اكتنف الكثير من الجدل إعلان بريطانيا استئناف مبيعات الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية، إذ تعرض قرار الحكومة إلى انتقادات من المعارضة ونشطاء ركزت على المخاوف من إمكانية استخدام هذه الأسلحة ضد المدنيين في اليمن مما يمثل انتهاكا للقانون الإنساني الدولي.
وقد جاء قرار الاستئناف بعد يوم واحد من فرض الحكومة عقوبات على 20 من كبار المسؤولين السعوديين منعوا بموجبها من دخول المملكة المتحدة وجُمدت أُصولهم على خلفية اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي في 2018.
وكانت بريطانيا علقت مبيعات الأسلحة العام الماضي بعد معركة قانونية خاضها نشطاء ضدها. ونحاول هنا استرجاع تاريخ الجدل بشأن مبيعات الأسلحة الى السعودية في الحياة السياسية البريطانية؛ وحجم وأهمية هذه المبيعات في التبادل التجاري والعلاقات بين البلدين.
دعم وبحث عن تسوية سياسية
وكان دعم بريطانيا للتحالف العسكري الذي تقوده السعودية في اليمن، الذي يقول إنه يدعم الحكومة الشرعية في معركتها ضد المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران منذ فترة طويلة، قد أثار جدلا كبيرا.
وسعت بريطانيا منذ فترة طويلة للوساطة في تسوية سياسية للصراع في اليمن بينما تدعم الحكومة اليمنية في جهودها لهزيمة الحوثيين.
وبموجب سياسة تصدير الأسلحة في بريطانيا، لا ينبغي منح تراخيص لبيع المعدات العسكرية إذا كان هناك “خطر واضح” بأن الأسلحة قد تستخدم في “انتهاك خطير للقانون الإنساني الدولي”.
وقد تعرضت بريطانيا للانتقادات لأنها لم تتخذ موقفا أكثر صرامة من السعودية، حليف المملكة المتحدة القديم في مجال الدفاع والاستخبارات.
ووصفت الأمم المتحدة الصراع في اليمن الذي أزهق أرواح عشرات الآلاف ومن بينهم آلاف المدنيين بأنه أسوأ أزمة إنسانية في العالم.
وكانت ألمانيا حظرت جميع صادرات الأسلحة إلى السعودية عام 2018 بعد اغتيال خاشقجي، أحد أبرز المنتقدين لسياسات ولي العهد السعودي والحاكم الفعلي للمملكة محمد بن سلمان.
وظلت مبيعات الأسلحة البريطانية إلى السعودية رغم استمرار تدخلها في الحرب الدائرة في اليمن في قلب الجدل الدائر بين الحكومة والمعارضة في الحياة السياسية البريطانية.
كما نظم ناشطون حملات كبيرة تواصلت في السنوات الأخيرة لوقف هذه المبيعات، كما هي الحال مع ناشطي الحملة ضد تجارة الأسلحة الذين نجحوا في نقل المعركة إلى أروقة القضاء والحصول على حكم قانوني بتعليق مبيعات الأسلحة تلك.
لماذا علقت بريطانيا مبيعات السلاح للسعودية في العام الماضي؟
كانت بريطانيا قد اضطرت إلى مراجعة سياستها في بيع الأسلحة بعد أن حكمت محكمة الاستئناف في يونيو/ حزيران 2019 بأن آلية اتخاذ القرار بشأن بيع الأسلحة غير قانونية حيث لم تبذل الحكومة أي محاولة لتقييم ما إذا كانت هناك انتهاكات خطيرة حدثت في اليمن من عدمه.
EPAآلاف المدنيين لقوا حتفهم بسبب الحرب في اليمن
وقضت المحكمة بأن الحكومة خالفت القانون بسماحها بتصدير أسلحة إلى السعودية ربما استخدمت في حرب اليمن، وذلك بعد أن قال نشطاء إن استخدام الأسلحة ينطوي على الأرجح على انتهاك لقانون حقوق الإنسان.
ولم يعن قرار المحكمة أن على بريطانيا وقف صادرات الأسلحة فورا، لكنه كان يعني تعليق منح التراخيص الجديدة لتصدير السلاح للسعودية وهي أكبر مشتر للأسلحة البريطانية.
