لاحظ الرئيس فؤاد السنيورة ان “في لبنان استعصاء قديما ومزمنا في لبنان
مارسته حكومات ومجالس نيابية متعاقبة ومارسه أيضا سياسيون لبنانيون، كان ولا يزال يحول دون قيام لبنان بالإصلاحات”.
أجرى التلفزيون المصري حوارا مع الرئيس السنيورة حول الاوضاع من مختلف جوانبها.
سئل: يبدو ان هناك حزمتين عرضتا على لبنان: حزمة صندوق النقد الدولي بقيادة الغرب والحزمة الأخرى من الصين والعراق اللتين تعرضان حل الازمة اللبنانية بطريقة أخرى. كيف ترى هذا الوضع؟ هل هناك جدية من الصين في أن تنقذ لبنان من أجندة صندوق النقد؟
اجاب: “الموضوع ليس كما تقول. إذ ليس هناك من عروض للبنان، لا من صندوق النقد الدولي، ولا من الصين أو العراق. الموضوع الحقيقي هو أن هناك في لبنان استعصاء قديما ومزمنا كان ولا يزال يحول دون قيام لبنان بالإصلاحات التي يحتاج إلى تنفيذها. والمؤسف أن هذا الاستعصاء يزال مستمرا إلى الآن وما زال التمنع والتلكؤ عن القيام بتلك الإصلاحات في مختلف الجوانب السياسية والمالية والاقتصادية والنقدية والقطاعية، وأدى ذلك إلى تدهور تدريجي وخطير في الأوضاع العامة في لبنان، وتحديدا أيضا في تلك المجالات. وأصبح التدهور كبيرا ولا سيما خلال الأعوام العشرة الماضية التي انخفضت فيها نسب النمو الاقتصادي في لبنان بشكل كبير، وارتفع العجز في الموازنة والخزينة وتفاقم حجم الدين العام، تلاشى الفائض في ميزان المدفوعات. وهذه الأمور ازدادت سوءا بعد إجراء التسوية الرئاسية في تشرين الاول من العام 2016، والتي أصبح بموجبها العماد ميشال عون رئيسا للجمهورية.
وقد ازدادت حدة التعقيدات والمشكلات والانهيارات بعد التسلط الكبير الذي أصبح يمارسه “حزب الله” على الدولة اللبنانية، بحيث أصبحت دويلة الحزب تخطف الدولة. بالإضافة إلى تورط الحزب في الصراع الدائر في سوريا وتدخله في الشؤون الداخلية لعدد من الدول العربية، ولا سيما في العراق والكويت واليمن وغيرها لحساب الدولة الإيرانية. هذه العوامل بمجموعها أصحبت تحول دون قيام لبنان بالإصلاحات السياسية والاقتصادية والمالية والنقدية والقطاعية والإدارية التي يحتاج اليها وبإلحاح، مما جعل الأخطار التي يتعرض لها لبنان تتحول لتصبح مخاطر وجودية لا ينفع معها استمرار المكابرة والتلكؤ وحرْف الانتباه.
واضاف: “دعني أشرح لك أمرا يجب أن يكون واضحا لدى الجميع وهو أنه ليس هناك شروط يضعها صندوق النقد على لبنان، كما يحاول البعض أن يهول على اللبنانيين ويحرف انتباههم عما ينبغي أن يقوموا به من خطوات صعبة وجريئة، وبالتالي يدفعهم إلى التصرف بطريقة غير عقلانية وبما يتعارض مع مصالحهم الحقيقية والدائمة. المسألة برمتها أن هناك إصلاحات سياسية واقتصادية ومالية وإدارية قد طال انتظارها ولم تتحقق حتى الآن للأسباب التي ذكرتها. ولبنان قد أصبح في حاجة ماسة لكي يسوي أوضاعه المتدهورة في أكثر من مجال من أجل تحقيق المصالح الدائمة للوطن وللمواطنين، وبما يسهم في استعادة الثقة المنهارة بين اللبنانيين ودولتهم. وكذلك أيضا من أجل استرجاع ثقة المجتمعين العربي والدولي بالدولة اللبنانية. وفي الحصيلة من أجل استرجاع الاستقرار تمهيدا لاسترجاع النهوض الوطني والاقتصادي، وذلك بما يمكن لبنان من تجنب الارتطام الكبير الذي هو بالفعل قد أصبح خطرا وجوديا على لبنان واللبنانيين”.
