عقد نقيب المحامين ملحم خلف في مقر النقابة بقصر العدل في بيروت، مؤتمرا صحافيا عرض فيه لمختلف المستجدات والاعتداءات على المحامين في الاونة الاخيرة، وقال: “في سياق قرار نقابة المحامين في بيروت القاضي بالتمسك بضرورة إجراء التدقيق المالي الجنائي كفرصة أخيرة لكشف المستور والخروج من الإنهيار المالي والإجتماعي الذي يشهده لبنان بما تشكله هذه العملية من مدخل للمحاسبة، ومقاربة قانونية حقوقية بنيوية، واطمئنان للمجتمع اللبناني والمجتمع الدولي، فقد لحظنا مؤخرا اسلوبا غير مسبوق من التعاطي مع هذا الموضوع، وكان لنقابة المحامين في بيروت مواقف متكررة بهذا الصدد، للأسف، وكأن صوتنا كان صوتا في الصحراء، ولا حياة لمن تنادي”.
أضاف: “إن التدقيق المالي الجنائي ليس ترفا ولا أكسسوارا في مسيرة مكافحة الفساد، وإن ما قام به المعنيون، باستمرار حتى هذه اللحظة، هو تمييع لخيار التدقيق المالي الجنائي بحجج واهية لا تنطلي لا على المحامين ولا على المواطنين، بقدر ما هذا الأمر هو معيب بالقدر عينه يشي بارتباك عميق لدى هؤلاء، ويستدعي من كل القوى المجتمعية الحية الضغط باتجاه إطلاق عملية التدقيق المالي الجنائي دون تأخر، وباتجاه إجهاض أي محاولة لتجاهله. إن خطة النهوض التي ننتظرها منذ أشهر تبدأ بمكافحة الفساد التي تستوجب جرأة كشف مكامنه لاستئصاله من الحياة العامة. إن التدقيق الجنائي المنتظر هو أساسي لجميع مؤسسات الدولة كي تعود الثقة وتستقيم العلاقة ما بين المواطنين والدولة ويتوقف الهدر فيها وتصلح الحوكمة فيها. إن أي تجاهل أو إجهاض للتدقيق المالي الجنائي يشكل مسؤولية مباشرة على من يريد الابتعاد عنه وهو استمرار في تغطية الفاسدين، إذ يصبح في هذه الحالة شريك لهم”.
وتابع: “ما شهدناه من اعتداءات طالت الأطباء والصحافيين والإعلاميين والقضاة والمحامين وعددا من المواطنين، يظهر صورة تفلت أمني غير مسبوق. وبالفعل، وقع ما وقع من سلسلة اعتداءات على المحامين في الأسابيع والأشهر الماضية، على الأحباء الأساتذة ماجد بويز وباسم حمد وربيع رمضان وسهى الأسعد وواصف الحركة وغيرهم من المحامين. اعتداءات بأوجه وأساليب مختلفة، لكنها تبقى جميعها استهدافا لكل المحامين، إستهدافا لنقابة المحامين، استهدافا للعدالة، استهدافا لمفاهيم دولة القانون. فأقول لهؤلاء الأعزاء إن وجعكم هو وجعنا الذي يجري في عروقنا، ونقابتكم تسهر على أن يعود الحق الى نصابه”.
وأردف: “إن أوقح هذه الإعتداءات كان آخرها، ما حصل مساء الجمعة في 3 تموز 2020، مع الزميل المحامي واصف الحركة. ما تبدى من التحقيقات حتى هذه اللحظة، أن ثمة من اتخذ القرار بكم صوت يصدح بالحق. مجموعة من ستة أشخاص، مولجة بحماية وزير داخل الحكومة، تعمل في الوقت نفسه في وزارتين، نفذت هذا المخطط الجهنمي. خططت للعملية، حضرت العتاد من أسلحة ورشاشات ومسدسات وجعب وأقنعة وغيرها من مستلزمات الجريمة، ترصدت تنقلات واصف لأكثر من أسبوع، بمتابعة حثيثة لحركته اليومية، حتى استحكمت به. فخرجت هذه المجموعة من داخل وزارة السياحة بآليات تابعة للوزارة، باتجاه موقعه، انتظرت خروجه من إذاعة صوت لبنان، وانقضت عليه. العناية الإلهية جعلتهم لا يكملون بمخططهم. وقد علمنا من التحقيقات، أيضا، أن بعض من في هذه المجموعة قد نفذ إعتداءات أخرى، في وقت سابق، على ناس عزل”.
وقال خلف: “إننا ننوه بعمل القوى الأمنية الدؤوب والمشكور في رصد وتوقيف خمسة من هذه المجموعة، هؤلاء صوبوا السلاح باتجاه القوى الأمنية لحظة توقيفهم، بمشهد مروع، يوازي المشهد الأول. وقد علمنا أن هناك شخصا سادسا، ممن نفذوا العملية، متوار وفار من وجه العدالة. مجموعة الأشرار هذه، هي جزء من عصابة كبيرة ارتكبت الجريمة. وربما أسئلة كثيرة تراودكم: من اتخذ القرار بالعملية؟ من أمر هؤلاء الشبان؟ من هو الفاعل الذهني؟ من هو المحرض؟ من هو الشريك؟ من هو المتدخل؟ من هو المخبىء؟ كلنا ثقة بأن القضاء سيعطي هذه الأجوبة وسيتابع القضية لتبيان هويات هؤلاء، اليوم قبل الغد”.
