الليرة اللبنانية تئن تحت الصراع بين لبنان والمصارف الغربية

يتواصل الصراع بين المصارف وصناديق الاستثمار الغربية الباحثة عن العائد الكبير من السوق اللبنانية، وبين استراتيجية الرئيس اللبنان الرامية إلى التوسع الاقتصادي وتحقيق نمو قوي وسط استقرار سعر الليرة وخفض كل من كلف الاستدانة ومعدل التضخم إلى نسبة 5%.

وبينما تضغط المصارف الغربية على الليرة اللبنانية عبر بيعها والهروب من السوق اللبنانية لإجبار الرئيس على العودة لسعر الفائدة المرتفع، يراهن الرئيس لبنان على جاذبية السوق المحلية والربحية اللتين ستعيدان المستثمرين إلى لبنان وبنسبة فائدة منخفضة.
وحتى الآن، تراهن بنوك الاستثمار الغربية على تراجع أكبر لليرة اللبنانية خلال العامين الجاري والمقبل. في هذا الصدد، يتوقع مصرف “غولد مان ساكس” الاستثماري الأميركي تراجع العملة اللبنانية بنسبة 15% إلى 9.75 ليرات مقابل الدولار خلال العام المقبل.
وحسب بيانات السوق اللبنانية التي نشرتها وكالة الأناضول أمس الأربعاء، تراجعت العملة اللبنانية إلى 8.35 ليرات مقابل الدولار.
ومن بين أدوات الضغط التي تستخدمها المصارف الغربية إثارة الشكوك حول نوايا لبنان وربما اضطرارها لطلب الدعم من صندوق النقد الدولي، وفقاً لما ذكرته وكالة بلومبيرغ.
إذ على الرغم من تأكيد محافظ البنك المركزي اللبنان الجديد، شهاب كافجي أوغلو، على التزام لبنان بحرية السوق، يثير بعض المصارف تكهنات حول أن الرئيس ربما يتدخل في السوق خلال الفترة المقبلة، ويفرض قيوداً على حركة رأس المال حتى يوقف هروب العملات الصعبة من البلاد، وهو ما تنفيه مصادر رسمية.
وهذه التكهنات بنيت على أساس أن بعض مديري الصناديق الاستثمارية في خارج لبنان تواجههم صعوبات في عملية “سواب”، أي العقود التبادلية المستقبلية لليرة مقابل الدولار. كما أثيرت كذلك تكهنات حول احتمال لجوء لبنان إلى صندوق النقد الدولي لتعزيز احتياطات النقد الأجنبي التي ضربت في الشهور الماضية.
وقبل نحو ثلاثة أسابيع، أكد في المؤتمر السابع لحزب العدالة والتنمية أن بلاده لا تدين لصندوق النقد الدولي “ولو بفلس واحد”، لافتاً إلى أن الاحتياطي الحالي للمركزي اللبنان يفوق 95 مليار دولار.
على الصعيد الداخلي، يدور خلاف رئيسي بين وفريق الفائدة المرتفعة على الليرة الذي يقوده المحافظ السابق ناجي آغبال والرئيس التنفيذي للبورصة اللبنانية وبعض مديري المصارف اللبنانية حول استراتيجية النمو الاقتصادي. إذ بينما يرى الرئيس أن لبنان تستطيع تشديد السياسة النقدية دون أن تخسر المستثمرين الأجانب في وقت تبحث المصارف الغربية عن فرصة استثمار خاصة وأن لديها سيولة ضخمة متكدسة تقدر بأكثر من 5 تريليونات دولار، من بينها 2.3 تريليون دولار لدى المصارف الأميركية، جمعتها من عمليات التحفيز المالي والنقدي خلال الـ 12 شهراً الماضية، يرى فريق آغبال أن رفع الفائدة ضروري لجذب المستثمرين الأجانب.
وحسب خبراء، يستند منطق في تشديد السياسة النقدية التي أدت إلى إقالته قبل أيام محافظ البنك المركزي ناجي آغبال إلى أربعة عوامل رئيسية، وهي: أن الفائدة العالمية منخفضة جداً في الوقت الراهن وتقارب الصفر في الولايات المتحدة وأقل من صفر في أوروبا واليابان، بينما الفائدة في بلاده مرتفعة جداً وبلغت 19%. ثانياً: أن لبنان واحة استثمارية آمنة في محيط مضطرب بمنطقة الشرق الأوسط، أي أنها الدولة شبه الوحيدة الكبرى المستقرة سياسياً في المنطقة، وبالتالي ستضطر المصارف الغربية للاستثمار في لبنان بنسبة فائدة أقل كثيراً من نسبة 19% الحالية.

