كتبت صحيفة ” الأخبار ” تقول : الدولار ينخفض خلال ثلاثة أيام نحو ألفي ليرة. وهو مرشح لمزيد من الانخفاض. السعر الحالي أقرب إلى السعر الواقعي، لكنه يطرح السؤال عن الجهة القادرة على رفعه في أيام إلى مستويات مخيفة، والقادرة أيضاً على تخفيضه ساعة تشاء. صحيح أن عوامل قليلة تسهم في تخفيف الطلب على الدولار، إلا أنه يبقى للسياسة وصراعاتها الدور الأبرز في العبث بمصير المقيمين في لبنان. وهذه السياسة اختارت الابتعاد عن طريق صندوق النقد، لصالح تحميل الخسائر لكل الناس، فيما يجري حالياً السعي إلى تأمين الحد الأدنى من مقوّمات الصمود عن طريق بعض الدول العربية، ولا سيما العراق والكويت وقطر
الدولار انخفض إلى ما دون الستة آلاف ليرة. هذا ما تشير إليه التطبيقات الإلكترونية، التي تحوّلت إلى متحكم في السوق. لكن مع ذلك، فإن هذا السعر يبقى غير قابل للتداول إلا لشراء الدولارات من قبل الصرافين. أما العكس، أي بيعهم للدولار بهذا السعر فيبقى متعذراً، ومحدوداً (اشترى عدد من الأفراد مبالغ ضئيلة من الدولارات – أي أقل من ألف دولار – بـ5800 ليرة للدولار الواحد). الأهم أن الانخفاض يبدو مستمراً، وسط الحديث عن قرار بإعادته إلى سعر يقارب أربعة آلاف. هذا خبر كفيل بدعوة الناس، أو من يخزّن منهم الدولارات، إلى البيع تجنباً للمزيد من الخسائر. لكن في المقابل، فإن غياب الثقة يجعل حركة البيع محدودة، انطلاقاً من أن التخفيض سياسي وغير مبني على وقائع سوقية حقيقية، إضافة إلى لجوء صرافين أمس إلى إعادة رفع السعر إلى ما فوق الـ7500 ليرة.
لكن، هل حقاً ثمة من يملك قرار تخفيض السعر؟ لرياض سلامة دور رئيسي في التحكم بسعر العملة. كلما ضخ المزيد من الدولارات، انخفض السعر. لكن على ما يظهر فإن المصرف المركزي لم يتدخل بالشكل المطلوب، فكانت النتيجة وصول سعر الدولار إلى مستويات مقلقة.
كثر يثقون بأن للسياسة وصراعاتها دوراً في تخطي الدولار لأي سعر منطقي. لكن مع ذلك، فقد يكون هنالك بعض العوامل التي ساهمت في تخفيض السعر، وأبرزها افتتاح المطار، مع توقعات بدخول 5 ملايين دولار يومياً عبر المغتربين، ثم توسيع السلة الغذائية المدعومة على سعر 3850 ليرة. وهو ما أدى عملياً إلى زيادة المعروض من العملة الأميركية مقابل تخفيف ضغط التجار على طلب العملة من السوق السوداء.
كذلك، يؤكد مصدر متابع أن عودة الحرارة إلى العلاقة بين النائب جبران باسيل وحاكم مصرف لبنان، بمسعى من الرئيس نبيه بري، يمكن أن تكون قد ساهمت في تخفيف الضغط على الدولار. وإذ تشير المصادر إلى أن باسيل طلب من سلامة التدخّل لتخفيض سعر الصرف، إلا أنها تلفت أيضاً إلى أن التواصل بين الطرفين لم يخلص إلى الاتفاق على سلة إجراءات جوهرية لوضع الأزمة الراهنة على سكة المعالجة.
إلى ذلك، مع كل يوم يمر، يتضح كم صار احتمال الاتفاق مع صندوق النقد بعيداً. بالشكل لم يبق في الفريق المفاوض إلا قلة متمسكة بالخطة الحكومية، بعدما مال الجميع باتجاه الاتفاق السياسي الذي عبّرت عنه اجتماعات لجنة تقصي الحقائق، وعنوانه تحييد المصارف عن دفع ثمن مقامرتها بأموال المودعين. أما في المضمون، فيؤكد مطلعون على المفاوضات أن المراوحة صارت سيدة الموقف، بعد أن ساهم الخلاف المفتعل على الأرقام في فرملة أي تقدّم. وفيما تردّد المصادر أن المفاوضات دخلت في موت سريري، فإنها تشير إلى أن “حزب المصرف” نجح في تنفيس الخطة الحكومية، بعدما لم يتحقق منها شيء حتى اليوم.
