كتاب استقالة الرئيس… والاعتذار! سينتيا سركيس

ارشيفية

كتبت سينتيا سركيس في موقع mtv:

“منذ ليل الثلاثاء الماضي في 4 آب المشؤوم، لم تستكن نفسي ولم يغمض لي جفن. غضب شديد يتمدّد في داخلي مع كل نفس آخذه، لكأنّ العمر انتهى في تلك الساعة السوداء، حتى بات الانفجارُ انفجاراتٍ أسمعها في كلّ ثانية ويتردّد صداها كأداة تعذيبٍ لا تعرف الرحمة.

منذ ليل الرابع من آب، وأنا أتابعُ لحظة بلحظة مآسي آلاف اللبنانيين الذين باتوا مشرّدين، من دون سقف يأويهم، ومن دون أحلام… أتعبني صراخ أبنائي، ممّن تشوّهوا أو أصيبوا… وصرخات وجع الأمهات المتشحات بالسواد، والعائلات التي فقدت حبيبا أو صديقا، كما الباحثين عن أمل تحت الركام يعيد لهم الحياة… كلها تجعلني بالكاد أستطيع التقاط أنفاسي.

قبل ثلاث سنوات، أقسمتُ اليمين أن أكون أملكم بجمهورية سيّدة وقويّة، وعاهدتكم بتغيير لطالما حلمتم به، ينتشلكم من صومعة فساد أغرقت البلاد من رأسها حتى أخمص قدميها… وعدتكم بتغيير يطيح المافيات، وعدتكم بإصلاحات على مختلف الأصعدة، وعدتكم بفاتورة واحدة بدل الفاتورتين، من الكهرباء إلى المياه والاتصالات… وعدتكم فإذ بالوعد يبقى وعدا، وهو ليس بأمر خفيّ أفشيه.
غير أن الواقع الذي فرض نفسه اليوم بعد زلزال مرفأ بيروت، جعلني أخرج عن صمتي وأترك الساحة للاعتراف، فانا، ميشال عون، لن أرضى أن يكون رئيس الجمهورية مجرّد صورة… ولن أرضى ان يكتب التاريخ عن هزائم حلّت بعماد الجمهورية، وعن عجز أرفضه.

في الماضي خاطبتكم قائلا “يا شعب لبنان العظيم”، واليوم أعود وأكررها لأؤكد عليها، فشعب عايش الحروب الواحدة تلو الأخرى وظلّ متمسكا بالأمل بغد أفضل، هو شعب عظيم… والشعب الذي يعايش توالي أسوأ انهيارات قد يشهدها بلد على الإطلاق ويبقى متمسكا بحبّ أرضه، هو شعب عظيم، والشعب الذي تتدمّر عاصمته، فيهبّ من كل حدب وصوب ليشكل حلقة أمان لأترابه، هو أعظم شعوب العالم.
وانطلاقا مما تقدّم، لا بدّ من ان أقدم اعتذارا يستحقه هذا الشعب العظيم إزاء عدم متابعتي للوثائق التي وصلتني عن المواد الخطرة الموجودة في مرفأ بيروت، أنا الذي أدرك جيّدا مدى خطورتها، بصفتي قائدا سابقا للجيش، وقائدا حاليا للقوات المسلحة ورئيسا للجمهورية. كان بالإمكان تفادي كلّ ما حصل، والفكرة تقتلني منذ الثلاثاء المشؤوم.
لذلك، أرجو أن تقبلوا استقالتي من رئاسة الجمهورية، ليس هربا من السفينة الغارقة، إنما احتراما لشعبي العظيم، ورفضا لإبادة شعب جعل منّي ما أنا عليه اليوم، عسى أن يكون ما تقّدم بداية فصل غير مسبوق لأصول المحاسبة التي يستحقها هذا الوطن.
عشتم وعاش لبنان”.
ما تقدّم هو كتاب استقالة ننتظر من رئيس الجمهورية أن يتلوه انطلاقا من كلّ ما سبق ذكره، ولأن استقالة دمى الحكومة لا تكفينا، ولأن ما بعد 4 آب لن يكون كما قبله… فلتتغير القاعدة ولتبدأ المحاسبة من أعلى الهرم… احتراما لشعب لبنان العظيم ولأشلاء هذا الوطن.