الكنيسة ماضية في معركة «حياد لبنان» و… لن تتراجع

مع اتجاه البلاد إلى «آب (أغسطس) اللهّاب» الذي يزْخر بمحطاتٍ تشي بزيادة السخونة السياسية داخلياً ورفْع منسوب الاستقطاب الدولي حول الواقع اللبناني، تزداد المؤشرات إلى أن «إعلانَ حياد لبنان» الذي أطلق البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي مسارَه قبل أسبوعين، هو أكثر من مجرّد «صرخة في وادٍ» ليكون أقرب إلى «معركةٍ» تقودها بكركي وتُلاقي فيها معطييْن متداخليْن:
* الأول الوقائع الداخلية التي جعلت البلاد قبل أقلّ من شهرين من مئوية «لبنان الكبير» وكأنها «تحفر» قبْر الصيغة والدور مع سقوطها المريع في حفرة الانهيار.
* والثاني المناخ الخارجي الذي أنهى بوضوحٍ «فترةَ السماح» لبيروت حيال العجز الفاضح عن إرساء إصلاحاتٍ بنيوية بفعل تلكؤ الطبقة السياسية عن السير بما يمكن أن يفكك تركيبةَ تقاسُم كعكة السلطة والحصص والمَنافع وأن يُفْقِد «حزب الله» مفاتيح ربْطه جغرافياً بقوس النفوذ الإيراني وتغذية ترسانته العسكرية واقتصاده المُوازي، وذلك من ضمن ما يشبه المقايضة بين لاعبي الداخل أو بفعل واقعيةٍ أفْرغت اللعبةَ السياسيةَ من أي مَضامين تُبْقي لأطراف محلية وازنة أدواراً خارج سبحة التسويات والتنازلات المُكْلِفة.
واستوقف أوساطاً سياسية حِرْص الراعي، على وقع بروز حاضنة وطنية لطرْحه حول الحياد وتحرير الشرعية ومطالبة المجتمع الدولي بتطبيق القرارات ذات الصلة بلبنان وعشية تظهير وجودِ حاضنةٍ شعبية له ستعبّر عن نفسها اليوم مع تَقاطُر وفود إلى مقره الصيفي (الديمان)، على توجيه إشاراتٍ لا تحتمل التأويل إلى أنه لن يتراجع عن هذا المسار، بل هو ذهب أبعد في إزالة أي غشاوة عن مقصده وتحديداً لجهة كون «حزب الله» المعني الأول به، وذلك رغم الحملات التخوينية غير المسبوقة تجاه رأس الكنيسة وصولاً إلى اعتبار المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان «أن الحياد في هذه المعركة حرام وخيانة؛ لأن الحياد في معركة خنق البلد هروب واستسلام (…)».
وإذا كان البعض حاوَلَ التخفيفَ من كلام البطريرك (الخميس) حول أن الحزب «يهمش الدولة ويعلن الحرب والسلام أينما شاء» وأن هيمنته على الحكومة والسياسة في البلاد تركتها وحيدة ومحرومة من الدعم الخارجي من خلال القول إن هذه المواقف، عبر «إذاعة الفاتيكان»، نُقلت عن الراعي قبل زيارته للرئيس ميشال عون (الأربعاء) وتبلُّغه أن موضوع الحياد ومستلزماته تبقى رهن توافق وطني، فإن رأس الكنيسة لم يترك مجالاً لأي التباس في ما خص مصير «خريطة الطريق» التي طرحها وذلك من خلال موقفيْن متتاليْن أطلقهما:
* الأول حين أكد مساء الجمعة «كلنا أصبحنا فقراء بلا كرامة شحّاذين وهذا ليس لبنان، وحياده يساعد الجميع وهو من أجل الجميع ولن نتراجع عن المطالبة به».
* والثاني بعد استقباله أمس رئيس الحكومة حسان دياب، إذ أعلن «نحن بلد حيادي بالأساس، ونحن معزولون لأننا دخلنا في أحلاف عسكرية وعقائدية وسياسية ويجب أن نعمل لنردّ لبنان إلى طبيعته الأساسية»، مؤكداً «الميثاق الوطني ينص على الحياد والانفتاح على جميع البلدان إلا إسرائيل وستكون هناك مؤتمرات حوار لأجل تبديد كل التفسيرات».
وكان دياب أطلق بعد الزيارة التي تخللتْها مأدبة غداء موقفاً حمل تشكيكاً ضمنياً بخلفيات طرْح الحياد بإعلانه «موضوع حكومة حزب الله أسطوانة مكسورة، ولكن موضوع الحياد سياسي بامتياز وبحاجة إلى حوار عميق من الجهات السياسية كافة ولهذا لا نتخذ أي موقف من الحياد قبل معرفة أبعاده (…)».
وبرزت أمس تغريدة لافتة للسفير السعودي وليد بخاري قال فيها: «الرئيس بشارة الخوري، سجّل فهمه لمعادلة لبنان المستقلّ في مذكراته بقوله: دفعنا عن أنفسنا تهمة العزلة والانعزال، وتلفتنا إلى العرب الذين تجمعنا وإياهم رابطة اللغة والعادات والأخلاق الشرقية… فأصبح اللبنانيون شخصاً واحداً، لبنانياً قومياً، استقلالياً عربياً».

الراي – وسام أبو حرفوش – ليندا عازار