الوضع المعيشي يزداد سوءًا في لبنان بشكل كبير، وهو ما أثار مخاوف دولية. فقد حض فريد بلحاج، نائب رئيس البنك الدولي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لبنان على تنفيذ تغييرات حقيقية من أجل الحصول على مساعدات تمويلية دولية.
وقال بلحاج لوكالة “بلومبرغ” إن لبنان بحاجة “إلى مساعدة نفسه، حتى نتمكن من مساعدته، ولسوء الحظ، حتى الآن، لم يكن لبنان مهتماً في مساعدة نفسه، أو راغباً في ذلك، أو قادراً على ذلك”.
وبعدما وصف الوضع اللبناني بالـ “مأساة”، قال: “نحاول الالتفاف حول الأنظمة الحكومية، ومساعدة الشعب بشكل مباشر بتحويلات نقدية غير مشروطة، فلبنان يقترب من فقر بنسبة 50 في المئة”.
حث بلحاج على إحداث تغييرات إصلاحية لن يجد له صدى، فيما البلاد تعيش في ظل منظومة سياسية واقتصادية نهبته. وفي آخر حلقات المسلسل اللبناني الطويل تقرير فرنسي أقل ما يقال فيه إنه “صادم” فعليًا.
سرقة القرن
فتحت عنوان “مصارف لبنان تنفذ سرقة القرن”، قالت “لوموند” الفرنسية إن اللبنانيين لجأوا أخيرًا إلى القضاء في لبنان وخارجه، لمقاضاة طبقة أوليغارشية صادرت أموالهم.
أضاف تقرير “لوموند”: “في الأشهر الأخيرة، رُفعت مئات الدعاوى القضائية ضد مؤسسات مالية لبنانية أمام المحاكم اللبنانية، وعشرات من الدعاوى الأخرى أمام محاكم فرنسية وبريطانية وأميركية، وثمة دعاوى لا تزال ملفاتها قيد الإعداد. وقد تقدم بهذه الدعاوى كلها مودعون لبنانيون غاضبون من عجزهم عن الحصول على دولارات راكموها في حسابتهم زمنًا طويلًا، وصادرتها المصارف. فالتضخّم تجاوز 100 في المئة وخسرت الليرة اللبنانية 90 في المئة من قيمتها مقابل الدولار الأميركي”.
إنها خدعة القرن. هكذا يقول للصحيفة الفرنسية المحامي اللبناني الفرنسي إبراهيم أبو زيد، الذي يخوض إحدى هذه المعارك القضائية.
بحسب “لوموند”، نجح ناشطون لبنانيون في يوليو 2020 في استصدار قرار قضائي بتجميد أصول حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وهذا إجراء رمزي في الأساس، بانتظار البتّ في دعوى مقامة ضده. كما حصل رجل الأعمال الأردني طلال أبو غزالة، الذي يحتجر مصرف “سوسيتيه جنرال” 40 مليون دولار من ودائعه، على قرار بمصادرة أصول المصرف لضمان أمواله، وقد طعنت إدارة المصرف المذكور بهذا القرار في محاكم بيروت. هذا فيما تنتظر ريبيكا (23 عاماً) منذ 6 أشهر لسحب 25 ألف دولار من حسابها لتسديد أقساط جامعتها في الولايات المتحدة، حيث تدرس الماجستير.
الانهيار اللبناني
في صيف 2019، انهار هرم بونزي اللبناني الذي أغنى المصرفيين وشركائهم في السلطة اللبنانية بفعل تضخّم الديون (90 مليار دولار بنهاية 2020) وتباطؤ تحويلات اللبنانيين من الخارج. وفي مواجهة شح الدولار، قررت جمعية المصارف في لبنان السيطرة على رؤوس الأموال بالعملات الأجنبية، فمنعت المودعين من سحب مدخراتهم بالدولار أو تحويلها إلى الخارج، وسمحت لهم بسحبها بالعملة اللبنانية على سعر صرف حدّده مصرف لبنان هو 3900 ليرة للدولار الواحد، مقابل تجاوز الدولار سعر 13000 في السوق السوداء.
تقول لوموند: “يستسلم مواطنون لبنانيون لقدرهم المصرفي بسبب قرارات المصرف المركزي. وانخفض حجم الودائع في المصارف اللبنانية، بين نهاية 2019 ومطلع العام 2021، نحو 20 مليار دولار”.
ونسبت الصحيفة للمحامي كريم ضاهر قوله: “يتم تطبيق “هيركات” بشكل غير معلن. فالمصارف تحمّل المودعين خسائرها. يلغون ديونهم بشكل تدريجي من خلال ترك الأمور تتعفّن، إنها سرقة القرن بموافقة مصرف لبنان وجميع مكونات الدولة”.