سئل: هل المشكلة في “حزب الله” فقط أو في ملوك الطوائف؟
أجاب: “المشكلة أعقد من أن تبسط هكذا. هناك في لبنان استعصاء قديم ومزمن كان ولا يزال يحول دون قيام لبنان بالإصلاحات هناك استعصاء على الإصلاحات مارسته حكومات ومجالس نيابية متعاقبة ومارسه أيضا سياسيون لبنانيون، وهم – وياللأسف – لا يرون في الأمور سوى مصالحهم الانتخابية الضيقة والآنية، مما دفع بالأوضاع العامة في لبنان إلى هذا الاهتراء وإلى هذه الهشاشة وبما أصبح يحول دون السير بالإصلاحات التي يحتاجها لبنان والتي يعرفها القاصي والداني. وهي الإصلاحات التي تحول دون وقوع لبنان في وهدة كارثة محتمة إذا ما استمر هذا التلكؤ والمكابرة”.
وقال: “لا بد هنا من التأكيد أنه وبالإضافة إلى تلك المشكلات المستعصية، فإن مما زاد الأمور تدهورا أن أوضاعا مستجدة نتجت من التسلط الذي يقوم به ويمارسه
“حزب الله” والذي وضع لبنان في عزلة عن أشقائه وأصدقائه، وهي من الأمور التي تسببت باختلال فادح في التوازنات الداخلية والخارجية للبنان، ولا سيما في علاقة لبنان مع الأشقاء والأصدقاء، وأصبحت هذه العوامل السلبية تحول دون أن يتمكن لبنان من الحصول على الدعم من أولئك الأشقاء والأصدقاء”.
وأضاف: “الواضح الآن أن ليس هناك من خيارات لدى لبنان غير العودة وبسرعة وبحزم إلى سلوك الطريق الصحيح لمباشرة الإصلاحات بما يثبت للبنانيين أولا ولأشقاء لبنان ولأصدقائه في العالم أن الحكومة اللبنانية وكذلك رئيس الجمهورية جادان ومصممان على السير قدما في هذا الطريق. وذلك يعني المسارعة إلى التوافق الداخلي على الخطة الاقتصادية والمالية التي ستعتمدها الحكومة وتلتزمها، بالتعاون مع مصرف لبنان وجمعية المصارف والهيئات الاقتصادية والعمالية. وفي ضوء ذلك، ينبغي للحكومة المسارعة إلى البدء بالمشاورات مع صندوق النقد الدولي. إن أهمية التعاون مع هذا الصندوق تعود الى حقيقة أنه يوفر للبنان ختم الصدقية الائتمانية في تعامله مع الأشقاء والأصدقاء. وبالتالي بالإضافة إلى ما يمكن أن يحصل عليه لبنان من دعم من الصندوق على شكل تسهيلات ائتمانية، فإنه يمكن عندها ان ينجح في أن تتحلق حوله مساعدات الصندوق من الأشقاء والأصدقاء، إذا ما تبين للجميع أنّ الخطة التي تتبناها الحكومة ستقود اقتصاده الوطني وماليته العامة نحو المعافاة الصحيحة”.
وتابع: “أما في شأن الصين، فليس هناك عرض منها، وليس هناك سوابق أن قدمت الصين مساعدات الى أي بلد من البلدان في العالم لتعالج مشكلاته مثلما يقتضي الأمر بالنسبة للبنان وتحديدا لجهة تقديم المساعدات الائتمانية.
