«حطّت» المواجهةُ الأميركيةُ – الإيرانيةُ أمس، فوق «جمر» الانهيار المالي في لبنان الذي تتشابك «خيوطُ نجاتِه» من الاحتضار الاقتصادي – المعيشي، والمربوطة بالمجتمعين العربي والدولي وشرعيّتهما، مع خطوط الاشتباك بين واشنطن وطهران ومحاولة «حزب الله» دفْع بيروت بعيداً في لعبة «التدحرج في الهاوية» والرقص على حبال «الشرق والغرب» في سياق استيلادٍ متدرِّجٍ لـ«اقتصادٍ مُقاوِمٍ» يتكيّف مع موجبات الصراع الكبير، المرير والمديد، أو يرفد «المحور» بما يكفي من جرعات دعْم تحت سقف «وحدة الجبهات» ريثما تدق ساعة «الأبيض أو الأسود» في تسوية… ولو بعد حين.
وتحوّل مطار رفيق الحريري الدولي وطريقه أمس، مسرحاً لمشهديةٍ مثيرة للدهشة اختزلتْ «الحَشْرة» التي باتت السلطةُ السياسية في لبنان أسيرتَها في ضوء إمعان «حزب الله» في رفْع «منسوب» التحرّش بالولايات المتحدة في بيروت، وفي الوقت نفسه «المَسارب» التي تبقى مفتوحة، وإن كانت «منزوعة الدسَم» السياسي بين طرفيْ لعبة «عضّ الأصابع» في المنطقة والتي اتخذت منحاها الأكثر تشدداً مع قانون «قيصر» وربْط الإمساك بيد لبنان للخروج من الحفرة المالية بإفلات «حزب الله» قبضته عن القرار اللبناني من ضمن مسار تفكيك دومينو نفوذ إيران و«تفتيته» في الاقليم.
وفيما كان هبوط الطائرة التي أقلّت «الذراع التمويلية» البارزة لـ«حزب الله» قاسم تاج الدين من الولايات المتحدة بعدما وافق القضاء الأميركي على تخليته لدواعٍ صحية (كان يفترض أن يبقى في السجن حتى 2023) يستقطب الأضواء لجهة مدى ارتباطه بـ«ديبلوماسية تَبادُل إطلاق السجناء» بين واشنطن وطهران والتي شكّل لبنان قبل فترة إحدى محطاتها، فإن زيارة الجنرال كينيث ماكنزي، قائد المنطقة المركزية الوسطى لبيروت (تزامن وصوله تقريباً مع عودة تاج الدين) خطفتْ الأنظارَ من أكثر من زواية وضعتْ لبنان الرسمي أمام اختباراتٍ مُرْبِكة.
وشكّل التحرك الاعتراضي الذي نفّذه مناصرون لـ«حزب الله» على طريق المطار احتجاجاً على زيارة ماكنزي والتسريبات عن احتفاليةٍ ستقام في النقطة التي حصل فيها تفجير مقر قيادة قوات مشاة البحرية الأميركية «المارينز» في أكتوبر 1983 (أدى لمصرع 241 من مشاة البحرية) «أوّل غيث» الإرباكات لبيروت وسط تسجيل احتكاكات بين الجيش اللبناني والمحتجّين الذين رفعوا شعارات مؤيدة لـ«حزب الله» ومندّدة بواشنطن و«سياساتها العدوانية» وأصرّوا على الحؤول دون مرور موكب الجنرال الذي كان «طار» على متن طوافة إلى القصر الجمهوري.
وإذ أوحى البعض أن صورة طريق المطار هي في سياق «دغدغة عواطف الجمهور» و«نقْل العدسة» عن استعادة تاج الدين من الولايات المتحدة، فإن أوساطاً سياسية رأت أن تخلية الأخير تطورٌ يبقى «ما دون السياسي» في المواجهة بين واشنطن وطهران ومستوياتها، بدليل تأكيد الخارجية الأميركية أن تاج الدين سيبقى على لائحة العقوبات وأنها تعارض إطلاقه «لكنها تحترم قرار المحكمة».
ولاحظت هذه الأوساط أن المناخ التصعيدي ميدانياً ضد زيارة ماكنزي تَرَك سريعاً تداعياتٍ لم يكن ممكناً إخفاؤها ولا سيما بعدما أعلن إعلام «حزب الله» أن الاحتفالية قرب المطار كانت قائمة وتأكيد قناة «الميادين» أنها ألغيت «بعد التحرك الشعبي الرافض للتدخل الأميركي في لبنان»، فيما كانت قناة «ال بي سي آي» تنقل عن مصادر أمنية وعسكرية «أن لا احتفالية ستقام في موقع التفجير، بل فقط سيعمد ماكنزي الى إجراء وقفة تأملية رمزية في المكان بما أنه يعدّ من قوات المشاة البحرية».
