لم يكن ينقص «سلّمَ الرعبِ» السياسي – المالي – الاقتصادي – الاجتماعي الذي يتحرّك عليه الواقعُ اللبناني نزولاً «إلى الجحيم» الذي باتت معالمُه تتصدّر الإعلام العالمي، سوى «وثبة» قياسية جديدة لفيروس كورونا المستجد، الذي أعطى في الأيام الأخيرة «إشاراتٍ سبّاقةً» إلى أنه على عتبة قفزةٍ كبيرة تعيده إلى لائحة المخاطر الأعلى التي تحاصر لبنان الذي يقف على مشارف كارثةٍ شاملة تُسابِق محاولاتِ الحدّ من تداعياتها.
وشكّل الإعلانُ عن 66 إصابةٍ جديدة، أمس، رفعتْ العدد التراكمي إلى 2012 صدمةً حقيقيةً لبلدٍ أَخَذَ في الفترة الأخيرة، ولا سيما بعد معاودة استئناف حركة الملاحة عبر مطار رفيق الحريري الدولي والخروج من ظلال إجراءات «الطوارئ الصحية»، ما يشبه الاستراحة من التَقَصي عن أحوال «كوفيد – 19» الذي بدت أضرارُه «ناعمةً» نسبياً مقارنةً بالآثار المتدحْرجة لـ «تنين الانهيار» الذي «ينهش» العملة النقدية والواقع المعيشي لنصف اللبنانيين الذين يعيشون تحت خط الفقر وما يوازيهم ممن يخوضون «صراعَ بقاءٍ»، ناهيك عن الوضع الاقتصادي الذي بات يهدّد قطاعات سياحية بـ «تسليم مفاتحيها» لعدم القدرة على الصمود، وأخرى حيوية واستراتيجية مثل المستشفيات الخاصة بـ «الموت الرحيم».
ومنذ أن كشف وزير الصحة حمد حسن، نهاراً، أن «رقما صادماً سيُسجَّل لأن هناك مغترباً اختلط مع محيطه وحضر زفافاً وذهب إلى المسبح من دون أن يتخذ الاحتياطات اللازمة أو يلتزم الحجر ريثما تصدر نتيجة فحص PCR»، ساد حبْس الأنفاس حيال الحالات الجديدة التي ستُسجَّل، إلى أن أُعلن عصراً عن الرقم 66 الذي بدا واضحاً معه أن ملف «كورونا» سيعود في الفترة المقبلة ليتقاسم المشهد الداخلي بكوابيسه المالية – السياسية التي أعطتْ تطوراتُ الساعاتِ الماضية مؤشراتٍ إلى أنها تتجه إلى المزيد من الفصول القاتمة.
واستوقف أوساطاً سياسية في هذا السياق، تكريس معادلةٍ لم يعد ثمة لبس فيها وقوامها، أن لا إمكان لعكْسِ مسار الانهيار إلا بالإصلاح والنأي بالنفس عن صراعات المنطقة والحؤول دون تحويل أرضية الإنقاذ الدولي منصّةً يستفيد منها «حزب الله» لتغذية مشروعه الإقليمي الذي يتعرّض بدوره لـ «تسونامي ضغط» على مجمل المحور الإيراني الذي بات تحت شِباك «قانون قيصر» الأميركي.
ولم يكن أدلّ على هذه المعادلة من موقفيْن تردّد دويّهما بقوة في بيروت أمس، أوّلهما لوزير الخارجية الفرنسي جان ايف – لودريان، الذي كان من «عراّبي» مؤتمر «سيدر»، والذي بدا في موقفه الذي يدعو اللبنانيين «ساعِدونا لنساعدكم» وكأنه «يتوسّل» السلطة تنفيذَ الإصلاحات الشرْطية للحصول على المساعدة، مؤكداً «كانت هناك تعهدات من الحكومة اللبنانية، لكن هذه الإصلاحات لم تحصل (…) ومن الواضح تماماً عدم وجود وعي كافٍ لدى مجمل الشركاء السياسيين لخطر الانهيار»، في ظل معلومات عن أنه سيحمل في زيارته المرتقبة لبيروت مبادرةً ذكرت «وكالة الأنباء المركزية» أن «أساسها الحياد والإصلاح، كشرطيْن أساسيين للإنقاذ».