الصين عادة تنفذ وتمول أعمال مشاريع إنمائية واستثمارية في بلدان عديدة عن طريق قروض تمنحها. ولكنها تستند في تلك العروض التي تقدمها الى تلك البلدان إلى القواعد والمعايير الاقتصادية والمالية الصحيحة، والتي ينبغي ان تتمتع بها الدولة التي تنفذ فيها تلك المشاريع. لماذا؟ لأن الصين تريد أيضا أن تضمن سلامة أموالها واستثماراتها في تلك البلدان. وبالتالي فإن ليس في إمكان لبنان أن يحصل من الصين على أي تمويل من دون أن تكون أوضاعه الاقتصادية والمالية والنقدية قد أصبحت على طريق المعافاة الصحيحة. وبالتالي بعد أن يكون قد جرى تصويب بوصلة لبنان الاقتصادية والمالية والنقدية بشكل كامل وصحيح.
وهذا لا يعني أن لبنان كان ممتنعا عن التعامل مع الصين. هنا أريد أن أكون واضحا. لقد كان لبنان من أوائل الدول في العالم التي انفتحت على التعامل مع دولة الصين ومنذ خمسينات القرن الماضي. والصين الآن تمثل الشريك التجاري الأساسي والأكبر للبنان في العالم. وكذلك أيضا فإن لبنان لا يمانع على الإطلاق في أن يطور مجالات تعاون مع الصين من أجل الحصول على استثمارات تقوم بها في لبنان. ولبنان يرحب بمثل هذه المبادرات. ولكن لم تتقدم الصين بأي عروض إلى الآن. وبوضوح فإن ما يحتاج اليه لبنان الآن ليس بالأولوية المشاريع الإنمائية على أهميتها، بل هو في حاجة إلى استعادة الثقة الداخلية والخارجية بأوضاعه الاقتصادية والمالية والنقدية. ولذلك، فإن لبنان يسعى الى الحصول على التدفقات المالية اللازمة من صندوق النقد الدولي، وكذلك من أشقائه وأصدقائه في العالم ومن ضمنها الصين من أجل تعزيز جهود استعادة الثقة.
ولفت الى ان “الصين لم تشارك في مؤتمر “سيدر” الذي عقد قبل عامين من أجل دعم لبنان. ولا هي شاركت في المؤتمرات التي عقدت في باريس والمسماة “باريس-1 و2 و3”.
وكرر أنه “إذا لم يكن هناك استعداد حقيقي لدى الحكومة لتصويب البوصلة الاقتصادية والمالية والنقدية للبنان بشكل سليم، وكذلك العمل على تصويب بوصلة لبنان السياسية لاسترجاع التوازن الداخلي والخارجي اللذين اختلا، وهي اختلالات أدت إلى تدهور العلاقات بين لبنان وأشقائه وأصدقائه، فإن الاخطار على لبنان ستتعاظم في كل ساعة تأخير وليس فقط في كل يوم تأخير”.
واعتبر ان “المشكلة أصبحت شديدة الوضوح. ولكن، ياللأسف، لا يبدو أن لدى العهد ولا لدى الحكومة وبعض الأحزاب السياسية وفي طليعتهم “حزب الله” الإرادة والنية على سلوك طريق الإصلاح. فهم ما زالوا يعاندون إما عن قصد أو أنهم مازالوا في حال إنكار شديد، وبالتالي فهم في حالة معاندة ومكابرة”.
واشار الى ان “جميع الدول الشقيقة والصديقة في العالم ترسل مندوبيها إلى لبنان، وهم يتحدثون مع المسؤولين اللبنانيين، ويقول لهم عليكم القيام بالإصلاحات، وما زال فخامة الرئيس والحكومة يكابران، ويتمنعان عن القيام بالإصلاحات. وها قد زارنا وزير الخارجية الفرنسي، وهو قد كرر ما قاله في فرنسا قبل مجيئه إلى لبنان”.
