كتبت د. ليلى شمس الدين *
في أسبوع الأسرة ربما يقول البعض إنّني أغرّد خارج السرب، ولكن تستحضرني كما كل يوم عبارات تدور على ألسنة كُثُرٍ ممّن يحيطون بنا مهما اختلفت وتفاوتت فوارقهم الطبقية والاجتماعية والعلمية وهنا الأمر الملفت.
هل سمعتم يوماً بهذه المقولات التي سأوردها، أو بالأحرى هل شاهدتم تطبيقاً لها في الواقع الممارس على الأرض عندما يعتقد الأهل أنّهم يربّون أولادهم على حسن الاختيار من خلال التوجيه نحو السلوك الذي سيمنحهم الراحة وربما السعادة في حياتهم المستقبلية.
لمن سمع ورأى أو شهد على بعضها ولمن لم يخبرها يوماً، سأوجز بعضاً منها في هذه المساحة لأترك نافذة التبصّر لديكم مفتوحة على كل الاحتمالات: “خدها صغيرة بتربيها على إيديك، لازم تسمعي كلمة زوجك، لازم تعرفي كيف تسايري وتهدي باله، أكيد الحق عليكِ، لازم تتحملي، لازم تصبري، الأم ما الها غير ولادها وبيتها، لازم تربي بناتك يعرفوا يطبخوا ويغسلوا ويكووا وينضفوا كتير منيح ..لازم تكون ولازم تكون” ..
هذه اللوازم والمتطلّبات الملقاة على عاتق الفتاة والمرأة تكاد تخنقها في كثير من المواقع والأدوار التي نرسمها لها دون أن ننظر إلى حاجاتها ومتطلباتها وحتى رغباتها وإمكانياتها وقدراتها. ربما يقول قائل هنا، هو أمر مطلوب للشاب والفتاة على سواء، فلماذا التخصيص للفتاة؟
اسمحوا لي أن أخصّص للفتيات مساحة قليلة نظراً لحجم العنف الرمزي الملقى عليها من كل حدب وصوب، وإن كنت أتفق معكم بالتأكيد على أنّ نتيجة هذا المسار في اللوازم والمتطلّبات يحصده الشاب كما الفتاة، وتقع تبعاته عليهما معاً.
هنا سأحاول أن أطرح الأمور بموضوعية، وأعيد تصويب البوصلة لأقول: هل نعلم ونوقن أنّ الفتاة كائن حي كما الشاب لهما كامل الحقوق في اختيار مسارهم وفي تحديد نمط عيشهم، هل نعلم أنّ كل شخص في هذا العالم الواسع يجب أن يلقى جزاء عمله وخياراته وقراراته هو، لا جزاء توجيهاتنا التي تزجه وتدفعه قسراً إلى تنفيذ أدوار مستندة إلى إملاءاتنا وتوجيهاتنا ومعتقداتنا ورؤيتنا، لنلقي عليهم اللوم بعدها، أو لنتأسّف على ما آلت إليه طروحاتهم وسلوكياتهم متناسين أو غير مدركين انهم يحصدون ما زرعناه فيهم.
هل سألنا أنفسنا يوماً، أي نموذج نربي ونقدّم لهذه الحياة، أهو نموذج الإنسان التابع؟ أم الخانع؟ أم المطيع؟ أم القادر؟ أم المتسلّط؟ أم الضعيف؟ أم المنقاد أم غير ذلك. هل سألنا أنفسنا يوماً، إذا ما كان هناك فرق في إنتاج نماذجنا بين امرأة أو رجل. هل ندرك انّنا نحن من نربّي كلاهما على الشاكلة التي يتصرّف عليها، ونحصد جميعاً بعدها ثمار تربيتنا التي قدّمناها لهم عبر منازلنا ومؤسساتنا التربوية والإعلامية والثقافية في هذا العالم الواسع.
هل سألنا أنفسنا يوماً، كيف نطلب ممّن عملنا على مصادرة رأيه وقراره ورغبته وآماله أن يكون قادراً على إدارة أموره في علاقته مع الآخر بكل ما تحكمه هذه العلاقة من تعامل صحيح في إدارة المشاعر والمتطلبات الجسدية والنفسية والعاطفية والفكرية، وحب الذات كما الغير.
المسألة الأهم برأيي لبناء أسر متوازنة تتمحور حول قراءتنا الصحيحة للتصرفات الحقيقية التي تدور بين أصحاب العلاقة الفعليين، والتي ترسم صورة واقعية عن كيفية التأسيس لفهم الدور المأمول للتعامل مع المرأة او الرجل على حد سواء في مجتمعاتنا.
المشكلة الأساس تكمن إذاً في التربية، وفيمن يربي، وكيف يُمارس ويحدّد دوره وأدوار من يؤثّر عليهم ويتأثرون به. الامثلة على ذلك كثيرة وتحتاج بالطبع لبحث ونقاش مستفيضين في كل الميادين والاتجاهات الإنسانية والتربوية والنفسية والانفعالية والاعلامية والثقافية والفنية والجمالية لبلوغ اهدافنا، وهنا قد يكون مربط الفرس.
* باحثة في الانثروبولوجيا والإعلام وأستاذة جامعية