المعلومة، كل القصة تكمن وراء هذه الكلمة وما تحمله من تأثير كبير. فبسبب الأحداث المتسارعة والأوضاع المترديّة في البلاد، تصبح الكمية أحيانا أهم من النوعية، فيتم ضخّ المعلومات وتلقينها إلى الرأي العام دون تحقيق فائدة مرجوّة من ورائها وبتوجيه من أربع أدوات أساسية وهي: السياسيون بالدرجة الأولى؛ القضاء ونظامه الذي يعاني من خلل في جذوره؛ المصارف التي تدس السم في سياسات مالية أودت بالبلاد وبأموال المودعين إلى المجهول، بإشراف وتدبير من رأس الهرم المصرفي في البلاد. وكل هذه السياسات والهندسات المالية الفاسدة تدور بفلك الإعلام ’المأجور‘ تارة و’الثائر‘ تارة أخرى.
انفصام في الهوية!
في زمن الفساد المستشري والتعتيم المتعمّد على المعلومات والحقائق، يبرز إلى الواجهة الإعلام الذي يسعى أحياناً، تبعاً لسياسية المموّلين، إلى إجهاض الجهود في تبيان الملفات المتعلقة بالفساد والتي يتم طرحها في العلن من قبل الثوار والمجموعات الحقوقية، مع لحظ ما يتأتّى عن ذلك من إحباط يصيبهم والمواطنين معاً. إذ يبدو أنها لا تستثير رغبة الإعلام، التي تستند على قاعدة التطبيل والانجراف وراء رجالات السياسة وغيرهم ممن يضعون رأس مالهم في مؤسسات هشة تعاني، كقطاعات الدولة، من الانهيار المادي والمعنوي. فيصل الأمر إلى إخفاء الحقائق عن الناس، كالقضايا المرفوعة على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة (بالطبع ليس وحيداً) بجرم اختلاس المال العام واستخدام النفوذ والسلطة لفرض البطش المصرفي على المودعين، في وقت لا يوجد حتى الآن جواب واضح عن السؤال الذي يُطرح من قبل الجميع: أين ذهبت أموالنا؟ سؤال عام وطبيعي لشعب يتلقن فقط كميّة معيّنة من المعلومات دون البحث والغوص فيها، بحيث يتحوّل الإعلام إلى ’حاشية البلاط‘ في أمر فصل بالنسبة إلى العامة: الأموال (المنهوبة والمهرّبة) معروفة السبل والمقاصد، ولكن نعود إلى نقطة الإعلام الموجّه وشحّ المعلومات.
رسالة ونقيضها وبورصة الـ ’فريش‘ دولار لها ثقلها.
بعيداً عن الاستطراد كثيراً بماهية الرسالة الأسمى للإعلام، وهي نقل الأحداث وطرح الملفات بموضوعية مطلقة بهدف خدمة المصلحة العامة، نجد النموذج اللبناني على ’الدارج‘ أيضاً: لا رسالة واضحة للإعلام أبعد من بيع المبادئ مقابل رغيف الخبز، يكلله تعتيم وتضييق في إظهار الحقيقة. لكن يبقى السؤال، أليس الصحافي أو الإعلامي هو مواطن لبناني بالدرجة الأولى حقوقه من حقوق الشعب الطبيعية؟
فعلى الرغم من أن المكونات الثورية والمجموعات الحقوقية تعمل بدون انقطاع للدفع قدما بملفات يلزمها متابعة دقيقة، ليس فقط من جانب تلك المكونات أو المجموعات بل من جانب الإعلام الذي يتولى زمام الصورة والصوت في البلاد، ، نجد إحدى أكثر التجارب تحريفاً أو تعتيماً (على الطريقة اللبنانية، للأسف) هي تعامل الإعلام، ومنه “الوكالة الوطنية للإعلام” على سبيل المثال، مع الدعاوى القضائية بوجه حاكم المصرف المركزي رياض سلامة