وأضاف: “لكم يحزنني كلامه الذي ردده مرات قبل زيارته للبنان، وردده في كل زياراته
لجميع المسؤولين في لبنان، للأسف. ليس من الممكن أن تستمر معاندة فخامة الرئيس الحكومة، وهما في ذلك يحاولان حرف انتباه اللبنانيين عن المشكلات الأساسية التي يعانيها لبنان. لقد أصبح واضحا أنهم يريدون أن يأخذوا الأمور نحو أمور جانبية. ومن ذلك، طريقة دعم بعض السلع الاستهلاكية بعد انهيار سعر صرف الليرة اللبنانية. وهذا لا يؤدي الى حل جذور المشكلات. فدعم بعض السلع ليس إلا معالجات تسكينية وموقتة، وهي ليست حلولا دائمة لكونها لا تحل أساس المشكلات. وهي تسهم بشكل غير مباشر في زيادة الفساد وتفشّي الاقتصاد غير الشرعي وتستنفد الاحتياطات المحدودة التي لدى مصرف لبنان بالعملات الأجنبية. وعلى أي حال إذا لم يترافق مع هذا الدعم الخطوات الإصلاحية الواجب اتخاذها، فإن ذلك يؤدي إلى إغراق لبنان واللبنانيين بشكل أكبر في مستنقع المشكلات المتكاثرة على البلاد”.
وعن سبل حل الأزمة، قال: “أنتم تعلمون مقتضيات النجاح في مواجهة مثل هذه المشكلات عبر الوضع الذي كان سائدا في مصر قبل أعوام. ولذلك، فقد كانت هناك رغبة لدى الحكومة المصرية للتعاون مع صندوق النقد الدولي. وكان هناك إدراك حقيقي لدى الحكومة المصرية لجهة الحاجة إلى اتخاذ القرارات الصعبة التي عليها اتخاذها لاصلاح الأمور الاقتصادية والمالية والنقدية في مصر وتصويبها. وبالتالي، فقد بادرت الحكومة المصرية إلى اتخاذ تلك القرارات وحرصت على اعتمادها وتنفيذها، وها هي قد نجحت في ان تتغلب على تلك العوائق والمصاعب”.
ورأى ان “ما يزيد من حدة المشكلات التي يواجهها لبنان، أن هناك من يريد ان يستمر في هذه السلطة وكل همه أن يؤكد أمور تخصه متجاهلا مصلحة لبنان واللبنانيين. كل ما يهمه تنفيذ ما التزمه لدعم حزب الله وحمايته، وفي دعم استمرار تسلط الحزب على الدولة وفي استمرار احتفاظه بسلاحه الذي أصبح موجها إلى صدور اللبنانيين، وكذلك في التغطية على تدخله الخارجي في عدد من الدول العربية. وهو الأمر الذي يقوم به
“حزب الله” لمصلحة الدولة الإيرانية”.
وتساءل: “ماذا يجني فخامة رئيس الجمهورية من ذلك؟ أن يضمن أن يخلفه صهره في رئاسة الجمهورية. ولبنان ليست دولة ملكية. لبنان بلد ديمقراطي، وبالتالي رئيس الجمهورية ينتخب انتخابا. لذلك، فإن كل هذه الأمور تجري خلافا لاتفاق الطائف وللدستور اللبناني ولأحكام الشرعية العربية وللقرارات الدولية. وبناء على ذلك، يستمر الاستعصاء وتستمر محاولات حرف انتباه الناس عن المشكلات الحقيقية، والآن أصبح واضحا لدى الجميع ان هناك خط سير ينبغي للبنان اعتماده، وإذا لم يسلكه، فإنه يصبح محكوما بمزيد من الانهيار. هذا الأمر الآن بيد الحكومة اللبنانية فخامة رئيس الجمهورية، وكلك أيضاً بيد حزب الله لأنّ استمرهار حزب الله في التسلط على الدولة يمنع فعلا الحكومة رئيس الجمهورية من اتخاذ القرارات الصحيحة لإنقاذ لبنان”.
