لبنان… هل بدأ الاستثمار الخارجي في «الأرض المحروقة»؟ أميركا وإيران وجهاً لوجه اليوم في بيروت… وصراع تركي – فرنسي «يهبط» عليها

غم الإيجابيات التي تنطوي عليها الإحاطةُ الدوليةُ القصوى بالواقع اللبناني، فإنّ عودة بيروت إلى «الرادار» العالمي من بوابة استحقاق تشكيل الحكومة الجديدة ومواجهة آثار «بيروتشيما» وتداعياتها، بدأت تثير خشيةً من أن تتحوّل على طريقة «الاستثمار في الأرض المحروقة» من أكثر من طرفٍ خارجي.


وفي حين كانت بيروت تحاول التقصي عن مآل «المهمّة العابرة للقارات» التي يضطلع بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بمباركة واشنطن، في محاولةٍ للدفع نحو قيام حكومة جديدة تعكس تغييراً في السلوك الإصلاحي كما في المسار السياسي، اندفعتْ مجموعة تطوراتٍ – مفارقاتٍ تؤشر إلى أن تدويل الوضع اللبناني بدأ يدخل في حقل تجاذبات بدا من المبكر الجزم إذا كانت ستجعل البلاد ساحة جديدة للصراع الكبير في المنطقة أو من باب مخاض ما قبل التسوية، أو مجرّد «عوارض جانبية» لاستقطابات مستجدّة في المتوسط، وأبرزها:

  • جولة «المواجهة الديبلوماسية» الأقرب إلى «وجهاً لوجه» التي ستشهدها بيروت بين طرفيْ الصراع الأميركي – الإيراني الذي يجد لبنان نفسه في «عيْنه»، وذلك من خلال التزامن البالغ التعبير بين زيارتيْ مساعد وزير الخارجية الأميركي ديفيد هيل الذي وصل إلى «بلاد الأرز» أمس في محطة تستمر حتى السبت ويلتقي خلالها اليوم كبار المسؤولين، ووزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف الذي أُعلن عن لقاءات رسمية له اليوم أيضاً.
    وإذ تأتي زيارة ظريف غداة الاتصال الذي أجراه ماكرون بالرئيس حسن روحاني وحضّ فيه على «ضرورة وقف التدخلات الخارجية في لبنان ودعْم تأليف حكومة جديدة» وسط تَرَقُّبٍ لما سيعلنه وزير الخارجية الإيراني ولا سيما بعد تبلْور مناخٍ دولي تشكّل واشنطن رافعتَه ويدفع نحو حكومةِ مستقلين بما يضمن غياب «حزب الله» عنها، فإن محادثات هيل الذي سيجتمع أيضاً بشخصيات سياسية ودينية وبممثلين للمجتمع المدني باتت بمثابة «الإشارة المنتظرة» لحسْم اتجاهات الريح في ما خص شكل الحكومة و«دفتر مهماتها» الذي لن يكون ممكناً إنجازه، وخصوصاً لجهة لملمة أشلاء بيروت ووضع لبنان على سكة النهوض، من دون «اليد الدولية» التي تشترط إصلاحات جدية والحدّ من سيطرة «حزب الله» على القرار الرسمي والإستراتيجي.
    وفي حين وصل هيل على وقع رفْع «جزرة» العقوبات مجدداً على شخصيات لبنانية قريبة من «حزب الله» وحليفة له، لم يترك الديبلوماسي الأميركي مجالاً للشك حيال سقف المواقف التي سيعلنها اليوم، حين تعمّد بعيد هبوط طائرته في بيروت القيام بجولة على الأرض في المناطق المتضررة من تفجير المرفأ وتحديداً الجميزة، متمنياً أن يمتدّ مناخ العمل التطوعي الذي يُظهر «درجة عالية من التعاون والوحدة» إلى جبهة التصدي للفساد وإنجاز الإصلاحات، داعياً إلى حكومة تعبّر عن إرادة الشعب وتعمل للتغيير الحقيقي، قبل أن يكشف أن وفداً من مكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي اي) سيصل إلى بيروت وينضم إلى المحققين الدوليين للمساعدة في تقديم أجوبة حول ظروف التفجير الذي وقع في 4 أغسطس.
  • بروز ملامح صراع تركي – فرنسي حول لبنان عبّر عنه بوضوح أمس الهجوم العنيف الذي شنّه الرئيس رجب طيب أردوغان على ماكرون، متهماً إياه بأن له «أهدافاً استعمارية» في لبنان، وواصفاً زيارته لبيروت الأسبوع الماضي بـ «الاستعراضية»، قائلاً «ما يريده ماكرون وفريقه هو عودة النظام الاستعماري في لبنان. أما نحن فلا يهمنا التهافت لتُلتقط لنا صور أو لنقوم باستعراض أمام الكاميرات».
    ولم يكن ممكناً قراءة هذا التجاذب خارج إطار التوتر المتزايد بين باريس وأنقرة على خلفية الصراع حول ليبيا وصولاً إلى الأزمة المستجدة على خط اليونان وتركيا بسبب الخلاف بشأن التنقيب عن الغاز والذي استدعى إعلان فرنسا تعزيز وجودها العسكري شرق المتوسط في شكل موقت وإجراء مناورات عسكرية مع اليونان في هذه البقعة.
    وتزامن هذا السجال حول «بلاد الأرز» والذي استُحضر معه تاريخ الاستعمار الفرنسي للبنان بين 1920 وحتى استقلاله في 1943 وذلك على أنقاض الحكم العثماني للبنان لأربعة قرون، مع وصول وزيرة الجيوش الفرنسية فلورنس بارلي إلى بيروت لإجراء محادثات استكمالاً لزيارة ماكرون غداة الانفجار المزلزل.
    وفي روما، اعتبرت نائب وزير الخارجية الإيطالي إيمانويلا ديل ري، أنه «لا يمكن للآخرين أن يقولوا للبنانيين ما هي الحلول التي يجب تبنيها لحل مشاكلهم»، في انتقاد لمبادرة طرحها ماكرون.
    وفي موازاة تَركُّز الأنظار على الحركة الدولية – الإقليمية من حول لبنان وفي اتجاهه، تكتسب كلمة الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله اليوم، أهمية خاصة كونها الأولى له بعد استقالة الحكومة وفي ظلّ جو داخلي «انتظاريّ» يجري ملؤه بطروحاتٍ حول التشكيلة الجديدة تبدو على طريقة رسْم سقوف الحد الأقصى قبل تراجُع الجميع خطوة أو أكثر إلى الوراء، وراوحت بين اقتراح حكومة أقطاب سياسية لا يمكن تَصوُّر أن تمرّ داخلياً ولا دولياً، وبين حكومة حيادية (برئاسة الرئيس سعد الحريري أو نواف سلام) تُخْرج «حزب الله» كلياً من السلطة التنفيذية ولا يُعتقد أن الحزب في وارد التسليم بها، ليبقى السؤال حول التسوية الممكنة بين هذين الحديْن وهو ما سيحدده مسار «التشكيل الدولي» لحكومة لبنان.
    برلمانياً، صادق مجلس النواب اللبناني، أمس، على حال الطوارئ التي أعلنتها الحكومة لأسبوعين في بيروت، عقب انفجار المرفأ المدمر الذي تسبّب بمقتل 171 قتيلاً وإصابة أكثر من 6500 آخرين، عدا عن مفقودين. واستهلّ البرلمان جلسته المقتضبة، بقبول استقالة سبعة نواب كانوا تقدموا بها عقب الانفجار.

الراي – وسام ابو حرفوش وليندا عازار