فلا أنجزت عملية تحويل 15 في المئة من الودائع التي تزيد على 5 ملايين دولار إلى أسهم (تمليك أصحاب هذه الودائع أسهماً في المصارف)، ولا استرد، أو حتى بدأت إجراءات استرداد، فائض الفوائد التي دُفعت في الهندسات المالية (تُقدّرها الحكومة بنحو 20 مليار دولار)، ولا استعيدت الأموال التي أخرجت من لبنان، بشكل استنسابي، ما بعد إغلاق المصارف في تشرين الأول الماضي. ما يجري حالياً هو العكس: السعي إلى تحميل الناس الكلفة الكاملة، وهي عملية بدأت بالفعل، إذ يمارس حاكم مصرف لبنان، يومياً، عملية نقل الخسائر من القطاع المصرفي إلى جيوب الناس، من خلال التضخم الذي يسببه ضخ كميات كبيرة من العملة المحلية في السوق، ومن خلال حجز أموال المودعين، وإجراء “هيركات” إلزامي على الودائع، التي تُدفع بالليرة حصراً وبأقل من سعرها بكثير. لكن مع ذلك، فإن رئيس الحكومة حسان دياب كان قد طمأن، بعد لقائه المفتي عبد اللطيف دريان، إلى أن “صفحة المناقشات التي حصلت خلال الأسابيع الست الماضية قد طويت، ومن هذا المنطلق بدأنا نتحدث عن الإصلاحات الأساسية المطلوبة والبرنامج الذي يجب أن يتم التوافق عليه بين صندوق النقد ولبنان”.
تفاؤل دياب يتناقض مع ما يتردد من مصادر متابعة للاجتماعات من أن الضغط السياسي سيؤدي إلى استنزاف للبلد وتمديد للمفاوضات، إلى حين إعلان فشلها، ومن ثم إنقاذ المساهمين في المصارف من خلال بيع الدولة ومرافقها وأراضيها.
إلى ذلك الوقت، فإن محاولات خجولة لا تزال تجري لتخفيف الانهيار وتأمين حد أدنى من مقومات الصمود، ولا سيما منها الفيول الخاص بالكهرباء. وبعدما كان له مسعى مع العراق، توجه المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم إلى الكويت، مبعوثاً من الرئيس ميشال عون. وقبل أن يلتقي أمير الكويت صباح الاحمد الجابر الصباح، أشار ابراهيم، في حديث صحافي، إلى أن الزيارة “تأتي في إطار استكمال جولة عربية من العراق الى قطر وبلدان أخرى بهدف البحث عن حلول للأزمة القائمة”. وقال إنه سيستمع إلى طروحات المسؤولين الكويتيين بشأن مساعدة لبنان، “كما سيتشاور معهم في اقتراحات ينقلها من الجانب اللبناني للمساعدة في تخطي الأزمة الحالية”.
في هذا الوقت، كان البطريرك الماروني بشارة يستكمل ما بدأه من سعي لتحميل جزء من اللبنانيين مسؤولية الأزمة الحالية، والدفاع عن منظومة المصارف عبر تحويل السهام إلى غير هدفها “الطبيعي”. وقال أمس إن اللبنانيين “لا يريدون أن يتفرَّد أيُّ طرفٍ بتقرير مصير لبنان، بشعبه وأرضه وحدوده وهويَّته وصيغته ونظامه واقتصاده وثقافته وحضارته، بعد أن تجذَّرت في المئة سنة الأولى من عمره! ويَرفُضون أن تعبث أيَّةُ أكثريَّةٍ شعبيَّةٍ أو نيابيَّة بالدستور والميثاق والقانون، وبنموذج لبنان الحضاريّ، وأن تعزله عن أشقَّائه وأصدقائه مِن الدُّوَل والشُّعُوب، وأن تنقلَه من وفرة إلى عوز، ومِن ازدهارٍ الى تراجُعٍ، ومِن رُقيٍّ إلى تخلُّف”.