في الوقت الذي انتفضت فيه الحكومة الكويتية ضد الفساد والمفسدين، ومع سقوط الكثير من لصوص المال العام خلال الفترة الأخيرة، وتزايد جرائم نهب مقدرات الدولة، يرى المراقبون أن المخاوف من هروب هؤلاء اللصوص أصبحت أكبر من أي وقت مضى، فسابقة هروب المدير العام السابق للتأمينات الاجتماعية فهد الرجعان من البلاد لا تزال ماثلة بالأذهان، تاركةً في النفوس غصة ومرارة، فبعد تورطه في الاستيلاء على ملايين الدنانير من أموال المواطنين الكادحين، تمكن من الفرار بحجة أداء العمرة وفق تأكيد مصادر أمنية لـ القبس.
وإذا كانت قضية الرجعان هي الأبرز، فإن ظهور قضايا فساد مستجدة على الساحتين السياسية والقضائية، مثل قضيتي الصندوق الماليزي والنائب البنغالي الذي تورط في تجارة الإقامات وتقديم رشاوى لنواب ومسؤولين، كل هذا الفساد المستشري، يستلزم وقفة عاجلة وإجراءات صارمة لمنع تكرار هروب اللصوص الذين انعدمت ضمائرهم وسولت لهم انفسهم الاعتداء على المال العام، فليس منطقياً أن ينجح الفاسد في الفرار ليهنأ بما استولى عليه من أموال، الأمر الذي يغري بتكرار مثل هذه الجرائم، فمن امن العقاب تمادى في نهب المال العام.
وعلى قاعدة درهم إجراءات ويقظة من جهات الدولة المعنية تغني عن قنطار من الملاحقات والتحركات محلياً ودولياً، لاسترداد الأموال المنهوبة من ناحية وتسلم الفاسدين الهاربين من ناحية أخرى. التحوُّط مطلوب وبينما ينشغل الرأي العام الكويتي حالياً بقضايا الفساد المستجدة، يرى المراقبون ضرورة أخذ الاحتياطات اللازمة والإجراءات المشددة لمنع تكرار هروب المتورطين في نهب المال العام، فالرجعان الذي هرب بعد تقديم البلاغات ضده، وبعد إثارة اللغط حول الأموال المنهوبة من مؤسسة التأمينات، يثير ما حدث المخاوف من هروب المتهمين الجدد في قضايا فساد، والذين قررت النيابة إخلاء سبيلهم بكفالات مالية كبيرة وصلت إلى 50 ألف دينار، مع منعهم من السفر.
وعودة إلى الرجعان الذي وصفه المراقبون بأنه اللص الأكبر في تاريخ قضايا الفساد، بالنظر إلى حجم الأموال التي استولى عليها من «التأمينات» وأكله لعرق الكويتيين المتقاعدين، تستلزم الضرورة التحرك العاجل لاسترداد ما نهبه وتسليمه للبلاد من ناحية، وأخذ العبرة والاستفادة من هذا الدرس القاسي من ناحية أخرى، فجناح الفساد لا يحلق من غير الإهمال وضعف الرقابة وغض الطرف عن اللصوص ومعدومي الضمير. ويرى المراقبون ضرورة التحرك على أكثر من اتجاه حالياً في القضايا المنظورة أمام النيابة، باتخاذ إجراءات مشددة بالتنسيق بين جهات الدولة المعنية لمنع خروج اي من المتهمين في المنافذ، وإذا كانت قاعدة «كل متهم بريء حتى تثبت إدانته» صائبة تماماً، فإن التحوط لحماية المال العام وفق القانون، لا يخل بهذا المبدأ الراسخ في دولة القانون والمؤسسات.
