوكه، سجالات يهواها كثيرون: هل نفرح بأن يهين مسؤول أجنبي حكام البلد، لأنهم يستحقون أكثر بكثير من مجرّد الإهانة؟ ولكن ماذا عن نوايا الوصاية التي يحملها خطاب الرجل وسلوكه؟”.
- إنفجار بيروت: إيمانويل ماكرون الرئيس الفرنسي يدعو إلى “تغيير عميق” في لبنان
- انفجار بيروت: وضع مسؤولين بالمرفأ قيد الإقامة الجبرية وفرض حالة الطوارئ
وفي صحيفة المجد الأردنية، يقول عبد اللطيف مهنا إن ماكرون “أشبع اللبنانيين تضامنا موعودا لا مضمونًا ومننهم سلفاً به، لكنه منعه من الصرف عندما ذكَّرهم بأن مساعداته مشروطة. إذا ما أزيلت قشرة النفاق الأوروبي التليد ومساحيق الإنسانية الاستعمارية الغربية التي لا تفارق السحن الأوروبية، فهي ذات الاشتراطات الصهيونية-الأمريكية”.
ويضيف مهنا: “حبل الكذب قصير، لكنما وجود الرئيس هذه المرة أطلع أفاعي لبنان وديدانه من جحورها. جنبلاط ومخاتير الطائفية يريدون لجنة تحقيق دولية تعيد البلد إلى حقبة ما بعد اغتيال الحريري، وبقايا الانعزالية الضاربة جذورًا والمعتَّقة سموما، وجدت في ماكرون صدر أمها الحنون التي هجرتها، والجائل تلقفها قبل أن يلقّفهم ثدييه مطالبًا بميثاق لبناني جديد”.
وتحت عنوان “ماكرون يعرض استعمارنا بخمسين من فضة”، يقول ابراهيم الأمين في صحيفة الأخبار اللبنانية: “ليس لدى ماكرون ما يعطينا إياه سوى دروس تعكس عقلية فوقية، وتنفع مع أصحاب العقليات الدونية الموجودين بيننا بكثرة. وليس لدى رئيس فرنسا ما يقدمه سوى إعادة تكرار الشروط الغربية الهادفة الى إعادة استعمارنا، ولو برغبة بعضنا. وليس لديه ما يمكن القيام به سوى التلويح بالأسوأ”.
ويضيف الكاتب “لكن الخطير أن ماكرون يمكنه تعزيز مناخ الفتنة الداخلية، متأملاً خروج الناس تناشده التدخل، كما فعل اللبنانيون مع كل الخارج. لكن، إذا اعتقد ماكرون، أو المسؤولون الفرنسيون، أن لبنان لا يزال كما صنعوه هم، فهذا وهم. ولا بد أن يخرج من بيننا من يوقظهم من هذا الحلم البغيض قبل رحلته الثانية مع مطر أيلول”.