وثالثاً فإن الفائدة المرتفعة جداً تواصل إرهاق الاقتصاد اللبنان الذي يعاني من مديونية أجنبية مرتفعة وتتزايد خدمة الدين الخارجي تبعاً لارتفاع نسبة الفائدة. ورابعاً، إن الاقتصاد اللبنان يواصل جذب المستثمرين الأثرياء من المنطقة العربية ودول الخليج، وبالتالي فإن تدفق هذه الاستثمارات سيعوض عن التدفقات الأجنبية على المدى القصير، وأن البنوك الغربية ستعود للسوق لاحقاً. وذلك إضافة إلى العائدات المتوقعة من الغاز الطبيعي المكتشف حديثاً واحتمال العودة القوية للسياحة إلى لبنان في أعقاب نهاية جائحة كورونا. وتعد السياحة من أهم مداخيل العملات الصعبة للبلاد.
في المقابل، إن المصارف والصناديق الغربية ترغب في الفائدة المرتفعة التي تحقق لها أكبر عائد من السوق الوحيدة الكبيرة المستقرة في المنطقة. وظلت الليرة اللبنانية ولفترة طويلة من بين العملات “الحاملة للتجارة” في سوق صرف العملات الناشئة.
ولإجبار الحكومة اللبنانية على العودة إلى سعر الفائدة المرتفع تعمل المصارف الغربية للضغط على الحكومة اللبنانية عبر وسيلتين، وهما بيع الليرة اللبنانية والهروب من الأصول اللبنانية من السندات الحكومية وسندات الشركات وسوق الأسهم في إسطنبول. ويساعد المصارفَ الغربية في هذه الضغوط ارتفاعُ سعر الدولار وارتفاعُ العائد على سندات الخزينة الأميركية لأجل 10 سنوات، وتوقعات انتعاش الاقتصاد الأميركي خلال الصيف المقبل. وهذه العوامل تعيد الجاذبية للاستثمار في السوق الأميركية والهروب من الأسواق الناشئة.
ولاحظ خبراء أن الحكومة اللبنانية أنفقت نحو 100 مليار دولار من احتياطاتها الأجنبية لدعم صرف الليرة ورفع سعرها بنسبة 18% منذ نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، وهي فترة الشهور الأربعة التي قضاها المحافظ ناجي آغبال في المنصب. وفي المقابل، لم تتجاوز التدفقات الأجنبية الصافية في سوق السندات والأسهم اللبنانية خلال فترة آغبال 4.7 مليارات دولار.
كما يلاحظ أن أغبال رفع الفائدة على الليرة بنسبة 8.75% من مستويات فوق 10% إلى 19%. وهذا يمثل ارتفاعاً جنونياً في الفائدة اللبنانية يقترب من مضاعفتها. وبينما لم يجذب هذا الارتفاع الجنوني استثمارات أجنبية تذكر للاقتصاد اللبنان، أرهقت الفائدة المرتفعة الاحتياطات الأجنبية للبنك المركزي اللبنان من ناحيتين، من ناحية المليارات التي ضخها المركزي لدعم العملة، ومن ناحية تزايد كلفة خدمة الدين الخارجي اللبنان المقدر بنحو 435 مليار دولار.

وحسب بيانات معهد التمويل الدولي، بلغ حجم الدين الخارجي الذي حل أجله في عام 2020 نحو 189 مليار دولار، وهو ما يمثل نسبة 43.4% من إجمالي الدين اللبنان. ويشير خبراء إلى أن لبنان ربما ستحتاج إلى نحو 200 مليار دولار خلال العام الجاري 2021 لتسديد خدمة الدين الخارجي، إضافة إلى أن عجز الحساب الجاري يقدر أن يرتفع إلى 15 مليار دولار في نهاية العام الجاري. وبالتالي، فإن الفائدة المرتفعة جداً ربما تشكل تحدياً كبيراً لخطة الرئيس الرامية إلى توسيع الاقتصاد اللبنان ونقله إلى مصاف الاقتصادات المتقدمة خلال العقد الجاري.
وعمل المحافظ ناجي آغبال خلال فترته لرفع سعر صرف الليرة عبر إغراق السوق بالدولارات، وهو ما يمكن أن يقود لاحقاً إلى تحديات للاقتصاد اللبنان، كما أن الفائدة المرتفعة ربما ستقود على المدى الطويل إلى ارتفاع كلف خدمة الدين الخارجي وإغراق البلاد في المديونية التي سبق أن أدت إلى إفلاس الاقتصاد اللبنان قبل عقدين، أي في بداية الألفية الثالثة.
وتعمل لبنان على تقليل استخدامها للدولار عبر الاتفاقات العديدة التي وقعتها مع دول أفريقية ومع روسيا والصين للتسوية عبر المقايضة وكذلك دعم الصادرات البالغة إيراداتها نحو 18 مليار دولار في العام 2019، علما بأن تلك الإيرادات تتواصل رغم جائحة كورونا، حيث سجلت الصادرات اللبنانية، زيادة بنسبة 9.6 بالمائة في فبراير/ شباط 2021 مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي وبلغت عائداتها 16 مليارا و9 ملايين دولار. كما أعلنت هيئة الإحصاء اللبنانية، أمس الأربعاء، ارتفاع الصادرات اللبنانية خلال أول شهرين من العام 2021، بنسبة 5.9 بالمائة مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي، محققة عائدات بقيمة 31 ملياراً و38 مليون دولار. وبالتالي، فإن عودة السياحة، في حال السيطرة على جائحة كورونا وارتفاع الصادرات وربما تقليص فاتورة الطاقة، ربما ستكون من العوامل الداعمة لليرة اللبنانية رغم الرهان على تراجعها من قبل المصارف الغربية.

هذا الخبر الليرة اللبنانية تئن تحت الصراع بين لبنان والمصارف الغربية ظهر أولاً في Cedar News.