عَصَف «حبْسُ الأنفاس» بلبنان أمس، مع «الهبّة الساخنة» بوقائعها الملتبسة على حدوده مع اسرائيل بعدما أشيع أن «حزب الله» نفّذ عمليةً انتقاميةً في مزارع شبعا المحتلّة رداً على مقتل أحد عناصره بغارة استهدفت محيط مطار دمشق في 20 يوليو الجاري، فيما كان فيروس كورونا المستجد يَفْرِضُ على بيروت «إعادة التموْضع» خلف خطوط الإقفال التام في محاولةٍ لمنْع السيناريو الكارثي الذي تصاعدتْ التحذيراتُ من بدء العدّ العكسي لبلوغه على وقع الارتفاع الدراماتيكي في الإصابات مُنْذِراً بالانزلاقِ إلى نماذج مُفْجِعة مثل إيطاليا أو إسبانيا، وهو ما سيكون أشبه بـ «رصاصة الرحمة» على بلدٍ مزّقتْ الأزمةُ المالية العاتية اقتصادَه والواقع المعيشي لشعبه وغالبية قطاعاته التي تحوّلت حطاماً فوق سفينةٍ تغْرق بأثقال أداء سلطةٍ تتخبّط في خياراتِها ووضعيةِ «الدولة المخطوفة» التي باتت أسيرة إلحاقها بالمحور الإيراني.
وبعد ساعاتٍ «عصيبة» نهاراً شخصتْ فيها الأنظارُ على اجتماعاتٍ ذات صلة بحال «الطوارىء» التي استوجبتْها الطفرةُ الأكبر لـ «كورونا» منذ دخوله البلاد في 21 فبراير الماضي وانتهتْ إلى قرارٍ قضى بالعودة «خطوة إلى الوراء» وقفْل البلد على مرحلتين، ابتداء من الخميس المقبل حتى الاثنين 3 اغسطس، على أن يُفتح يومي الثلاثاء والأربعاء (4 و 5 اغسطس) ليُعاد الاغلاق من 6 اغسطس حتى العاشر منه، قفزتْ الحدودُ الجنوبيةُ الى واجهةِ الاهتمام مع إعلان الجيش الاسرائيلي أنه «أحبط عملية في منطقة جبل روس حيث تمكّنت القوات من تشويش عملية خططت لها خلية من حزب الله مكوّنة من بين 3 الى 4 مخربين، والتي تسلّلت أمتاراً معدودة للخط الأزرق ودخلت منطقة سيادية إسرائيلية»، موضحاً انه «تم فتح النيران نحوهم وتشويش مخططهم، ولم تقع إصابات في صفوف قواتنا، ولا نعرف وضع المخربين الصحي والتي رصدت إصابة عدد منهم».
وسرعان ما تم التعاطي في الإعلام اللبناني والعالمي مع مشاهد ألسنة النار والدخان المتصاعدة من الحدود على أنها في سياق عملية ردّ قام بها «حزب الله»، الأمر الذي استدعى «تبديلاً في الأولويات» لبنانياً نظراً إلى المَخاطر العالية التي ينطوي عليها تحريك الجبهة مع اسرائيل ولو بعمليةٍ «مُدَوْزَنة».
لكن «حزب الله» أكد في بيان مساء، أنه «لم يحصل أي اشتباك أو إطلاق نار من طرفه في أحداث اليوم (أمس) حتى الآن، وإنما كان من طرف واحد فقط هو العدو الخائف والقلق والمتوتر».
ولفت الى أن رده «آتٍ حتماً، وما على الصهاينة إلا أن يبقوا في انتظار العقاب على جرائمهم. كما أن القصف الذي حصل على قرية الهبارية وإصابة منزل أحد المدنيين لن يتم السكوت عنه على الإطلاق».
ولم يخفّف تَضارُب الروايات حول طبيعة ما حصل في المزارع المحتلة والتي راوحتْ بين أن «حزب الله» استهدف آلية اسرائيلية بصاروخ «كورنيت» وحاول التسلّل خلف «الخط الأزرق» وبين ان أي عملية لم ينفّذها الحزب، وأن الأمر لم يكن أكثر «من لعْب بأعصاب العدو»، من وطأة الترقب الثقيل الذي ساد وسط «أعصاب مشدودة» حيال ارتداداتِ أي انتكاسةٍ أمنية جنوباً، ولا سيما بعد القصف الاسرائيلي لبلداتٍ لبنانية حدودية، رغم الانطباع الذي شاعَ بأن الحزبَ الذي كان أرسى «معادلة ردع» بعد مقتل اثنيْن من عناصره في اغسطس 2019 في سورية حين سدّد ضربةً غير مسبوقة لاسرائيل في مستعمرة افيفيم، سيُوازِن في أي «تصفية حسابٍ» بين تكريس «حق الردّ» على سقوط أي من مقاتليه في لبنان أو سورية، وفي الوقت نفسه تَفادي استدراج أي حربٍ اسرائيلية في ظلّ المواجهة الأميركية – الايرانية والواقع اللبناني الغارق في أزماتٍ بين حدّيْ الجوع والمرض.
