كتبت “نداء الوطن” تقول:هو بحق “عهد الانتحار”، لم يبدأ برصاصة الرحمة التي أطلقها علي الهق على رأسه، ولا بحبل النجاة الذي لفّه سامر حبلي حول رقبته، بل قبلهما لهيب جورج زريق ومشنقة ناجي الفليطي… وحبل المشانق على الجرار في ظل عهد فاشل وحكومة عاجزة يقودان البلد إلى انتحار جماعي يسلخ روح العزّة من صدور اللبنانيين ويخنق الكرامة في نفوسهم ويقضي على آخر رجاء بقيامة للدولة تحررها من قيود مافيا السلطة. فلبنان، وعلى مرأى من الشرق والغرب، بلغ مرحلة قاتلة من اليأس وانسداد الأفق في مختلف الاتجاهات، وحتى طاقة الأمل الوحيدة سدت منافذها حكومة حسان دياب في وجه صندوق النقد الدولي على وقع تمرسها في لعبة تضييع الوقت واستنزاف الأرقام ضمن إطار سياسة ممنهجة لـ”تطفيش” الصندوق وأسفرت حتى الساعة عن تعليق الاجتماعات المشتركة حتى “تنتهي عروض السيرك” التي يقودها “الوفد الحكومي الضائع” بحسب تعبير أحد المعنيين بهذه المفاوضات، مؤكداً لـ”نداء الوطن” أن “الاجتماعات متوقفة لكنّ التواصل لا يزال مستمراً مع المعنيين في صندوق النقد فقط لوضعهم في صورة التطورات الجارية”.
وإذ لفت إلى أنّ “مبدأ الحوار للحوار لم يعد ينطلي على أحد لا في لبنان ولا خارجه”، أكد المصدر المعني أنّ “صندوق النقد الدولي لا يمكن أن يقبل بالمشاركة في مهزلة استنزاف الوقت ولذلك بادر إلى وضع حد لها عبر قرار تعليق الاجتماعات مع الحكومة اللبنانية بانتظار توصلها إلى صيغة موحدة من المقاربات والأرقام يتم النقاش حولها، غير أنّ المشكلة تكمن في أنّ الأيام تمرّ والأزمة تتفاقم اقتصادياً ومالياً واجتماعياً من دون تسجيل أي تطورات لا على صعيد البدء بالإصلاحات المطلوبة ولا على مستوى الأرقام، تحت وطأة إعادة الحكومة الأمور إلى مربع أرقامها الأول ومحاولة نسفها ما تم التوصل إليه من أرقام توافقية على طاولة لجنة المال والموازنة، فضلاً عن انفراط عقد الوفد المفاوض بعد توالي مسلسل الاستقالات في صفوف أعضائه من المستشارين”، وختم المصدر بالقول: “الأرجح أنّ الأمور ذاهبة نحو إفشال المفاوضات مع صندوق النقد بتواطؤ صريح بين من لا يريد فتح الدفاتر القديمة ويرفض فكرة التدقيق الجنائي بالحسابات وبين من يرفض الإصلاح ولا يزال متمسكاً بمنظومة الهدر والتهريب سواءً في الكهرباء أو في المعابر والجمارك”.
في الغضون، وبينما الناس يتآكلها الجوع والبلد يغرق أكثر فأكثر في رمال الأزمة المتحركة، توقفت مصادر سياسية رفيعة عند تغريدة “منفصمة عن واقع الجوع والبطالة والانتحار” لرئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل أمس، وبدا فيها مستعجلاً العودة إلى المقاعد الوزارية على متن “الشروط” التي تحدث عنها الرئيس سعد الحريري لقبوله ترؤس الحكومة، وقالت المصادر: “شروط الحريري أعادت فتح شهية باسيل الوزارية فعاجله بشروط مضادة تستعيد نغمة التسويات والتفاهمات على قاعدة “إجري على إجرك” إلى السراي”، لافتةً إلى أنّ “حكومة حسان دياب باتت عملياً بحكم حكومة تصريف الأعمال بانتظار اتضاح البديل عنها، والجميع أصبح يتصرّف على هذا الأساس، وحتى تمسك “حزب الله” بها هو تحت عنوان شراء الوقت لا أكثر بانتظار تبلور ظروف المواجهة الإقليمية ونتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية لمعرفة المسار الذي ستتجه إليه الأمور، ومن هذا المنطلق يسعى الحزب حالياً إلى شبك خيوط الأزمة اللبنانية بمحور المواجهة الممتد من سوريا إلى العراق وإيران وصولاً إلى الصين استعداداً لهذه المواجهة لكنه في الوقت عينه يبدي انفتاحاً على أي احتمال تسووي من شأنه أن يحمي ساحته الداخلية في حال التوصل إلى صيغة حكومية تعيد التوازن إلى الاقتصاد اللبناني”.
وفي هذا الإطار، توضح المصادر أنه وإزاء “استشعار باسيل بإمكانية نضوج صيغة حكومية جديدة عبر ممر “بيت الوسط” سارع إلى اتخاذ خطوات مضادة لضمان إجهاض أي طرح يعيد الحريري إلى رئاسة الحكومة من دون أن يشمل إعادة توزيره شخصياً”، كاشفةً في هذا السياق عن معلومات تفيد بأنّ “لقاءً حصل بين موفد من جانب رئيس الجمهورية ميشال عون مع ممثل عن قيادة “حزب الله” تم التداول خلاله بهذا الموضوع، فكان تشديد عوني صريح خلال اللقاء على أنّ عودة الحريري لا بد وأن تكون مشروطة بعودة باسيل باعتبار أنّ أي حكومة يرأسها الأول لن تكون ذات طابع تكنوقراطي لأنّه طرف سياسي وبالتالي لا بد من مشاركة أطراف سياسية أخرى في تركيبته الحكومية”، وأردفت: “للأسف لا تزال الذهنية نفسها تحكم هذا العهد، وحتى لو قضى نصف الشعب اللبناني انتحاراً ستبقى المعادلة هي هي “كرمال عيون جبران عمرها ما تكون حكومة”.