القبس إيماناً منها بضرورة تسليط الضوء على الفساد ولصوص المال العام تعيد نشر أبرز المحطات في قضية الرجعان. وانطلاقا من الآية الكريمة «وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين» يصبح التذكير بالتسلسل الزمني لهذه القضية وتطوراتها ومراحلها ضرورة ملحة في الوقت الذي تشهد فيه البلاد تحركات جادة لمحاصرة الفساد ولصوص المال العام. غادر بحجة العمرة ولم يعد! كيف هرب المتهم؟.. هذا السؤال وجهته القبس إلى مسؤول أمني، فأكد أن المتهم غادر البلاد عبر مطار الكويت الدولي خلال 2012 متجهاً إلى المملكة العربية السعودية، وأوهم الجميع بأنه ذاهب لأداء مناسك العمرة، بيد أنه هرب من المملكة إلى لندن. وقالت المصادر: إن مغادرة الرجعان للبلاد في ذلك التوقيت جاءت بعد أن أثير اللغط حوله وقدمت بلاغات ضده، الأمر الذي أثار الكثير من علامات الاستفهام. شخصية متنفذة سهّلت هروبه علمت القبس أن شخصية متنفذة سهلت خروج الرجعان من البلاد، واستثناءه من الإجراءات المتبعة في شأن المتورطين في قضايا الفساد، ومن ثم تمكن من الهروب خارج البلاد. شهادة الراشد والمضف في حكمها بإدانة الرجعان، قالت محكمة الجنايات إنها اطمأنت إلى شهادة كل من العضو السابق في مجلس إدارة المؤسسة العامة للتأمينات فهد الراشد، ومستشار المؤسسة صلاح المضف. المحاولة جريمة أوضحت محكمة الجنايات أنه لا يشترط في جرائم «الإضرار العمدي بالمال العام»، الحصول فعلاً على الربح أو المنفعة، وإنما يكفي لقيامها مجرد محاولة ذلك ولو لم يتحقق الربح أو المنفعة، كما لا يلزم أن يتحدث الحكم صراحة واستقلالاً عن القصد الجنائي في تلك الجريمة، ما دام فيما أورده من وقائع وظروف ما يدل عليه.
محطَّات في القضية: عزل.. فهروب.. فملاحقة حظيت قضية اختلاس أموال التأمينات، بتفاعل كبيرا في الأوساط المحلية، لاسيما أن فهد الرجعان «الهارب» إلى لندن، صادر بحقه أمر ضبط وإحضار من قبل النائب العام منذ عام 2012. فمنذ 2009 والبلاغ المقدّم ضد الرجعان، متداول في النيابة العامة، حيث جرى فحص المستندات والأوراق المقدمة ضده على مدى سنوات، وبدأ التحرّك الفعلي لاسترداده ومحاكمته، عام 2012 بإصدار أمر الضبط والإحضار. القبس رصدت أهم المحطات في قضية الرجعان منذ بدء التحرك الفعلي لمحاكمته، وكانت كالتالي: ◄ في العام 2012: غادر الرجعان البلاد إلى السعودية بحجة أداء العمرة ومنها إلى لندن ◄ 2012/5/9: أعلن النائب رياض العدساني أن السلطات السويسرية جمّدت أرصدة الرجعان في بنوكها، كنوع من الإجراءات الاحترازية، حتى انتهاء لجان التحقيق من عملها. ◄ 2012/5/12: نفى نائب رئيس الوزراء وزير المالية د.مصطفى الشمالي وجود علاقة للوزارة بتجميد حسابات الرجعان. وقال إن ما حصل نتيجة قضايا مرفوعة ضده في الخارج. ◄ 2013/11/26: نفى الرجعان أن تكون هناك أي مخالفات مالية أو فساد مالي أو إداري في «التأمينات». وأوضح أن ما ورد من ديوان المحاسبة ملاحظات، وليست مخالفات، وهي مجرد اختلاف في وجهات النظر. ◄ 2014/1/13: أصدر وزير المالية قراراً يقضي بتعيين حمد الحميضي مديرا عاما للمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية خلفا للرجعان وعرض القرار على مجلس الوزراء. ◄ 2015/1/20: حصلت القبس على نص الحكم القضائي السويسري الذي صدر في 8 ديسمبر 2014، القاضي برفض طعن دفاع الرجعان، في