وقال القاضي تيرينس إيثرتون، ثاني أكبر قاض في بريطانيا حينئذ لدى النطق بالحكم: “خلصت محكمة الاستئناف إلى أن عملية اتخاذ القرار التي قامت بها الحكومة كانت معيبة من الناحية القانونية في جانب مهم حيث لم تجر تقييمات كاملة بشأن ما إذا كان التحالف الذي تقوده السعودية ارتكب انتهاكات للقانون الإنساني الدولي في السابق خلال الصراع باليمن”.
من عارض ومن أيد تلك الخطوة؟
رحب حزب العمال المعارض بتلك الخطوة، قائلا إن الوزراء تجاهلوا عمدا الأدلة على أن السعودية تنتهك القانون الإنساني الدولي في اليمن، بينما كانوا يواصلون تزويدها بالأسلحة.
ورحبت منظمة العفو الدولية حينئذ بهذا الحكم باعتباره “خطوة كبيرة نحو منع سفك المزيد من الدماء”.
كما رحب أندرو سميث، المتحدث باسم الحملة ضد تجارة السلاح بالحكم، قائلا: “لا يزال النظام السعودي، بغض النظر عن الفظائع التي يسببها، يعتمد على دعم بريطانيا السياسي والعسكري.
وقال: “أدى القصف (في اليمن) إلى خلق أسوأ أزمة إنسانية في العالم”.
غير أن ليام فوكس وزير التجارة الدولية البريطاني حينئذ قال إن بريطانيا كانت تتعامل دائما بجدية مع التزاماتها فيما يتعلق بمراقبة الصادرات وستواصل القيام بذلك.
وأضاف قائلا إنه لا يوافق على الحكم وسيسعى للحصول على إذن للطعن عليه.
وتابع قائلا: إلى جانب ذلك، نحن ندرس بعناية تداعيات الحكم على صنع القرار بينما نقوم بذلك، لن نمنح أي تراخيص جديدة للتصدير إلى السعودية وشركائها في التحالف والتي قد تستخدم في الصراع في اليمن”.
فماذا حدث لتستأنف بريطانيا صادرات الأسلحة للسعودية؟
في الوقت الذي تصر الحكومة البريطانية دوما على أن لديها أكثر الضوابط صرامة في العالم على تصدير الأسلحة، قالت محكمة الاستئناف إن الوزراء ملزمون بتقييم ادعاءات انتهاكات حقوق الإنسان الخطيرة قبل السماح بتلك المبيعات.
وفي هذا الإطار، قالت وزيرة التجارة الدولية البريطانية الحالية ليز تروس في بيان بهذا الشأن مؤخرا إن المملكة المتحدة حللت الادعاءات الفردية بالانتهاكات باستخدام منهجية جديدة لتحديد ما إذا كان هناك “نمط تاريخي من الانتهاكات”.
وبينما تم تقييم بعض هذه الحوادث على أنها انتهاكات “محتملة”، قالت الوزيرة إنها “وقعت في أوقات مختلفة، وفي ظروف مختلفة ولأسباب مختلفة، والاستنتاج هو أن هذه حوادث معزولة”.
وأضافت قائلة: “في ضوء كل تلك المعلومات والتحليلات، خلصت إلى أن السعودية لديها نية حقيقية وقدرة على الامتثال للقانون الإنساني الدولي”.
BBCتقول الحكومة البريطانية إنها تلتزم بأكثر المعايير صرامة بشأن تصدير الأسلحة
وأردفت قائلة:” إنه على هذا الأساس، قدرت أنه لا يوجد خطر واضح من أن تصدير الأسلحة والمعدات العسكرية إلى المملكة العربية السعودية قد يستخدم في ارتكاب انتهاكات خطيرة”.
وقالت إن المبيعات يُمكن أن تستأنف وإن تراخيص بيع السلاح المتراكمة منذ يونيو/حزيران الماضي سيسمح لها بمزاولة العمل بشرط أن تستوفي معايير المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي.
وتقول صحيفة نيو يورك تايمز إنه ليست بريطانيا وحدها من تسعى للدفع قدما بمبيعات الأسلحة إلى السعودية، فعلى الرغم من معارضة الكونغرس، أبلغت الخارجية المشرعين الأمريكيين رسميا في يناير/كانون الثاني الماضي عن عزمها المضي في صفقة بيع صواريخ موجهة متقدمة بقيمة 478 مليون دولار للسعودية.
