«الانفجار الأضخم والأكثر دمارا»، عبارة أجمع عليها المصورون أنور عمرو وعدنان الحاج علي وحسين بيضون، في وصفهم للكارثة التي حلت بمرفأ بيروت في 4 أغسطس، والتي أدرجت في خانة أضخم الكوارث التي عرفها العالم في العصر الحديث، منذ الحربين العالميتين الأولى والثانية.
تحدث المصوران عمرو والحاج علي لـ«الأنباء» عن دهشتهما لهول المأساة، وهما اللذان واظبا على تغطية حروب وحوادث، وتخطت تجربة أحدهما (عمرو) لبنان وصولا الى سورية والعراق، فيما استقرت التجربة الخارجية للحاج علي على تغطية أحداث رياضية كروية عربية وآسيوية ودولية.
أنور عمرو الذي يعمل مصورا لدى «وكالة فرانس برس» في مكتبها ببيروت، لخص «تجربة عمر في نصف ساعة كانت الأكثر ايلاما»، في إشارة الى نصف الساعة الأولى التي أمضاها في مرفأ بيروت، وهو يسابق الوقت بين التقاط الصورة وبثها مباشرة الى مكتب الوكالة الاقليمي الرئيسي في قبرص، لوضعها على حساب الوكالة العالمي، وبين تخطي الشعور الإنساني برؤية الضحايا والمصابين.
ويختصر «جحيم انفجار مرفأ بيروت» بما رآه اثناء مغادرته حرم المرفأ، «من مشادة بين مصابين ورجال الصليب الأحمر اللبناني، الذين طلبوا وضع إحدى الجثث جانبا والإفساح في المجال لوضع جسد مصاب ونقله الى أحد المستشفيات، الأمر الذي لم يتقبله البعض».
غطى عمرو الحرب الأهلية اللبنانية في مختلف المناطق، وفي أمكنة عدة من العاصمة اللبنانية.
وحمل عدسته الى سورية وجال في مختلف مناطقها منذ اندلاع الحرب فيها، بعدما سبق له العمل في العراق. ويقول عمرو: «لم أر فداحة مماثلة لانفجار مرفأ بيروت».
ويروي اللحظات الأولى: «عندما سمعت دوي الانفجار الأول اثناء وجودي في مكتب الوكالة في الصنائع (الحمرا)، خرجت مسرعا مع دوي الانفجار الثاني وقبل الدوي الكبير المدمر، والتقطت ثلاث صور دفعة واحدة وأرسلتها عبر جهاز خاص من الطريق الى مكتب الوكالة في قبرص.
ركبت دراجة نارية خلف سائق وتوجهت الى برج المر مطاردا سحب الدخان. في الطريق من الواجهة البحرية لبيروت باتجاه المرفأ، رأينا امرأة تنزل من سيارتها بعدما أدى دوي الانفجار الى خروج كيس الهواء من المقود.
بادرتني مسرعة بالقول: لا تصورني. تركتها وبلغت المرفأ وتمكنت من الدخول رغم الطوق الأمني.
هناك، بدأت أرى الجثث والمصابين ورجال الانقاذ. عملت لنصف ساعة الى حين وصول زميل من المكتب، فكان علي الإسراع في إرسال المزيد من الصور الأولية، لذا كان علي العودة الى المكتب».
ختم عمرو كلامه: «من الصعوبة في ظرف كهذا وصف ما جرى بكلمات (…) لذا تبقى الصورة الفوتوغرافية وثيقة مهمة لتأريخ حدث بهذا الحجم وأرشفته».
اما المصور عدنان الحاج علي، الذي يعمل حاليا لحسابه، فله تجارب مهنية في أمكنة عدة بين الملاعب الرياضية والساحات اللبنانية.
غطى الحروب الاسرائيلية على لبنان، وكان طليعة الواصلين الى قانا بعد المجزرة الاسرائيلية في «عناقيد الغضب» في عدوان «أبريل 1996».
وعن انفجار المرفأ، يحكي لـ «الأنباء» ما جرى معه: «سمعت الدوي الكبير وأنا قرب العمارة حيث منزلي في حي الأميركان بمنطقة الحدت في ضاحية بيروت الجنوبية.
ركبت دراجتي ورحت ألحق بسحب الدخان معتقدا ان الانفجار ضرب منطقة مار مخايل (الضاحية) في مكان قريب من منزلي، حيث الكنيسة الشهيرة التي شكلت إحدى نقاط خطوط التماس بين شطري العاصمة.
