Getty Imagesحققت السلطات التباعد الاجتماعي في لجان الامتحانات
يمثل إتمام مرحلة الدراسة ما قبل الجامعية في مصر عبئا ثقيلا على كاهل الطلاب والأسر، ويطلق كثير منهم على ما يعانونه خلال السنة النهائية من تلك المرحلة تعبيرات مثل “شبح الثانوية العامة”.
وتعد تلك الشهادة الدراسية نقطة حاسمة في حياة الطلاب وأسرهم، لكونها أداة مهمة من أدوات الحراك الاجتماعي التي تحدد وظائف المستقبل، إذ تتمتع امتحاناتها إلى حد كبير بالنزاهة وتكافؤ الفرص، بين جميع الطلاب بغض النظر عن انتماءاتهم الطبقية ومستوياتهم الاقتصادية.
لكن الامتحانات تعقد هذا العام في ظل ظرف استثنائي، وهو انتشار فيروس كورونا، ما يزيد من ثقل ذلك العبء المعتاد.
صعوبات إضافية
يذهب الطالب غالبا إلى لجنة الامتحانات قلقا، مما قد يجده في ورقة الأسئلة، لكن هذه المرة هناك قلق إضافي.
يقول فارس، والد الطالب كريم الذي يدرس بإحدى مدارس القاهرة: “يعاني الطالب وأسرته من الخوف من انتقال العدوى إليه، سواء من زملائه أو المراقبين أو غيرهم من العاملين المنخرطين في عملية الامتحانات”.
ويضيف فارس: “عبء إضافي أيضا، يتمثل في ذهاب الطالب قبل موعد الامتحان بساعتين، من أجل إتمام إجراءات التعقيم وقياس درجة حرارة الجسم، ما يمثل عبئا بدنيا ونفسيا إضافيا”.
ويقول محمد سيف، طالب بإحدى المدارس بمركز منيا القمح بمحافظة الشرقية: “في اليوم الأول، لم نر أي تعقيم. البوابات الإلكترونية للتعقيم كانت معطلة، وتزاحمنا في الفصول بعد الدخول، ووجدنا المقاعد تكسوها الأتربة، فاضطررنا لتنظيفها بملابسنا”.
لكن محمد يقر بأن تلك الأخطاء تم تلافيها من اليوم الثاني، ويضيف أنه يجري يوميا توزيع كمامات على الطلاب، وقياس درجة حرارتهم، وتوزيع عبوات من المطهرات، وأدوات وقاية للبسها في الأقدام، لكنه يقول إنه لا يستخدم معظم تلك الأدوات ويستخدم أدواته الخاصة، وذلك لـ”عدم إطمئنانه إلى سلامة العمال، الذين يوزعون تلك الأدوات على الطلاب، إذ لا توزع من جانب أطباء أو ممرضين”.
وتتمثل صعوبة أخرى في تعطل الدراسة بالمدارس، وكذلك بالمراكز التعليمية التي توفر الدروس الخصوصية، وذلك منذ منتصف مارس/ آذار الماضي، ما جعل الطلاب والمعلمين يلجأون إلى تقديم الدروس الخصوصية ومذكرات المراجعات النهائية، عبر منصات وتطبيقات الإنترنت.
وبينما رأى البعض أن تلك المنصات عوضت غياب الدروس الخصوصية، التي كانت تدرس وجها لوجه، رأى آخرون أنها ليست بنفس الفعالية.
Getty Imagesشهد اليوم الأول من الامتحانات تزاحما لأولياء الأمور أمام بعض المدارس، ما أثار مخاوف من انتشار الوباء
مطالبات بالتأجيل
يؤدي امتحانات الثانوية العامة نحو 653 ألف طالب هذا العام، موزعين على 56 الف لجنة امتحان، وذلك حسبما أعلن طارق شوقي، وزير التربية و التعليم في مصر.
وتنعقد الامتحانات على مدار شهر كامل، حيث بدأت في 21 من يونيو/ حزيران، وتستمر حتى 21 من يوليو/ تموز الجاري.
وطالبت نقابة الأطباء في مصر الحكومة بتأجيل الامتحانات، خشية تفشي الوباء بين الطلاب.
وقبل بدء الامتحانات بفترة، أطلق رواد مواقع التواصل الاجتماعي حملة لمقاطعة الامتحانات، ودشنوا وسما بعنوان #مقاطعه_امتحانات_3ث والذي تصدر قائمة أكثر الوسوم انتشارا في مصر، حاصدا أكثر من 127 ألف تغريدة حينذاك.
لكن وزارة التربية والتعليم ردت، قائلة “الامتحانات تمثل قرار دولة بأكملها، وإن الدولة ستوفر كل شيء ممكن لتأمين الطلاب”، وأكد وزير التعليم إجراء الامتحانات في موعدها “بتأمين وتعقيم كاملين”.
BBCأكد وزير التعليم طارق شوقي (يسار الصورة) إجراء الامتحانات في موعدها “بتأمين وتعقيم كاملين”. صورة أرشيفية
ويرى س. أ.، باحث بالمركز القومي للبحوث التربوية، أنه كان من الأفضل تأجيل الامتحانات إلى شهر سبتمبر/ أيلول مثلا، على أن يبدأ العام الدراسي المقبل في شهر ديسمبر/ كانون الأول، ويجري تمديده لمدة شهر إضافي أو أكثر لتجاوز هذه المشكلة.