ما هو موقف المعارضة البريطانية من التطور الأخير؟
قال حزب العمال، حزب المعارضة الرئيسي في بريطانيا، إن “الرسائل المتضاربة للحكومة قوضت ادعاءات بريطانيا بأنها تدافع عن حقوق الإنسان”، مشيرا إلى أنه سيضغط على الوزيرة تروس لشرح قرارها للبرلمان.
وقالت إميلي ثورنبيري وزيرة التجارة الدولية في حكومة الظل العمالية: “حتى بمعايير هذه الحكومة، فإن قرارها باستئناف بيع الأسلحة للسعودية لاستخدامها في اليمن لا يمكن الدفاع عنه أخلاقيا”.
وأضافت قائلة: “في الوقت الذي يواجه فيه ملايين الأطفال اليمنيين خطر الموت من المجاعة والمرض، يجب على بريطانيا أن تعمل على إنهاء هذه الحرب الرهيبة، وليس بيع الأسلحة التي تستمر في تأجيجها”.
- استئناف صادرات السلاح البريطانية للسعودية في صحف بريطانية
- الحرب في اليمن: بريطانيا تعلن استئناف بيع الأسلحة للسعودية
- عقوبات بريطانية على قتلة جمال خاشقجي
- بيع الأسلحة البريطانية للسعودية “لا ينتهك القانون”
ومن جانبه، قال آلين سميث المتحدث باسم الشؤون الخارجية في الحزب الوطني الإسكتلندي المعارض: “إن الحكومة قدمت الأرباح المادية مرارا على السلام بشكل مخز”.
وماذا عن موقف النشطاء في بريطانيا؟
Getty Imagesاحتجاجات ضد بيع السلاح الغربي للسعودية
واعتبر النشطاء الذين نظموا حملة ضد تجارة الأسلحة هذه الخطوة “إفلاسا أخلاقيا”.
واتهموا الحكومة البريطانية “بالنفاق” بعد أن منعت يوم الاثنين 20 من كبار المسؤولين السعوديين من دخول المملكة المتحدة وجمدت أصولهم على خلفية اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي في 2018.
وقالت الحملة ضد تجارة الأسلحة إن قرار الحكومة “مشين”.
وأضافت قائلة: “تظهر الأدلة نمطا واضحا من الانتهاكات البشعة والمخيفة للقانون الإنساني الدولي من قبل ائتلاف استهدف بشكل متكرر التجمعات المدنية مثل حفلات الزفاف والجنازات وأماكن التسوق”.
- نشطاء يربحون معركة قضائية ضد الحكومة البريطانية بشأن بيع الأسلحة للسعودية
ومضت تقول: “تدعي الحكومة أن هذه حوادث منعزلة، فكم من مئات المرات من هذه الحوادث المعزولة التي تحتاجها الحكومة للتوقف عن توريد الأسلحة؟”.
بيد أن الحكومة البريطانية ترد بأنها ملتزمة بأكثر المعايير صرامة في مجال تجارة الأسلحة، كما أنها لا تتهاون عندما تجد ما يمكن أن يمثل انتهاكا لحقوق الإنسان. وقد قال وزير الخارجية البريطاني دومينيك راب في حديث لبي بي سي ردا على سؤال بشأن مدى الضرر الذي يمكن أن تتسبب به قائمة العقوبات البريطانية الأخيرة على العلاقات التجارية بين بريطانيا والمملكة السعودية: إنها “قضية واجب أخلاقي” مضيفا “نحن لا نستطيع أن نغمض أعيننا عن انتهاكات فاضحة لحقوق الإنسان”.
ما هو حجم صادرات الأسلحة البريطانية للسعودية منذ عام 2015؟
وفقا للمشاركين في الحملة ضد تجارة السلاح، أعطت المملكة المتحدة ترخيصا لبيع أسلحة بقيمة 5.3 مليار جنيه استرليني للمملكة العربية السعودية منذ عام 2015.
بيد أن تلك المعلومات تظل مجرد استنتاجات خلص إليها ناشطون عبر تحليل بيانات تجارة الأسلحة وبيانات الصادرات البريطانية.