حديث الى قناة “النيل”
وكرر، في حديث الى قناة “النيل” ان “الوضع الآن في لبنان يتدهور يوما بعد يوم بسبب استمرار الاستعصاء الذي يمارسه فخامة رئيس الجمهورية وتمارسه الحكومة لجهة التمنع عن إجراء الإصلاحات التي كان من الواجب القيام بها قبل فترة طويلة. والحقيقة أن استعصاء الحكومات والمجالس النيابية والعديد من السياسيين في لبنان، مدى عقدين، حال دون إجراء الإصلاحات التي أصبحت الآن أكثر إلحاحا وأكثر كلفة وأكثر أوجاعا”.
ولفت الى أن “المسؤولية الآن هي مسؤولية هذه الحكومة لأنها أصبحت، وبحسب الدستور، المسؤولة عن إدارة هذه الأزمات التي تعصف بلبنان. وبالتالي ينبغي لها المبادرة للقيام بهذه الإصلاحات، ولا عذر لها إذا تقاعست وتلكأت، ولا سيما أن لبنان قد أصبح على وشك الارتطام الكبير بسبب هذا الانهيار.
والحقيقة أن استمرار هذا الاستعصاء والتلكؤ والمكابرة لهذه الحكومة يستمر في مواجهة محاولات العديد من الأصدقاء والاشقاء في العالم لإقناع المسؤولين اللبنانيين بانتهاج طريق الإصلاح، وللأسف، ما من مجيب”.
وأدرج “من ضمن هذه المحاولات، الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية الفرنسي الذي شدد على جميع المسؤولين اللبنانيين الذين التقاهم، أنه لم يعد في إمكان الحكومة والعهد الاستمرار في هذا التلكؤ والاستعصاء عن القيام بالإصلاحات المطلوبة. ولا يمكن لبنان أن يحقق أي نجاح في التصدي لمشكلاته ما لم يسلك هذا الطريق الإصلاحي. فضلا عما تجب الإشارة إليه أن هذه الإصلاحات ليست أمرا يفرضه صندوق النقد الدولي أو قبل الأصدقاء والأشقاء”.
ودعا الى ان أن “يكون هذا واضحا لدى جميع اللبنانيين، أن هذه ليست شروطا يفرضونها هم بل هي ما تفرضه الحال التي وصل إليها لبنان، والتي أصبحت تحتم ذلك. هذا الاستعصاء القديم الذي ما زال مستمرا حتى الآن، يتفاقم منذ الاعوام العشرة الماضية. ولذلك هذا هو ما يحتاج اليه لبنان اليوم حتى تستقيم أوضاعه الاقتصادية والمالية والنقدية. والمطلوب من هذه الحكومة والعهد التوقف عن هذا التلكؤ والاستعصاء والمكابرة، والتوقف عن تكرار مسرحيات حرف انتباه اللبنانيين وأشقاء لبنان وأصدقائه عن المشكلات السياسية التي يعانيها لبنان. وهذه المسرحيات لم تعد تنطلي على أحد”.
وعن تقويمه لمطالبة وزير الخارجية الفرنسي للبنان بوجوب ان ينأى بنفسه لسلامته وسلامة أراضيه، قال: “النأي بالنفس سياسة اعتمدها لبنان منذ العام 2011. ولكن، للأسف، فالمسؤولون في لبنان لطالما تحدثوا، هم والحكومات اللبنانية المتعاقبة، عن سياسة النأي بالنفس والتي كانت ترد في كل بيان وزاري مدى تلك الأعوام الماضية. ولكن الحكومة لم تلتزم مرة النأي بالنفس. على العكس من ذلك، فإنه ومنذ العام 2011، تفاقم تورط “حزب الله” في الصراعات الدائرة في المنطقة وانضم لبنان عمليا نتيجة هذه السياسات إلى محاور إقليمية على حساب مصلحة لبنان واللبنانيين. وذلك ما أدى إلى اختلال كبير في الأوضاع الداخلية وفي سياسة لبنان الخارجية. وقد أوقع ذلك لبنان في أتون مشكلات كبرى تسبب بها “حزب الله” بسبب تورطه في الحروب الدائرة في سوريا والعراق واليمن. والحزب في ذلك يعتمد على الدعم الداخلي الذي يقدمه اليه “التيار الوطني الحر” وفخامة الرئيس. وبالتالي، فإن ذلك بمجموعه أدى الى الوضع الذي أمسى عليه لبنان في هذه العزلة الكبيرة في العالم. لقد جرى التلاعب بسياسة لبنان الخارجية بعلاقة لبنان مع أصدقائه وأشقائه بحيث وصل في الحصيلة إلى ما وصل إليه الآن. وبالتالي لم يعد غريباً كيف أصبح كل من يزور لبنان اليوم ينبه اللبنانيين والحكومة اللبنانية ورئيس الجمهورية الى ان هذا الامر لم يعد يستقيم”.
