لودريان للمسؤولين اللبنانيين: لا مساعدات إلا بالإصلاح والنأي بالنفس

تَقاطَعَ مؤشران سلبيان أمس، عند سكْب «مياه ساخنة» على الجسم اللبناني المثخن بالأزمات، أوّلهما دخول البلاد «رسمياً» في المرحلة الرابعة من انتشار فيروس كورونا المستجد (التفشي المجتمعي)، وثانيهما تأكيد المؤكّد لجهة أن انتشال لبنان من الحفرة المالية لن يكون إلا على «حمّالة» مزدوجة من إصلاحات بنيوية وتصحيح التموْضع الاستراتيجي على قاعدة النأي (السلطة و«حزب الله») بالنفس عن صراعات المنطقة وبسط الشرعية سيطرتها على كامل أراضيها.

وفيما ارتسمت المَعالمِ المخيفةُ للمرحلة الرابعة من «كورونا» عبر الأرقام القياسية المتوالية (سجّل أمس أكثر من 160 إصابة) واختراق الفيروس مختلف المناطق مع تسجيل حالاتٍ متدحرجة غير قابلة لترصُّدِ مَصْدرها، فإن زيارة وزير الخارجية الفرنسي جان – ايف لودريان لبيروت قطعتْ الشك باليقين حيال المقاربة الفرنسية – الدولية لـ«الوصفة الوحيدة» التقنية – السياسية للخروج من أخطر منعطف في تاريخ لبنان.
وإذا كانت بيروت اختارتْ أن «تلعبَ بالنار» بإزاء الإشاراتِ المُرْعِبة لانفلاش «كورونا» وخروجه عن السيطرة وقرّرت التمتْرسَ خلف شعار «لا قفْل مجدداً للبلد ولا للمطار» تحت عنوان «الأولوية للدولار الوافِد» الذي يؤجّل الاختناقَ المالي الكامل، تَعَمَّد لودريان أن يعلن وبالفم الملآن من بيروت وباسم المجتمع الدولي وعلى مسامع كبار المسؤولين ما سبق أن قاله في باريس حيال «الترياق» لإنقاذ لبنان من «الوضع الحرِج جداً» وخلاصتُه «ساعِدوا أنفسكم كي نساعدكم» ولا حلول إلا على «عكازيْ» الإصلاح امتداداً إلى بلوغ توافق على برنامجٍ مع صندوق النقد الدولي، والابتعاد عن أزمات المنطقة.
واستوقف بعض أوساط سياسية، أن لودريان، الذي شملت لقاءاتُه الرسمية كلاً من الرؤساء ميشال عون ونبيه بري وحسان دياب ونظيره اللبناني ناصيف حتي، خاطَب من التقاهُم كما اللبنانيين الذين توجّه إليهم بكلمة مكتوبة من مقرّ الخارجية، بلغةٍ حازمة حيال ما يتوقّعه الخارج من السلطة من «حلول معروفة منذ فترة طويلة جداً»، ومسدِّداً ضربة لمحاولات تصوير بعض الإجراءات الحكومية على أنها انطلاقةٌ للمسار الجدي من الإصلاح عبر كلامه عن أن ما أُنجز حتى الآن في قطاع الكهرباء «غير مشجع أبداً»، ومشدداً على ضرورة «مكافحة الفساد ومحاربة التهريب والاستقلالية في القضاء وتعزيز الشفافية».
وبدا مجمل كلام لودريان، الذي التقى أيضاً البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، لتغيب عن أجندته الرسمية أي اجتماعات مع شخصيات سياسية ما خلا محطة لم تخْلُ من دلالات في الضاحية الجنوبية لبيروت حيث زار رئيس مؤسسة «عامل» الدولية الدكتور كامل مهنا، معبّراً عن حال استياءٍ من الأداء اللبناني، وسط اعتبار الأوساط السياسية أن زيارة الوزير الفرنسي التي كسرتْ عملياً عزْلة الحكومة التي لم ينفكّ رئيسها ووزراء فيها يتحدّثون عن حصار دولي يقف وراء «ترْك يد» لبنان لـ«السقوط الحرّ»، جاءت أشبه بـ«الإنذار الأخير» حيال المطلوب من السلطة لملاقاة تطلعات المجتمع الدولي «كما الشعب اللبناني الذي عبّر عنها في تحركات 17 اكتوبر 2019».