وتعد المملكة المتحدة سادس أكبر مصدر للسلاح في العالم بعد الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا وألمانيا والصين وفقا لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، وهو مركز دراسات مستقبلية يراقب صناعة السلاح في العالم.
كما قال معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام إن بريطانيا تأتي في المرتبة الثانية كمورد “للأسلحة الرئيسية” للسعودية، بعد الولايات المتحدة وقبل فرنسا.
AFPتقول الغارديان أن 83 في المئة من صادرات الأسلحة البريطانية في عام 2013 ذهبت إلى المملكة العربية السعودية
ومثلت مشتريات السعودية 43 في المئة من إجمالي مبيعات السلاح البريطانية خلال العقد المنصرم.
ويذكر أن إجمالي واردات المملكة العربية السعودية من الأسلحة الرئيسية زاد بأكثر من ثلاثة أضعاف في الفترة بين عامي 2012-2017 مقارنة بالسنوات الخمس السابقة.
وقال جوناثان بيل مراسل شؤون الدفاع في بي بي سي إن ما تشتريه السعودية يقدر بأكثر من 40 في المئة من صادرات الأسلحة البريطانية.
وأوضح إنه في عام 2018 وحده، باعت أكبر شركة دفاع بريطانية، وهي شركة (بي إيه إي سيستيمز)، أسلحة للرياض تقدر بـ 2.6 مليار جنيه استرليني.
وكانت صحيفة الغارديان قد نشرت في أبريل/نيسان الماضي تقريرا حول مبيعات شركة “بي إيه إي سيستيمز” البريطانية، المختصة بالطائرات والمقاتلات، بعنوان “بي إيه إي سيستيمز باعت أسلحة للسعودية بأكثر من 15 مليار إسترليني خلال حرب اليمن”.
ويشير التقرير إلى أن المبيعات تمت على مدار خمس سنوات،مضيفا أن النشطاء حللوا التقرير الحكومي السنوي لمبيعات الشركة البريطانية الرائدة في صناعة الأسلحة ليكشفوا أنها تمكنت من تحصيل عائدات فاقت 2.5 مليار جنيه استرليني من مبيعات الأسلحة للسعودية، خلال العام المنصرم فقط، ليرتفع عائد الصادرات للسعودية، بين عامي 2015 و2019، إلى نحو 15 مليار استرليني بزيادة سنوية تبلغ نحو 17.3 في المئة.
ويقول التقرير إن “المعلومات المنشورة تكشف أن صادرات الأسلحة البريطانية إلى السعودية، منذ بداية حرب اليمن، تفوق بكثير مبلغ 5.3 مليار جنيه استرليني، الذي يمثل القيمة القصوى المسموح بها حسب رخصة التصدير القانونية”.
ويضيف أن “الفارق في القيمة يعود إلى صادرات السلاح التي وردتها بريطانيا إلى السعودية، عبر ما يسمى بالرخصة المفتوحة، والتي تسمح للندن بتصدير أسلحة ومعدات وذخائر مختلفة للمملكة، دون التقيد بضرورة ذكر قيمتها المالية”. لافتاً إلى أنه “في أوقات سابقة كان الدعم البريطاني للسعودية يتم ولكن تحت غطاء، فقبل خمس سنوات، وقبيل بدء الصراع في اليمن، قام فيليب هاموند، وزير الخارجية البريطاني آنذاك، بإعلان مساندة بلاده للحملة التي تقودها المملكة ضد المسلحين اليمنيين بكل الأشكال الممكنة، باستثناء التورط في الاشتباكات العسكرية”.
ويضيف التقرير أن السعودية هي ثالث أكبر مشترٍ لمنتجات الشركة، بعد وزارتي الدفاع الأمريكية والبريطانية، وأن ما يقرب من ثلث صادرات الشركة للسعودية كانت مقاتلات تورنادو ومرفقاتها من أسلحة وأنظمة وبرامج.
ومن جانبها ذكرت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية أن المملكة العربية السعودية سوق كبيرة لمصنعي السلاح البريطاني، فبين أبريل/نيسان عام 2015 ومارس/آذار عام 2018، رخصت الحكومة البريطانية بيع معدات عسكرية لا تقل قيمتها عن 4.7 مليار جنيه إسترليني (حوالي 5.89 مليار دولار) للسعودية، وما قيمته 860 مليون جنيه إسترليني إضافي لشركائها في التحالف.