قطاع السيارات في لبنان.. بين الركود والخسارة

يعاني قطاع بيع السيارات المستوردة الجديدة والمستعملة من الأزمة النقدية والاقتصادية الخانقة التي تضرب لبنان.

مساحات عدة على الطريق السريع الممتد على طول الساحل اللبناني البالغ 210 كيلومترات، أصبحت خالية بعدما كانت هناك معارض مكشوفة لبيع السيارات المستوردة المستعملة، فيما صمد البعض الآخر من التجار في انتظار «شيء ما» يدركون انه لن يأتي قريبا.

كذلك الأمر بالنسبة الى الصالات الخاصة بوكلاء السيارات الجديدة، وفروعها المنتشرة في المناطق، اذ يمكن ملاحظة ركود للحركة فيها، وغياب لوجوه من الموظفين اعتاد قاصدو هذه الصالات رؤيتها، بعدما تعرضت الغالبية للصرف الوظيفي، فيما احتفظ الأشخاص الذين يتقاضون عمولات على المبيع دون رواتب شهرية ثابتة، بمواقعهم في الصالات.

ويقول حنا مدير إحدى الصالات الخاصة بشركة «كيا» الأكثر مبيعا في لبنان في 2018 و2019: «كأن الزمن توقف فجأة دون سابق إنذار. لا بيع، بسبب الخلاف على طريقة الدفع وغياب القروض المصرفية التي كانت تسهل حركة اللبنانيين الراغبين في الحصول على سيارات جديدة يستبدلون بها سياراتهم المستعملة. البيع متاح في شكل كبير لمن يريد الدفع نقدا بالدولار الأميركي، وهذا أمر متعذر في أيامنا هذه. في حين تقبل بعض الشركات الحصول على شيكات مصرفية، بعد رفع قيمة السيارة الى ما يوازي ضعف ثمنها، كسيارة «كيا بيكانتو» الصغيرة مثلا، التي يصل سعرها بالشيك المصرفي الى 19500 دولار، بدلا من 10 آلاف دولار نقدا».

تطول الشروحات وتكاد لا تختلف بين صالة عرض وأخرى، وتتوزع بين أسعار التأمين وقدرة الشركات على التغطية الشاملة للحوادث، وتعويض السرقات، وتتمحور الأحاديث حول ضرورة تسديد الثمن بالدولار الأميركي، حتى ولو كان عبر شيك مصرفي.

جانب آخر يتعلق بالسيارات المستوردة والمستعملة والمتاح إدخالها الى لبنان على ألا يتعدى تاريخ صنعها 8 أعوام، يشير إليه جوزف العامل في شركة تعنى بشحن السيارات في ميامي بولاية فلوريدا الأميركية، فيتحدث عن «غياب شبه كامل لشحن السيارات الى مرفأ بيروت، يخرقه من يرغب بنقل السيارات بالعبور الى العراق عن طريق البر». ويكشف ان عددا لا بأس به من المستوردين، سارعوا الى طلب تحويل سياراتهم أثناء نقلها بالبحر الى مرافئ أخرى، وبيعها بأقل من سعر الكلفة، لتحصيل أموال نقدية بدلا من وقوف السيارات طويلا في المعارض اللبنانية».

ويتداول مستوردو السيارات المستعملة أخبارا عن إقفال أكثر من 120 معرضا خاصا، علما ان البعض اتجه الى البيع بحسومات تصل الى 50% مقابل الحصول على دولارات نقدية، او القبول بشيكات مصرفية، او حتى بالعملة الوطنية للحد من خسائره.

المعلق التلفزيوني الذائع الصيت في عالم كرة السلة اللبنانية غياث ديبرا، الذي خبر مجال بيع السيارات مع شقيقه، تحدث لـ «الأنباء»، عن «انحسار كبير للاستيراد خصوصا للسيارات ذات الأسعار الشعبية. في حين يستمر عدد قليل من التجار في استيراد ما بات يطلق عليه اسم «السيارة الصائبة او المربحة»، كنوع رانج روفر طراز 2014، فيبيعونها مشترطين الحصول على نصف سعرها نقدا بالدولار الأميركي، والنصف الآخر بشيك مصرفي، مستفيدين من انخفاض سعر الجمرك الخاص بها نتيجة تراجع قيمة الليرة اللبنانية، فيحققون هامشا لا بأس به من الأرباح. الا ان الغالبية اختارت عدم المخاطرة، والاحتفاظ بالدولارات النقدية».

وكشف عن إقفاله أحد الفرعين الخاص بشركته، وعن «تدوير السيارات بين المعارض، وفق قدرة التجار على التصريف، بين من يهتم بتسديد ديون مصرفية خاصة به، او القادر على الوصول الى شريحة من الزبائن تستطيع تسديد قسم لا بأس به من ثمن السيارة نقدا».

وخلص الى القول: «ان القطاع يعاني، في غياب القدرة على تحويل الأموال من لبنان الى الخارج عبر المصارف، وعدم حصر هذه العمليات بما بات يعرف بالدولارات الطازجة، اي النقدية».

موضوع السيارات وتجديدها كل 5 او 6 سنوات ارتبط بنمط حياة اللبناني. والأخير يشعر اليوم ان شيئا ما تبدل ايضا في هذا المجال، مع الأمل ان يكون هذا التبديل مخالفا لشعار «الى غير رجعة».

الانباء – جويل رياشي