الا انني مضيت في اتجاه أبعد ورأيت جرحى في الشياح وفي رأس النبع، ثم طالعتني أجساد شهداء عند جسر الرينغ فبدأت أعي فداحة ما جرى.
هناك تمكنت من تحديد موقع الانفجار في مرفأ بيروت، رغم ان البعض كان يردد على مسامعي ان مصدر الدوي «بيت الوسط» حيث يقيم الرئيس سعد الحريري.
قرب منزل بيت الكتائب المركزي في الصيفي على بعد أمتار من ساحة الشهداء، بدأت أتلمس حجم الكارثة. لم اتوقف، فقصدت مدخل المرفأ حيث وجدت عسكريا وحيدا مصابا بجروح.
دخلت بين النار والركام والجرحى والجثث الملقاة على الأرض. وجدت نفسي بين السفن المشتعلة حيث سارع البعض الى إنزال الناس والطواقم منها.
توقفت قليلا ووضعت الكاميرا جانبا وساعدت في نقل الجرحى عبر طرادات بحرية للدفاع المدني في الماء طلب طواقمها وضع المصابين الأشد خطورة تمهيدا لنقلهم بالبحر الى المستشفيات.
وبعدها وجدت نفسي مع مجموعة من الزملاء المصورين في منطقة منعزلة عن الخارج، ولم يعد بإمكاننا العودة الى الخلف. قرب اهراءات القمح، شاهدت فداحة الأضرار: بدا لي وكأن هناك خليج جديد في مرفأ بيروت.
وهنا شعرت بالضياع، اذ كان البعض يردد هنا حصل الانفجار، بينما أنا أرى البحر أمامي والسفن في طريقها الى الغرق. ألوان غريبة من النيران، وانا ألتقط الصور. بعد دقائق، حاصرتنا النيران، فاحتمينا بإحدى آليات الاطفاء.
شعرت بالخطر، وسألت نفسي: ماذا أفعل هنا؟ قد لا اتمكن من العودة الى منزلي وعائلتي. خرجت بعد ساعتين من مرفأ بيروت، وأنا على يقين أني لم ار شيئا مماثلا حتى في الأفلام السينمائية».
ينتقل الحاج علي «الى الناحية الأصعب في عملنا كمصورين ميدانيين، ذلك ان المصور هو إنسان قبل أي شيء، وفي ظروف مماثلة يتقدم الحس الإنساني على ما عداه. وأشكر الله على نجاتي من كل الحروب اثناء القيام بعملي.
وأقر بتسرعي في الدخول الى حرم مرفأ بيروت دون اتخاذ احتياطات مناسبة، وعزائي أني تحولت وقسم لا بأس به من زملائي الى مسعفين في أرض الميدان».
ثم يتحدث الحاج علي عن تعب وإرهاق نالا منه، وعن «نوع من الإحباط من جراء فقدان اصدقائي منازلهم، والانتقال الى مساكن مؤقتة».
عمرو والحاج علي بديا واثقين «من صعوبة إعادة الأعمار قبل وقت طويل»، وعن «غياب الصورة الحلوة التي اشتهرت بها بيروت في تلك البقعة، الى فترة لا تقاس بزمن».
اما المصور في صحيفة «العربي الجديد» حسين بيضون الذي كان يعمل من منزله في مار مخايل فرماه الانفجار من الشرفة حيث كان يحاول التقاط الصور، كون شرفته تتمتع باطلالة مميزة على المرفأ، الى داخل المنزل على بعد ستة امتار فوق الزجاج المحطم والركام. حمل جراحه وآلة التصوير ونزل الى شارع مار مخايل.
ويصف لـ«الأنباء» ما رآه بكلمة واحدة «جهنم». ويضيف: «فعلا كانت منطقة مار مخايل تبدو كجهنم: جثث مطروحة في الطرقات، صراخ، عويل، مصابون في السيارات… الناس تحاول الاتصال ببعضها البعض والتلفونات لا تلبي…»
وقد أظهرت صور بيضون فعلا واقع الخراب والدمار في مار مخايل والكرنتينا والجميزة وحال الاهالي فيها وهم يلملمون الركام وما تبقى من حيواتهم التي سحلت في دقائق.
الأنباء – جويل رياشي