ويقول لبي بي سي: “وفقا لتصريحات وزارة الصحة المصرية، فإن وباء كورونا يبلغ ذروة انتشاره في البلاد، خلال شهري يونيو/ حزيران ويوليو/ تموز، فكان يجب التأجيل إلى أن يتراجع المرض”.
لكن حتى خيار التأجيل في حال كونه متاحا ربما لا يرضي الجميع. وقالت راندة محمد والدة الطالب زياد: “لقد مل الأولاد. يذاكرون منذ 11 شهرا، وأيا كانت النتيجة يرغبون في الانتهاء من الامتحانات. لقد عرضت على ابني تأجيل الامتحانات حفاظا على سلامته لكنه رفض”.
ويقول زياد: “عانيت ضغطا هائلا خلال هذه السنة، ولست مستعدا لتمديد هذا الضغط سنة إضافية”.
تسهيلات استثنائية
تلتزم السلطات بإجراءات صحية احترازية، وتحقق التباعد الاجتماعي بين الطلاب في لجان الامتحانات.
وقال وزير التعليم، طارق شوقي، إن عدد الطلاب في كل لجنة “سيتراوح بين 10 إلى 13 طالبا، و ربما يصل إلى 5 أو 6 طلاب في بعض اللجان”، الأمر الذي أكده الطلاب وأولياء الأمور الذين تحدثت إليهم بي بي سي.
أما التسهيلات الأبرز تمثلت في تخفيف المناهج، والسماح للطلاب بتأجيل الامتحانات.
ويقول فارس، والد الطالب كريم: “خففت الوزارة عن الطلاب، بأن سمحت لهم بحل امتحانات المواد التي لا تضاف إلى المجموع، مثل التربية الدينية والتربية الوطنية والإحصاء، في المنزل ثم تسليم كتيب الامتحان (البوكليت) إلى لجان الامتحان لاحقا”.
ويضيف: “كما سُمح للطلاب الراغبين بتأجيل الامتحانات، إلى الدور الثاني أو العام القادم، على أن تحتسب لهم الدرجات التي يحصلونها كاملة، وكأنهم قد امتحنوا في الدور الأول”، لكن الطالب محمد سيف يقول إن هذا الأمر “مشروط بتقديم تقرير طبي يفيد بإصابة الطالب بمرض كوفيد-19، أو إقامته في منطقة سكنية تفرض عليها السلطات حجرا صحيا”، الأمر الذي يراه صعبا.
ويرى س. أ. الباحث التربوي أن قصر المناهج على ما تم تدريسه حتى منتصف مارس/ آذار، ربما يخفف من وطأة وباء كورونا على الطلاب.
Getty Imagesيرى كثير من المصريين الثانوية العامة عتبة مهمة لتحديد المستقبل الوظيفي والمكانة الاجتماعية من خلال التحاق بـ “كليات القمة”
هل سيؤثر على الأداء؟
يرى فارس أن الوباء لن يؤثر على أداء نجله كريم، ويقول: “أثناء الامتحان ينسى الطالب غالبا كل هذه المؤثرات والتوترات الخارجية، ويركز فقط في الامتحان”.
ويتفق نبيل وليم، أستاذ علم النفس بجامعة الوادي الجديد، مع هذا الرأي ويقول: “بعد مرور أكثر من أسبوعين من بدء الامتحانات، لم تظهر شكاوى بارزة من الطلاب، كما لم ترصد حالات إصابة تذكر، ومع عودة الحياة إلى طبيعتها في أنحاء البلاد، أعتقد أن القلق من الوباء قد تراجع لدى الطلاب وأسرهم”.
ويضيف: “لا أنكر أن الوباء يمثل ثقلا إضافيا، لكن أرى أنه لن ينعكس سلبا على الأداء، إلا بالنسبة للطلاب الذين سيعانون من درجة كبيرة من القلق، تسمى (القلق المانع) وفي ذلك الحين سينعكس القلق في أعراض نفس جسمية، مثل الغثيان أو الشعور بالحاجة إلى الذهاب إلى المرحاض، وربما يمنع هذا القلق الطالب من النوم، ويعوقه عن استرجاع المعلومات”.
لكن الطالب محمد سيف يتوقع أن يؤثر الوباء على أدائه، ويقول: “مع إهمال بعض الطلاب وخلعهم الكمامات أثناء الامتحان، أشعر بالخوف من انتقال العدوى، وأخشى أن يؤثر ذلك على أدائي”.
ويرى س. أ، الباحث التربوي، أن مقولة أن الطالب سينسى الظروف المحيطة، بمجرد انغماسه في الامتحان “غير صادقة بنسبة مئة في المئة”.
ويضيف: “الطالب الخائف لا يؤدي جيدا كما لو كان آمنا. الشخص القلق أو المذعور إنتاجه غالبا أقل من نظيره الطبيعي”.
وينصح بأن يراعى ذلك في تنسيق درجات القبول بالجامعات، وأن تنخفض درجات كليات القمة، وخاصة كليات الطب “بعد أن ظهرت حاجة المجتمع لمزيد من الأطباء، في ظل جائحة كورونا”.
تنويه: تم تغيير بعض الأسماء الواردة في هذا التقرير، بناء على طلب أصحابها.