كأنه «سباقُ بَدَلٍ» بين المَظاهر الكارثية للواقع المؤلم الذي سقط لبنان في شِباكه وسط اشتداد التَشابُك بين مسارات التأزم المُشرَّعة على خطوط «التوتر العالي» في المواجهة الشرسة الأميركية – الإيرانية وبين «سلالم النجاة» الممكنة من «البركان» المالي – الاقتصادي – النقدي الذي انفجر وتتطاير حممه في كل اتجاهاتِ الوضع المعيشي – الاجتماعي.
ذا التوصيف تقدّمه أوساطٌ سياسية في ظلّ السيناريوهات البالغة التشاؤم التي ترتسم من خلف الوقائع الإقليمية التي تشي بصيفٍ ساخنٍ في لبنان كما العوارض المتسارعة للأزمة المالية التي بات يختصرها عنوان «رحلة الألف ليرة» صعوداً يومياً في سعر صرف الدولار الذي يمضي في وثباته القياسية زحْفاً نحو العشرة آلاف ليرة لكل دولار (سجّل أمس نحو 9500 بعدما ناهز الثلاثاء 8500).
وعلى وقع طفرة عمليات قطْع الطرق التي استمرت في بيروت ومحيطها ومناطق عدة اعتراضاً على الارتفاع الصاروخي بسعر صرف العملة الخضراء وما يرتّبه من زيادة جنونية في الأسعار انعكست فوضى هستيرية بالأسواق التي فضّلتْ بعض محالها الإقفال «رافعة الراية البيضاء» ولو موقتاً، بدا المشهد الداخلي مشدوداً إلى صرخاتِ مواطنين في السوبرماركت لا يصدّقون أنهم ممنوعون من شراء أكثر من علبة حليب واحدة وآخَرين يترحّمون على «لبنان الذي كان»، من دون أن يحجب «الغضب الساطع» بالصوت والصورة، أوجاعَ غالبيةٍ صامتة خلف الجدران التي صارت تئنّ مع شعبٍ عالِقٌ في قفص ويحترق بنار الدولار وسلطةٍ تحترف الهروب إلى الأمام من الحقيقة التي كان وُضع الإصبع عليها قبل نحو 18 عاماً بمعادلة «إما هانوي وإما هونغ كونغ».
ولم يكن أكثر تعبيراً عن «الخطر الوجودي» الذي يواجهه لبنان من استعادة أبنائه «عُدّة الطوارئ»، من شموعٍ وقناديل غاز وكاز، نفضوا الغبار عن بعضها ويخّزنون بعضَها الآخَر، وباتت تختزل حياة يعيشونها على طريقة «كل يوم بيومه» بعدما «دفنوا» أحلامهم البديهية بالرفاه والازدهار ووجدوا أنفسهم يوغلون في تقليب دفاتر الزمن الأسود الذي فتحتْ الحفرةُ المالية فجوةً كبيرة إلى فصوله المرعبة، من مجاعة الحرب العالمية الأولى وكوابيسها، إلى أهوال الحرب الأهلية ومَظاهر التكيّف مع «أورامها» المعيشية التي خبِروها طول 15 عاماً.
وبدا مُفْجِعاً، بحسب الأوساط السياسية، أن تكون السلطةُ تلهو بمناكفاتٍ حول الخسائر المالية وحجمها وتَقَصّي الحقائق حولها، بعدما تحوّلت معركةً بين الحكومة والقطاع المصرفي والبرلمان و«حروباً صغيرة» داخل البيت الحكومي مدجّجةً بعوامل «الأمر لمَن» في وزاراتٍ (مثل المال)، في وقت يزيد شبح العتمةُ قبضته على يوميات اللبنانيين العالقين بين «ناريْ» التقنين «الرسمي» وتقنين المولدات الرديفة في ضوء شحّ الفيول والمازوت الذي تتعدد أسبابه والنتيجةُ واحدةٌ تضع المواطنين أمام سيناريوهات حالكة يُخشى أن توصل إلى «انقطاع الهواء» الذي يحمل صوتهم المخنوق عبر الهواتف النقالة مع دخول خدمة الاتصالات والإنترنت في دائرة الخطر، فيما صارت حتى إضاءة شمعة عوض «لعنة الظلام» بعيدة عن متناول الكثيرين بعدما لامس سعر كيلو الشمع 20 ألف ليرة، وباب الحلول ما زال مختوماً بالشمع الأحمر.
وحتى معاودة فتْح المطار أمام الرحلات التجارية، بعدما أقفله فيروس كورونا المستجد لأكثر من 4 أشهر، لم تنجُ من شظايا النقمة الشعبية التي أقفلتْ لبعض الوقت، بعدما كانت «بروفة» وصول طلائع الوافدين (نحو ألفين كل يوم كمرحلة أولى) شابتْها فوضى وإشكالات مع الإعلاميين بفعل تعدُّد الإجراءات المشددة المرتبطة بفحوص PCR على أرض المطار بهدف ضمان عدم تحويله خاصرة رخوة تتسلل منها الموجة الثانية من الإصابات.
وفي باريس (رويترز)، عبّر وزير الخارجية جان إيف لو دريان عن قلق فرنسا تجاه الأزمة في لبنان. وقال أمام البرلمان، أمس: «الوضع ينذر بالخطر في ظل وجود أزمة اقتصادية ومالية واجتماعية وإنسانية تتفاقم الآن بفعل مخاطر جائحة كورونا».
وأضاف: «الأزمة الاجتماعية المتفاقمة… تخاطر بزيادة احتمالات تفجر أعمال العنف».
وأعلن أنه يتعين على الحكومة تنفيذ إصلاحات حتى يتسنى للمجتمع الدولي مد يد المساعدة، مشيراً إلى أنه سيزور لبنان قريباً لإبلاغ السلطات بذلك بشكل واضح.