واستوقف الأوساط الخطوة غير المألوفة التي قامت بها السفارة الأميركية حيث عمدت وحتى قبل أن يصدر البيان الرسمي عن اللقاء مع الرئيس ميشال عون، الذي افتتح به ماكنزي اجتماعاته في بيروت، إلى توزيع البيان عن حصيلة يوم اللقاءات وفيه «أن قائد المنطقة المركزية الوسطى أجرى في الثامن من يوليو، زيارة ليوم واحد للبنان اجتمع اخلالها بالرئيس اللبناني في قصر بعبدا، حيث أكد مجدداً أهمية الحفاظ على أمن واستقرار لبنان وسيادته، وشدد على الشراكة القوية بين واشنطن والجيش اللبناني»، موضحاً «ان هذه الزيارة شملت أيضاً لقاءات مع القادة السياسيين والعسكريين اللبنانيين الكبار، بمن فيهم ممثلون عن وزارة الدفاع والجيش اللبناني، بالإضافة إلى لقاءات في السفارة الأميركية ومحطة قصيرة عند نصب تذكارية تكرّم ذكرى أولئك الذين لقوا حتفهم في خدمة بلدهم».
ورأت الأوساط نفسها أن هذا البيان بدا محمَّلاً بالرسائل للبنان الرسمي حيال مسؤوليته، كما الجيش، عن حمايةِ مسار زيارة ماكنزي وجدول أعمالها كاملاً، لافتة إلى أن خطوط التواصل لا بد أن تكون فُتحت بين المعنيين في بيروت لسحْب فتيل أي مفاجآت غير محسوبة، وذلك ربْطاً بإشارتيْن كانتا صدرتا سابقاً وعكستا حرص فريق عون على عدم الذهاب بعيداً في خيار «حزب الله» بمواجهة الأميركيين، وذلك ربْطاً بحسابات تتصل بالاستحقاق الرئاسي المقبل كما بعدم الرغبة في الإساءة لمصالح بيئة «التيار الوطني الحر» في الولايات المتحدة، وأوّلهما تسليم المتعامل مع اسرائيل عامر الفاخوري، وثانيهما دفْع القاضي محمد مازح الذي أصدر قراراً بمنْع الإعلام من إجراء أي مقابلة مع السفيرة الأميركية دوروثي شيا إلى الاستقالة بعد طلب وزيرة العدل ماري – كلود نجم إحالته على التفتيش القضائي.
وجاء مجمل هذا الصخب الذي رافق زيارة ماكنزي وهي الأولى له لبيروت بعد انفجار المواجهة الأميركية – الايرانية على جبهة «قيصر» وإطلاق «حزب الله» معركة «إلى الشرق دُر»، على وهج المواقف العالية النبرة التي أعلنها السيد حسن نصرالله ليل الثلاثاء والتي هاجم فيها بعنف شيا، معتبراً انها تتصرف وكأنها «سفيرة دولة مستعمرة للبنان وحاكم عسكري أو مندوب سامٍ وتحرّض اللبنانيين على بعضهم وتدفعهم نحو الحرب الأهلية»، داعياً إياها ان تلتزم حدها.
ودافع عن خيار «الشرق وهو ليس من باب إدارة ظهر للغرب» داعياً اللبنانيين الى «مواجهة الجوع بكرامة»، ومعلناً «الجهاد الصناعي والزراعي» للتأسيس لكيفية الخروج من الأزمة.
وكان رئيس «التيار الحر» النائب جبران باسيل قدّم نصف ملاقاة لموقف «حزب الله» متحدثاً عن «حصار مالي» يتعرّض له لبنان تفرضه القوى الدولية، وان أولوياته درء الفتنة وإبعاد البلد عن الفوضى الناجمة عن الانهيار الاقتصادي، معتبراً أنه «عندما تكون هناك إرادة لمساعدة لبنان، غداً تُفتح الأبواب. وعندما تكون هناك قوى كبرى تصدّ الأبواب لن يكون للبنان القدرة وحده أن يفتحها ولن يكون أمامه سوى الصمود والإصلاح»، ومحذراً من «لعبة دولية» لإحداث الفوضى وإضعاف البلاد «أو فريق بلبنان مثل حزب الله».
وفي واشنطن (وكالات)، أكد وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، أمس، ان واشنطن «تدعم لبنان لأن يكون بلداً غير تابع لإيران».
وقال: «لن نسمح لإيران ببيع النفط لحزب الله وسنبذل كل ما بوسعنا لتطبيق العقوبات على المجموعات الإرهابية».
الراي – ليندا عازار – وسام أبو حرفوش