وجمعية المصارف والمصارف وما يرتبط بها من سلب لأموال المودعين، حيث تقدّم عدد كبير من المحامين (على عاتقهم كمواطنين بالدرجة الأولى، مع تحمّلهم الأعباء القانونية والضغوطات المتأتية عن ذلك) بدعوة من تحالف متحدون مع بداية شباط ٢٠٢١ بشكاوى (ليست إخبارات) ومذكرات وطلبات مع وثائق ومطالب، والتي تعني جميع اللبنانيين، لتكون المفاجأة في تمنّع الوكالة في تعتيم واضح (بالنظر إلى أهمية الخبر ووقعه على اللبنانيين) عن ذكر الموضوع وامتعاض مديرها السيد زياد حرفوش من ’الإزعاج‘ الذي يسببه تحالف متحدون، متناسياً أنه مكلّف بخدمة عامة يتقاضى أجرها من جيوب اللبنانيين (ومنهم المودعين) المكلّفين بالضريبة، ليجعلنا نترحّم على المديرة السابقة للوكالة، مع اختلافنا أحياناً في وجهات النظر، لور سليمان. أكّد هذا التصرف ما يّشاع عنه من سوء إدارته لهذه المؤسسة الوطنية التي من واجبها التعبير عن هموم وأوجاع الناس الحقيقية وليس مصالح متنفّذين لم يتوقّف فسادهم وسلبهم للمال العام، رغم أنين وعوز وصراخ المواطنين الذين عبّروا عنه خلال ثورة تشرين. هذا في وقت لم يتحرك إلا ندرة من القضاة باسم الشعب اللبناني بحق، بعدما استنكف القضاة المعنيون مباشرة بحقوق الناس وأموالهم عن إحقاق الحق وتحقيق العدالة، مكتفين بدلاً عن ذلك بمشاهدة البازارات الإعلامية التي تناولت سرقة الـ ٤٠٠ مليون دولار وما تفرّع عنها، كل ذلك بعد موت القضاء الأصيل سريرياً عندما كانت حاجة الشعب الذي يصدر قراراته باسمه هي الأمسّ له إبان العوز الشديد والمذلة على أبواب المصارف والمستشفيات.
فلماذا تمنعت أي جهة إعلامية رسمية أو غير رسمية عن تبيان الحقيقة؟
تتغلب ’الأجندة‘ الإعلامية التي ترافق البرامج والمعلومات المطروحة على الرسالة الحقيقية للإعلام، إلا قلّة قليلة من الإعلام الحرّ، فمثلاً ملفات شكاوى انفجار المرفأ (الجدّية والفعلية) لا تعني الإعلام بقدر ما يعنيه البكاء على فاسد أراد تلميع صورته بعد تناسي أو تجاهل موبقاته، أو بقدر ما يعنيه تظهير الاستزلام أو الاستجداء من قبل اللبنانيين كأذلّاء قبل أن يعنيه وضع الإصبع على جرح المهانة تلك والتي وصمتنا بـ ’الشحّادين‘. وبفعل فاعل يُجبر المواطن على التصديق وركوب الموجة، ما يزيد الشرخ الاجتماعي والاقتصادي في البلاد ويجلب الويلات، فالفساد موجود والقضاء الضعيف لا قدرة له على إحقاق الحق وتفعيل مبدأ محاسبة المتورطين ضمن النظام المصرفي، وبعض الإعلام قد رضي أن يتحوّل إلى مرايا ملوّثة لا تعكس الضوء أو الحقيقة.
إلى متى ستبقى الأجندات الإعلامية تغذي عقول الشعب بالقشور؟
الفساد واضح ومكامنه معروفة وأدواته التي تبدأ بالإعلام، الواجهة الأولى، يُخمد الاحتجاجات تارة ويشعلها تارة أخرى، ليبرز فشله ومسؤوليته في طمس الملفات والقضايا التي تصبّ في مصلحة جمهور المواطنين.
- مالك دغمان، تحالف متّحدون
هذا الخبر يلزمنا دلائل كافية بعد، أم نحن من نبتدع عدم المعرفة؟ ظهر أولاً في Cedar News.