الحكم الصادر بكشف حساباته البنكية في القضية المرفوعة من د. فهد الراشد. وجاء رفض المحكمة للطعن بمنزلة حكم نهائي بالكشف عن حسابات الرجعان، البالغة قيمتها 390 مليون دولار، وحجز 100 مليون دولار منها على ذمة القضية. Volume 0% ◄ 2015/1/28: كشفت مصادر قانونية مطلعة عن تسلم النيابة العامة بلاغاً من مؤسسة التأمينات ضد رئيسها السابق فهد الرجعان، وجاء البلاغ عقب ورود مستندات من سويسرا تفيد بحصول النيابة الكويتية على حكم بصحة الحجز على حسابات الرجعان في أحد البنوك السويسرية. ◄ 2015/3/12: قال وزير المالية أنس الصالح إن مجلس إدارة «التأمينات» قرر الطلب من القضاء السويسري المشاركة في الدعوى الجنائية السويسرية، للمطالبة بحقوقها والتعويض عن أي ضرر قد مس حقوقها وأموالها. ◄ 2015/5/10: كشف رئيس لجنة حماية الأموال العامة، د. عبدالله الطريجي، أن الرجعان لديه حسابات في أكثر من 15 دولة، ولديه عقارات، ولم تتمكن الحكومة من جمع المبالغ المتوقع أن تقدر بالمليارات، موضحاً أنه قام ببيع 156 عقاراً داخل الكويت، ولم يبق لديه حالياً إلا 56 عقاراً. ◄ 2015/7/17: طلبت النيابة العامة من الولايات المتحدة الأميركية المساعدة القضائية، للحجز على أموال وممتلكات فهد الرجعان وتحويلها إلى خزانة النيابة. ◄ 2015/9/7: رفضت محكمة الجنايات التظلم المقدم من الرجعان، على قرار تجميد جميع حساباته البنكية والعقارات التي يملكها وعائلته. ◄ 2015/11/15: أعلن النائب العام المستشار ضرار العسعوسي عن إحالة الرجعان، ومسؤول آخر في «التأمينات»، يعتبر فاعلاً أصلياً وشريكاً للرجعان في جرائمه، إلى المحكمة لتحديد جلسة لهما. ◄ 2015/12/3: كشفت الحكومة عن حزمة إجراءات اتخذتها في قضية الرجعان وتضمنت الحجز على 82 مليون فرنك في سويسرا، إضافة إلى بعض العقارات، والحجز على 128 مليون جنيه استرليني في بريطانيا. ◄ 2015/12/10: نظرت محكمة الجنايات قضية الإضرار الجسيم بأموال الدولة، المتهم فيها الرجعان، وشريكه، وقررت تأجيل القضية إلى جلسة 21 يناير 2016 لإعلان المتهم الأول. ◄ 2016/4/1: أكد النائب العام المستشار ضرار العسعوسي أن السلطات القضائية البريطانية وافقت على طلب النيابة العامة الكويتية استمرار الحجز على الحسابات البنكية للرجعان. ◄ 2016/7/26: رفضت السلطات القضائية البريطانية الطعن المقدم من الرجعان، على قرار تجميد جميع حساباته البنكية في بريطانيا، ووافقت على طلب النيابة العامة الكويتية بالتحفظ على هذه الأموال. ◄ 2016/9/22: كشفت لجنة حماية الأموال العامة أن بنكا سويسريا عرض على الحكومة التفاوض من أجل تسليم الكويت 30 مليون فرنك سويسري، قيمة العمولة التي تسلمها الرجعان نظير استثمار المؤسسة نحو مليار دينار كويتي في البنك. ◄ 2016/12/19: «الإنتربول» أدخل اسم الرجعان في «النشرة الحمراء» تجاوباً مع طلب النيابة العامة الكويتية باعتقاله وتسليمه الى الكويت. ◄ 27/6/2019: قضت محكمة الجنايات بالحبس المؤبد «مدى الحياة» بحق الرجعان وزوجته، وألزمتهما، بالتضامن في ما بينهما، رد مبلغ 82.2 مليون دولار، وتغريم الرجعان وحده 164.4 مليون دولار، في حين غرّمت زوجته 147.6 مليون دولار. ◄ 10/ 11/2019: أصدرت المحكمة الإنكليزية العليا في لندن حكماً بفرض حجز في جميع أنحاء العالم، بمبلغ 847 مليون دولار أميركي، على أصول الرجعان.