استعاد البُعد السياسي في «العاصفة الكاملة» التي أَطْبَقَتْ على لبنان حضورَه في المشهد الداخلي المأخوذ بمحاولاتٍ لإيجاد علاجاتٍ «موْضعية» للأزمة المالية – الاقتصادية تُبْقي البلاد «في الخدمة» بما يتلاءم مع مقتضيات استمرار استرهانها للصراع المفتوح بين إيران والولايات المتحدة.
ومنذ أن أطلق البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي (الأحد) «طلب النجدة» من الدول الصديقة للبنان، داعياً الرئيس ميشال عون للعمل على «فكّ الحصار عن الشرعية والقرار الوطني الحرّ» والأمم المتّحدة «للعمل على تطبيق القرارات الدولية وإعادةِ تثبيتِ استقلالِ لبنان وإعلانِ حياده» مع التأكيد على «تموْضعه التاريخي»، لم تهدأ التحريات عن خفايا هذا «النداء البطريركي» الذي صوّب بوضوح على «حزب الله» والمسار الذي أرساه على قاعدة جرّ لبنان إلى مزيد الابتعاد عن محيطه العربي والمجتمع الدولي تحت شعار «شرقاً شرقاً» واتخاذه البلاد «درع حماية» من الضغوط المتعاظمة وآخِرها «قانون قيصر» الذي يُراد أن يلتفّ على عنق «المحور الإيراني» انطلاقاً من سورية.
ولم يكن أكثر تعبيراً عن الصدى الكبير الذي تركه موقف الراعي على المستوى العربي كما الدولي، من الزيارة التي قام بها السفير السعودي في بيروت وليد بخاري أمس للبطريرك الماروني في مقره الصيفي (الديمان – الشمال) حيث أشاد بالنداء الذي أطلقه، معتبراً أن «غبطته صوّب الأمور بكلامه وخصوصاً لجهة حياد لبنان والنأي بالنفس»، مشدداً على كلام الراعي «لناحية إعادة الثقة للأسرتين العربية والدولية بلبنان»، ومؤكداً «استعداد السعودية الدائم لدعم لبنان والوقوف إلى جانبه».
وفيما كانت زيارة بخاري تستقطب الأضواء، استوقف أوساطاً سياسية موقف لافت لوزير خارجية الفاتيكان رئيس الأساقفة الكاردينال بول ريتشارد غالاغر، لاقى ضمناً السقف الذي وضعه الراعي حيال التموْضع التاريخي للبنان، مؤكداً خلال استقباله وزير الخارجية اللبناني ناصيف حتي «وجوب الوقوف إلى جانب لبنان ومساعدته بأزمته الاقتصادية والاجتماعية والمالية»، مشدداً في الوقت نفسه على أن «على لبنان التحاور مع الولايات المتحدة وصندوق النقد الدولي والمجتمع الدولي لإيجاد المخارج اللازمة للأزمة الاقتصادية والمالية»، واعداً «بمساعدة لبنان وإيجاد الحلول المناسبة مع الشركاء الدوليين».
ولم يأتِ موقف المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى بعد اجتماعه برئاسة مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبداللطيف دريان بعيداً عن قرع «جرس الإنذار» حيال «الخطر الذي يهدد الكيان اللبناني واللبنانيين في حياتهم وأمنهم وكراماتهم»، مشدداً على أن «المسألة أصبحت مسألة مستقبل ومصير».
واعتبر المجلس في ما بدا رفْعاً للغطاء عن السلطة السياسية «أن عدم شعور السلطة بمسؤولياتها وتخلّيها عن القيام بمهماتها الأساسية تجاه شعبها الذي يقاسي شظف العيش يجعلنا نتساءل إذا كانت السلطة السياسية لا تزال قادرة على الاستمرار بتحمّل مسؤولياتها، في وقت تؤكد الوقائع والأحوال فقدانها لأبسط مقومات وجودها فضلاً عن خسارتها لثقة مواطنيها وثقة الداخل والخارج»، ولافتاً إلى «أن حجم الكارثة التي أصيبت بها البلاد يجعلنا نتساءل عما يدعو أولي الأمر إلى البقاء في السلطة، وهم لا يخفون عجزَهم عن تحمل مسؤولية قيادتهم للبلاد وعدم قدرتهم على الإنقاذ».
وجاء هذا الموقف المتقدّم فيما كان مجلس الوزراء منعقداً برئاسة عون في جلسةٍ كرّست مجرياتها، وفق الأوساط السياسية، لـ«تصفيح» الواقع الحكومي بـ«مقوياتٍ» شكّل «حزب الله» قوة الدفع الرئيسية لها وطوت حتى إشعار آخَر صفحة المسعى الذي لم يعمّر طويلاً لتغييرٍ حكومي.
وشهدت الجلسةُ الحكومية تعيينَ مجلس إدارة جديد لمؤسسة كهرباء لبنان من 6 أعضاء، فيما تم إرجاء بت مشروع قانون تعديل القانون 462 المتعلق بتنظيم قطاع الكهرباء بعد إبداء عدد من الوزراء مجموعة ملاحظات تتصل بالدور الذي سيُناط بالهيئة الناظمة واستقلاليتها التي تُعتبر إشارةً شَرْطية للمجتمع الدولي والاختبار الحقيقي لمدى جدية السلطة السياسية في إصلاح هذا القطاع. كما فضّل مجلس الوزراء إرجاء بت استقالة المدير العام لوزارة المال آلان بيفاني «لأن غيابه في هذا الوقت قد يكون له تأثير على المفاوضات مع صندوق النقد»، وكذلك جرى تأجيل ملف التدقيق المركّز في حسابات مصرف لبنان حتى الأسبوع المقبل ريثما يكون وصل التقرير الأمني حول شركتيْن مرشحتين ومدى وجود ارتباطات لهما بإسرائيل.
الراي