ولاحظت الأوساطُ أن خلاصات الزيارة ظهّرت عدم صحة المناخ الذي ساد عشية وصوله حول خطة شاملة لمساعدة لبنان سيعلنها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون «تتضمن فتح خطوط اعتماد مالية»، مشيرة إلى أن باريس كرّست بحصْرها الدعم بمساعدات للمدارس الفرنسية في «بلاد الأرز» لمواجهة الازمة الراهنة وبمعوناتٍ إنسانية أن أي إسنادٍ مالي مباشر ليس مطروحاً خارج خريطة الطريق الإصلاحية المعروفة وتحت مظلّة صندوق النقد ووفق مسارٍ سياسي موازٍ يشكله إعادة الاعتبار للنأي بالنفس.
وكان لودريان بدأ لقاءاته من قصر بعبدا، حيث تبلّغ من عون أنّ «لبنان يتطلّع إلى مساعدة فرنسا في مسيرة الإصلاحات ومكافحة الفساد»، عارضاً الخطوات التي تحققت، ومتحدّثاً عن صعوبات «خصوصاً مع وجود متورطين كثر يمارسون ضغوطاً عدة لوقف هذا المسار»، ومشدداً على «تمسك لبنان بالقرار 1701، شاكراً لفرنسا الدور الذي تلعبه دائماً في إطار التجديد سنوياً لليونيفيل)».
من جهته، نقل لودريان إلى عون رسالة شفوية من نظيره الفرنسي أكد فيها «وقوف باريس إلى جانب لبنان في الظروف الصعبة التي يمرّ بها»، موضحاً أنّ «مفاعيل مؤتمر سيدر لا تزال قائمة ويمكن تحريكها بالتوازي مع تطبيق الاصلاحات».
وفي حين سمع الوزير الفرنسي من دياب أنّ لبنان «يريد دعم فرنسا في ملف الكهرباء ومع صندوق النقد»، متحدّثاً عن «الإصلاحات» التي أنجزتها حكومته رغم «العقبات»، قال لودريان بعد لقائه الوزير حتي، ان بلاده «مستعدة لحشد جهودها إلى جانب لبنان، ولذلك يجب أن يتم تبنّي وتنفيذ إجراءات تصحيحية جدية وذات صدقية، والاجراءات العملية هي المتوقّعة والمطلوبة منذ فترة، وشعاري هو ما قلته سابقاً: انها ساعة خطيرة جداً، ساعِدونا لنساعدكم وعنوان رسالتي مقسوم الى جزئين: الجدية في العمل والتوقعات التي تحملها فرنسا لجهة الاصلاحات، ودعْم الشعب اللبناني في هذه الأوقات العصيبة».
وشدد على الاستمرار في تقديم الدعم للجيش «وعلى الدولة فرض سلطتها على كامل الأراضي اللبنانية والنأي بلبنان عن صراعات المنطقة» ليختم: «تعرفون المقولة الفرنسية: ساعِد نفسك ليساعدك الله، ونحن نقول: ساعدوا أنفسكم كي تساعدكم فرنسا وشركاؤها».
وبعد إطلالة لودريان ضمناً على عنوان «الحياد» الذي أطلق معركته الراعي، استبق رأس الكنيسة المارونية لقاءه مع الوزير الفرنسي، بعقد قمة روحية مسيحية تبنّت الدعوة إلى «نظام الحياد»، حيث طالب البطاركة الكاثوليك «بتحييد لبنان عن الصراعات وتجنيبه الأزمات من التوترات الاقليمية»، مشددين على «أن الحيادَ طرح وطني جامع. فحياد لبنان مشروع سلام لا مشروع حرب ومشروع اتفاق لا مشروع صراع ولبنان غير قادر على البقاء رهينة التجاذبات الخارجية».
وأشار البيان الختامي إلى «أن لبنان اعتمد منذ إقرار ميثاق 1943 سياسة الحياد وعدم الانحياز على قاعدة أن لا وصاية، ولا حماية، ولا امتياز، ولا مركز ممتاز لأي دولة من الدول الشرقية والغربية (…) وظلت الحكومات المتتالية تؤكد نهج الحياد على أساس أن لبنان جزء لا يتجزأ من العالم العربي، يُقاسم إخوانه العرب سراءهم وضراءهم، وأنه منفتح على الدنيا بأسرها وغير منحاز إلى أي تكتلات وأحلاف سياسية أو عسكرية».
وأضاف: «عادت الدولة لتؤكد في (إعلان بعبدا) بتاريخ 11 يونيو 2012: تحييد لبنان عن سياسة المحاور والصِّراعات الإقليمية والدولية وتجنيبه الانعكاسات السلبية للتوترات والأزمات الإقليمية، باستثناء ما يتعلق بواجب التزام قرارات الشرعية الدولية وبخاصة المتصل منها بالأراضي اللبنانية التي لا تزال تحت الاحتلال الاسرائيلي، والإجماع العربي والقضية الفلسطينية المحقة».

الراي – ليندا عازار – وسام أبو حرفوش