أضاف: “في كل حال، تقدمت نقابة المحامين في بيروت بشكوى جزائية واتخذت فيها صفة الإدعاء الشخصي ضد كل من ارتكب هذه الجرائم، والنقابة ستسير بهذه الدعوى حتى النهاية، ولن نقبل بأن تتم لفلفة القضية، ويخطىء من يظن أننا سنراعي مصلحة أو سنساير موقعا أو نخشى نفوذا”.
وتابع: “سيد الوزير الدكتور رمزي مشرفية، بكل بساطة وصراحة، عرفت عنك الكثير من سني المزايا. أنت شخص محترم، طبيب ماهر، محب للناس، عملت في مهنتك لعشرات السنوات بكد وجهد وآدمية، تضمد الجراح، وتساند الفقراء من مرضاك بصمت وتقى. لكن مجموعة الأشرار هذه، مولجة مباشرة بحمايتك، وتعمل في الوزارتين، وقد شهدناك تستنكر، تستهجن، تتبرأ، ممتاز، دعني أصارحك: إن هؤلاء الجناة قد ورطوك بصورة واضحة بصرف النظر عن معرفتك أو عدم معرفتك بأمر جريمتهم، يكفي أن يكون هؤلاء الجناة من فريق حمايتك، والحماية تحمي، تدافع، لا تعتدي ولا تحاول القتل. وأكثر، ورطوك كوزير للسياحة حين استعملوا سيارة للوزارة -وأنت الوزير الحالي- لإتمام هذه العملية التي تم الإعداد لها على مدى أسبوع بجهوزية سلاح كامل. مع السؤال لمن يعود هذا السلاح؟ للوزارة؟ لك؟”.
وقال: “مجموعة منظمة مسلحة تستبيح الدولة، تستغل موقع وزير فيها، تستعمل آليات الدولة، تتنقل فيها بأسلحة وعتاد، وتقوم من دون ورع ولا خوف بمحاولة قتل، بعملية ترهيب وتهديد لكم الإفواه. إن هكذا عمل ليس بعمل فردي ولا يجدي نفعا تصويره على أنه كذلك. أنت وزير سياحة، أنت وزير شؤون أجتماعية، وقد علم العالم كله أن الحرس الخاص لوزير يتولى عمليات تصفية لمن يخالفهم الرأي. المسؤول مسؤول، أيا كانت الإعتبارات، وإزاء هذا الحدث الجلل الذي حصل، وحفاظا على الصورة النقية البهية لشخصك المميز وعلى مسيرتك المليئة بالحسنات، أتوقع منك الموقف الجريء، وأدعوك للاستقالة فورا من الحكومة”.
أضاف: “من جهة أخرى، مجلس نقابة المحامين في بيانه الصادر في 4/7/2020 سأل: “أهكذا تواجه الكلمة الحرة بالعنف؟ أهكذا يواجه الإختلاف في الرأي بالتعدي الصارخ على الأشخاص؟ أين أصبحنا من الحريات العامة؟ أمطلوب كم الأفواه؟ والمحزن أننا لم نتلق أي جواب حتى اليوم، ممن يعنيهم الأمر، أولهم من رئيس الحكومة المنتمي إليها الوزير. سيد رئيس الحكومة، صمتك مريب، المطلوب منكم “الموقف”، ونحن بالإنتظار”.
وتابع: “مؤشرات كثيرة تنذر بأن الدولة اللبنانية تواجه خطر السقوط، وأن الحريات العامة في خطر كياني، كما العيش معا في خطر كياني. لن نبدأ بالندب والبكاء، فلنواجه الحقيقة كما هي، لقد انزلقنا إلى ما يقارب ويشابه الدولة البوليسية، ونقولها بالصوت العالي، نحن لن نسكت عن القمع والترهيب، ولن نقبل باستباحة الكرامات، ولن نسمح بإسكات صوت الحق. وقد أثبت التاريخ أن الناس لا يخافون، ولن يخافوا. فيا سلطة قضائية مارسي دورك كاملا ولا ترتضي بالانتقاص من صلاحياتك وهيبتك ووقارك. أنت التي تأمرين الضابطة العدلية ولا تؤمرين منها ولا من أحد. فعليك، التصدي لكل التجاوزات الجسيمة القضائية – الأمنية – السياسية التي تحصل بشكل يومي والتي تسقط ما تبقى من أسس الدولة التي نحميها ونحمي مؤسساتها”.
وأردف: “ليعلم، من عليه أن يعلم، أن هذه الدار – دار نقابة المحامين في بيروت، ستبقى راعية للمحامين، لكل المحامين على اختلاف انتماءاتهم. وليعلم، من عليه أن يعلم، أن نقابة المحامين في بيروت ستبقى حامية للحريات العامة. وليعلم، من عليه أن يعلم، أن نقابة المحامين في بيروت ستبقى ملجأ لكل من يتعرض، داخل هذا الوطن، للقمع والتهديد والترهيب والإعتقال التعسفي. وليعلم، من عليه أن يعلم، أن الدولة البوليسية، بقدر ما هي تترصد الناس، فإنه بالقدر نفسه سنترصدها، وسنمنع قيامها، مهما كلف الأمر من تضحيات، ولن نترك مؤسسات الدولة تسقط لا في التفلت الأمني ولا في تخطي القانون. وليعلم، من عليه أن يعلم، ونكرر من جديد، أن نقابة المحامين هي رافعة وطن لا رافعة سلطة، وغايتها دولة القانون، التي سنسعى لقيامها بكل الجهود الممكنة، مهما طال الزمن”.