ورأى ردا على سؤال ان “هناك انهيارا كبيرا في الثقة بالعهد والحكومة، وبالتالي انهيار في الأوضاع الاقتصادية والمالية والنقدية والمعيشية بسبب تلك السياسات، وذلك الأداء بسبب هذا الاستعصاء”.
وأسف لأن “هذا الاستعصاء عن القيام بالإصلاحات يجري الآن في الوقت الذي تتغير وتتحوّل فيه الأوضاع الجيوسياسية والأوضاع الاقتصادية والمالية في مختلف أنحاء العالم ومن ضمنها في مختلف أقطار العالم العربي. لقد أصبحت هذه التحولات والتغيرات الهائلة ومن ضمنها التأثيرات السلبية الناتجة من جائحة الكورونا التي تجتاح العالم وتتسبب بانخفاض كبير في الدخل الوطني في جميع دول العالم ومن ضمنها الدول العربية. وهذه الأخيرة أصبحت تعاني انخفاضا كبيرا في مداخيلها ومواردها المالية بسبب الانخفاض الكبير بأسعار النفط”.
ولاحظ أن “من أهم ما نتج من هذه الزلازل الكبيرة، هو انشغال كل بلد وكل منطقة بحالها، وأدى بالتالي إلى وهنٍ كبيرٍ وعدم رغبة في استعداد تلك الدول لا بل وعدم قدرة على تقديم المساعدات الى بلدان أخرى فكيف بتقديم المساعدة إلى بلد لا يفكر ولا ينشغل سياسيوه بمساعدة أنفسهم حتى يساعدهم العالم”.
ولفت الى ان الجرس “يدق برنينٍ عالٍ، والمؤسف نّ أفضل ما عند اللبنانيين من خبرات ومهارات من أصحاب الكفايات يجمعون حقائبهم لمغادرة لبنان في هجرة دائمة بما يعني استنزافا حقيقيا لفرص المستقبل من أمام لبنان واللبنانيين. في وقت يغرق بعض السياسيين اللبنانيين في ملهاتهم وانشغالاتهم السخيفة بينما العالم يتغير من حولهم”.
وأسف ايضا لأنه “عند الارتطام الكبير، لن يجد أولئك السياسيون الذين أخذوا معهم وبعصبياتهم وخلافاتهم كل اللبنانيين المساكين نحو الضياع والانهيار، أحداً ليقف معهم”.
وختم: “المشكلة أن أولئك السياسيين وبخلافاتهم ومصالحهم الصغيرة وفتنهم الطائفية والمذهبية التي يشعلونها كل يوم ما عادوا يجدون حججا وأعذارا واهية يستخدمونها لتبرير ما قاموا به. في الوقت أصبح اللبنانيون- اللأسف – منشغلين بلحس المبرد، هذا وفي وقت تسعى بقية اللبنانيين الى محاولة الهجرة إلى خارج لبنان، ولكن ربما لن يكون في مستطاع العديد منهم أن يجدوا لهم مكانا في عالم الاغتراب أيضا”.