دعاوى خارجية
وتقول “لوموند” إن لتدخّل السياسيين في القضاء دور سلبي في هذه القضية. يقول خبير قانوني طلب عدم ذكر اسمه: “أيدي القضاة مقيدة، يمكنهم اتخاذ قرارات وفعل الكثير من الأشياء، لكنّ المدعي العام الذي يدين بتعيينه للسلطة يمنع كل الإجراءات الجنائية”.
لهذا، ظهرت مبادرات قانونية خارج لبنان. في باريس، حصل المحامي ويليام بوردون على قرارين قضائيين بمصادرة أصول الفرع الفرنسي لـ “بنك عودة” ضمانًا لتحصيل مطالب مودعين.
وفي نانت، بدأت المحكمة التجارية البت في طلب الحراسة القضائية ضد “بنك بيروت” في دعوى قدمها مواطن فرنسي لبناني عاجز عن استعادة أمواله المودعة في حسابه اللبناني في فرنسا.
في لندن، يقاضي رجل الأعمال بلال خليفة بنك لبنان والمهجر للحصول على 1.4 مليون دولار.
فساد سلامة
إلى ذلك، تدرس الوكالة الوطنيّة لمكافحة الجريمة في بريطانيا تقريرًا أعدته مجموعة “غرنيكا 37” الحقوقية البريطانية، عرضت فيه لممارسات سلامة خلال الأعوام الماضية، في ما يتعلّق بقرارات اتخذها بصفته حاكمًا لمصرف لبنان، خصوصًا هندساته الماليّة التي أدت إلى الانهيار المالي.
توغل التقرير في تفاصيل أصول وشركات وأدوات استثماريّة يملكها سلامة وابنه ندي وشقيقه رجا ومساعدته ماريان الحويك وصهره شفيق أبي اللمع، وفي فضح عمليات قامت بها هذه الشركات المرتبطة بسلامة.
وبحسب تقارير إعلامية، خلاصة تقرير “غرنيكا 37” أن سلامة “أدار طوال السنوات الماضية عصابة جرميّة متسترًا بمنصبه حاكماً لمصرف لبنان”، من خلال أشخاص وردت أسماؤهم في التقرير، استعملوا الشركات والأدوات الاستثماريّة لتبييض أموال لناتجة عن تدابير سلامة المالية في المصرف المركزي.
شركات وهندسات
تمثل شركة “فول وود إنفست” إحدى شركات سلام التي يصفها تقرير “غرنيكا 37” بأنها “واجهة مسجلة في لوكسومبورغ، مملوكة من سلامة نفسه. وقام ابنه ندي وإبن شقيقته مروان عيسى الخوري من خلالها بإدارة محفظة عقاريّة ضخمة في المملكة المتحدة تقدر قيمتها بعشرات ملايين الدولارات، تضم أبنية في لندن وبريستول”، إلى جانب شركة عقاريّة أخرى أدارها ندي أيضًا ثم اشتراها بنك عودة في عملية توازت مع حصول المصرف المذكور على أرباح ضخمة من صفقات مع البنك المركزي في لبنان.
يوصف تقرير “غرنيكا 37” شكل إساءة استعمال النفوذ في عمليات مصرف لبنان، ما أتاح لسلامة مراكمة ثرواته، كما يوصف الهندسات الماليّة وهي “عملية بونزي جرت بغطاء رسمي نتج عنها خلال عام 2018 وحده تضخيم ميزانيات المصرف المركزي بنحو 6 مليار دولار”.
إلى جانب عملية التضخيم المصطنعة في ميزانيات مصرف لبنان والمصارف التجاريّة، سمحت هندسات سلامة الماليّة بزيادة أرباح المصارف التجاريّة 70 في المئة بين 2017 و2019، في عمليات استفاد منها شركاء سلامة وسياسيون لبنانيون.
يختم تقرير “غرنيكا 37” مؤكدًا أن حجم استثمارات سلامة، الذي يدعي المتلاكه 23 مليون دولار من الثروة الشخصيّة قبل دخوله مصرف لبنان وأن هذه الأموال هي مصدر استثماراته في الخارج، لا تتناسب مع حجم الأموال الذي يتكلم عنها، ولا تتناسب مع دخل كبير حققه بصفتها حاكمًا لمصرف لبنان.
مروان شلالا – إيلاف
هذا الخبر “لوموند” الفرنسية: مصارف لبنان و”سرقة القرن”! ظهر أولاً في Cedar News.