وإذ لم تكن اتضحتْ بشكل كامل حقيقة ما حصل، فإن المؤشرات التي ارتسمت عصراً أوحتْ بأن «العاصفة مرّت» سريعاً وأن لبنان تجاوَزَ قطوعاً كان يمكن أن يجرّه في سوء تقدير أو قرارٍ كبير إلى «فوهة المدفع»، رغم التوجّس من كلام القيادة الاسرائيلية عن أن «حزب الله» والحكومة اللبنانية يتحمّلان مسؤولية التصعيد وأن «أياماً معقدة ومتوترة مرتقبة».
وفي حين يُنتظر أن يُلقي هذا المناخ بثقله على المسار المعقّد أصلاً للتمديد لقوة «اليونيفيل» نهاية الشهر المقبل والذي تضغط واشنطن بـ «سلاح التمويل» لجعْله مقدمة لتغيير تفويض القوة وتعديل مهماتها لتصبح أكثر قدرة على منْع «حزب الله» من تطوير ترسانته العسكرية، فإن «وعكة الأمس» الملتبسة لم تحرف الأنظار عن الواقع المأزوم لبلاد باتت محاصَرة بتشظيات الصراع الأميركي – الايراني وبالنكبة المالية – الاقتصادية وخطر «كورونا» الذي يزحف على طول البلاد وعرْضها مع تسجيل نحو 150 إصابة يومياً (أمس سُجلت 132 حالة) وارتفاع عدد الوفيات يومياً.
وسبق «الغبار» المتصاعد جنوباً انطلاق عملية العودة بلبنان إلى مرحلة الإغلاق والعمل مجدداً بالتدبير الرقم 4، وسط إعلان وزير الصحة حمد حسن قبيل إجتماع اللجنة الوزارية المختصة بمتابعة إجراءات إحتواء «كورونا» برئاسة رئيس الحكومة حسان دياب، «أن مسار التفشي المجتمعي للوباء بدأ يتخذ منحى جدياً وخطراً»، معدداً التوصيات التي اتخذتها اللجنة العلمية الطبية ومنها «الإغلاق التام لمدة محددة باستثناء المطار، وإجراءات خاصة من أجل صلاة عيد الأضحى بالتنسيق مع المرجعيات الدينية ونقل المصابين من دون عوارض إلى مَراكز الحجر من قبل القوى الأمنية والسلطات المحلية وعدم إبقائهم في منازلهم إلا بعد التأكد من وجود قدرة لوجستية على تأمين العزل المطلوب»، قبل أن يُكشف بعد اجتماع اللجنة وفي ضوء المعلومات عن تباين بين أعضائها حيال القفل التام أنه تم اتخاذ قرار بإغلاق البلد ابتداء من الخميس وحتى 3 اغسطس مع استراحة ليومين ليُستأنف القفل من 6 حتى 10 منه.
ولاحقاً وعقب إعلان حسن أنه «بعد 31 يوليو ولمدة أسبوعين لن نسمح للوافدين بالدخول إلى لبنان من دون فحص PCR وعلى الوافد من دول فيها نسبة إصابة عالية التزام الحجر في الفندق على نفقته لـ48 ساعة لحين صدور نتيجته»، بلْور وزير الداخلية محمد فهمي، قرار الإقفال الذي سيكون محور اجتماع المجلس الأعلى للدفاع اليوم قبل جلسة مجلس الوزراء، فأعلن أن «التدابير الوقائية المعتمدة وتبعاً لواقع الاقفال من 30 يوليو إلى 10 اغسطس، فسيتم التقيد بإقفال الحانات والملاهي الليلية، والغاء السباقات، واقفال غرف المؤتمرات والصالات، والاسواق الشعبية، وملاهي الأطفال والحدائق العامة بالإضافة إلى إلغاء المناسبات الدينية، واقفال المسابح الداخلية في الأندية ووقف حالات التدريب الجماعي».
وأكد أن «المطاعم والملاهي سيتم فتحها بـ50 في المئة من قدرتها الاستيعابية، بينما سيتم اقفال كل دور السينما والمسارح»، طالباً من «المواطنين البالغين من العمر 65 سنة وما فوق، التزام منازلهم والابتعاد عن الاختلاط». ونوه بأن «وسائل النقل سيتم تسييرها بـ 50 في المئة من قدرتها الاستيعابية».
وشدد على أن «البلاد ستقفل من 30 يوليو 2020 وحتى 3 اغسطس ضمناً كما من 6 اغسطس حتى 10 منه حيث أنه سيتم اقفال البلاد بشكل كامل من مؤسسات وشركات خاصة وقطاعات مصرفية»، موضحاً أنه «تستثنى من هذا القرار المؤسسات الاستشفائية، الصحية، الامنية، العسكرية، الصناعية، الزراعية، والاعلامية، بالإضافة إلى المرافئ البحرية والبرية والجوية والبلديات والمرافق العامة وفق جدول مناوبة يتم تحديده».
وتَرافَقَ هذا التطوّر مع بلبلةٍ واسعة أشاعها انكشافُ وجود أخطاء في فحوص PCR أظهرت أنها إيجابية ليتّضح بعد إعادتها أنها سلبية، وهو ما حصل مع النائب جورج عقيص الذي تسبّب إعلانه أن نتيجته إيجابية بـ «هلع» في المقرات الرسمية والحزبية نتيجة مخالطته عدداً من النواب ورئيس البرلمان نبيه بري وشخصيات حزبية ليتضح أن النتيجة كانت خاطئة وأنه غير مصاب، وكذلك مع عدد من الحالات في بلدة قرطبا، الأمر الذي زاد من الارتباك الرسمي كما الشعبي.
الراي