أما الموقف الثاني فهو الذي أطلقه وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو بوضوح تام، معلناً «سنساعد لبنان على الخروج من أزمته طالما أنه لا يتحول دولة وكيلة لإيران، والدعم سيستمر طالما لبنان ينفّذ الإصلاحات وأن حزب الله لا يسيطر على الحكم»، مؤكداً أن بلاده «ستستمر بالضغط على الحزب ومساعدة الشعب اللبناني لإقامة حكومة مستقلة» وصولاً إلى جزمه رداً على على إمكان إرسال شحنات نفط إيرانية إلى لبنان، أن واشنطن «لن تسمح بتدفق الأموال إلى أكبر دولة راعية للإرهاب في العالم»، محذراً من فرض عقوبات إذا وقّعت بيروت اتفاقاً مع طهران لشراء النفط «فهذا لن يكون مقبولاً. هذا منتج خاضع للعقوبات بالتأكيد».
واكتسبت مواقف بومبيو، التي تزامنت مع زيارة قائد المنطقة المركزية الوسطى في الجيش الأميركي الجنرال كينيث ماكنزي لبيروت، حيث أكد ثوابت موقف بلاده من موضوع ضبْط الحدود مع سورية وعدم التساهل حيال أي تجاوُز لـ «قيصر»، أهميتَها لأنها أكملت «التوازن السلبي» الأميركي – الإيراني الذي بات يحكم الواقع اللبناني الذي يشدّه «حزب الله» نحو الشرق (إيران الصين وسورية والعراق) في سياق التصدي لاندفاعة واشنطن ضدهّ وضدّ المحور الإيراني مع ما قد يرتّبه ذلك من أثمان باهظة على صعيد ما تبقى من جسور تربطه بالمجتمعين العربي والدولي اللذين تشكّل صلاته بهما جزءاً من هويته ودوره التاريخي.
وفيما برز موقفٌ فرْمل الخيارَ الذي دعا إليه الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله لجهة استيراد مشتقات نفطية من إيران بالعملة اللبنانية، عبّر عنه إعلان وزير الطاقة ريمون غجر «إننا لا نفكّر باستيراد الفيول من إيران ولا تفاوض معها في هذا الموضوع بل مع العراق»، حضرت مجمل هذه العناوين في الزيارة البارزة التي قام بها الرئيس السابق للحكومة زعيم «تيار المستقبل» سعد الحريري للبطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي بعد أربعة أيام من «نداء النجدة» الذي وجّهه الأخير للدول الصديقة والأمم المتحدة «للعمل على تطبيق القرارات الدولية وإعادةِ تثبيتِ استقلالِ لبنان وإعلانِ حياده» داعياً الرئيس ميشال عون للعمل على «فكّ الحصار عن الشرعية والقرار الوطني الحرّ».
وبعد الزيارة أطلق الحريري مواقف غمزت من قناة «حزب الله» معلناً «يمرّ لبنان اليوم بأسوأ وضْعٍ اقتصادي يمكن أن نشهده تاريخياً، وهناك تفكير في هذه الحكومة وهذا العهد بتغيير النظام الاقتصادي اللبناني الحرّ إلى نظام آخَر»، مؤكداً «لبنان اليوم يدفع أثماناً إقليمية يجب ألا يدفعها، وهذا هو المشكل الأساسي».
وإذ وصف كلام الراعي بأنه «بطريرك الكلام»، قال: «تحدث غبطته عن وجع اللبنانيين وليس بالسياسة. هو قال إن لبنان لا يتحمل، والدليل انظُروا أين أصبحنا في الوضع اللبناني والاقتصادي وفي الحلول»، مضيفاً: «هناك مَن يريد تغيير النظام باتجاه ما سمعناه في الخطابات. بالمختصر، هناك مشروع لتأميم البلد ودمج المصارف في مصرفين أو ثلاثة، حتى يصبح البلد شبيهاً باقتصادات إقليمية يحبذها البعض كالاقتصاد الإيراني، والبعض تساءل: مم يشكو الاقتصاد الإيراني؟».
وشدد على «أن علينا أن نساعد أنفسنا، وأن نعرف حجمنا كدولة في المنطقة، وعلينا ألا نسمح للعالم أن يتلاعب بنا. واليوم هناك صراع إقليمي كبير جداً ونحن من يدفع الثمن. لماذا؟ الكل يعرف لماذا ندفع الثمن. على كل طرف أن يضحي، وهناك أطراف يجب أن تضحي
أكثر من غيرها، وأنا ضحيتُ، بماذا يمكنني أن أضحي أكثر»؟
الراي – وسام ابو حرفوش وليندا عازار