دخل اللبنانيون العد التنازلي لرفع الدعم المعتمد من الحكومة على سلع اساسية في يومياتهم، في طليعتها الوقود والمشتقات النفطية والأدوية والطحين وعدد من المواد الغذائية.
عد تنازلي تم التمهيد له بقوة من خلال وضع الناس أمام خيارين: المزيد من تدني القوة الشرائية للعملة الوطنية وتاليا الوصول الى الإفلاس التام، او الاستمرار في النزف بلا طائل وتأجيل المشكلة لفترة محدودة.
بين خيار رفع الدعم بالكامل، وترشيده، وهي كلمة جديدة اقتحمت اليوميات اللبنانية، لا يقدم أحد حلولا الى اللبنانيين. كل ما في الأمر وضع الناس أمام أمر واقع، وجعلهم يتقبلون على مضض التخلي عن بديهيات كانت متوافرة. بديهيات أفاد منها ذوو الطبقتين المتوسطة والغنية، في حين كان الفقراء يئنون تحت وطأة تقنين لقمة عيشهم. وها هي الدولة اليوم، تبشرهم بمزيد من الإجراءات القاسية، لتأمين استمرار حصولهم على ربطة خبز، مقابل التخلي عن إمكان نيل دواء بسعر مقبول، او الحصول على تيار كهربائي بفاتورة معقولة، وكذلك امتلاك حق التنقل بالسيارة الخصوصية، والذي سيصبح ترفا بعد قفز سعر صفيحة الوقود الى أرقام غير مسبوقة.
يدرك اللبنانيون ان الآتي من الأيام سيشهد مزيدا من القساوة، لكنهم يدركون ايضا انه لا مفر من المواجهة التي فرضت عليهم، مواجهة الاستسلام الى أمر واقع بدخول البلاد عهدا غير مسبوق في فقدان رفاهية كانت يوما في متناول البعض.
ولن يقتصر رفع الدعم، ولو ترشيدا في البداية عبر تقليص المنتجات المدعومة، او خفض نسبة الدعم، لن يقتصر على حد معين. ويدرك اللبنانيون انهم سيصحون على فقدان مواد مختلفة من مأكولات وغيرها، لعدم رغبة التجار في استيرادها.
كثيرون يتحدثون عن ان المشكلة لن تقتصر على الذين يفتقدون الأموال، بل ان الميسورين سيعانون فقدان مواد كانت مدرجة في يومياتهم. وتبقى الطامة الكبرى في تأقلم الغالبية مع الواقع الجديد في ضوء انفلات الأسعار. وباتت أسئلة عدة تطرح عن القدرة على تسديد اسعار الكهرباء بشقيها: الفاتورة العادية وتلك الخاصة باشتراك المولد. وتم تسريب نية الدولة خفض ساعات التغذية بالتيار الكهربائي، والتي تؤمن للمواطن دفع تعرفة أقل بكثير عن تلك المعتمدة في اشتراك المولد.
الشيء عينه بالنسبة الى أصناف تصنعها الأفران، عدا الخبز العربي، بعد كلام عن الاكتفاء بدعم الطحين الذي يستخدم في صناعة الرغيف اللبناني فقط، وترك الحبل على غاربه في بقية الأصناف من معجنات كالمناقيش والخبز الافرنجي والكعك والكرواسان وغيرها.
أما بالنسبة الى الوقود، فحدث ولا حرج، ذلك ان الكلام المروج حاليا يتناول تقليص نسبة الدعم بنسبة 40%. والشيء عينه بالنسبة الى الأدوية، بحصر الدعم بعدد قليل منها يعنى بالأمراض المزمنة.
وفي الشهر الأخير من السنة، يتندر اللبنانيون بفكاهات عن توديع المناقيش وأصناف اعتدوا تناولها، في انتظار سنة جديدة تحمل معها أسلوب حياة غير مسبوق في تاريخهم.
في المقابل، تحاول الدولة ممثلة بحكومة تصريف الأعمال التخفيف من وطأة الإجراءات القاسية، بتقديم مشاريع حلول، أبرزها تأمين بطاقة تموين للأسر المصنفة فقيرة. بطاقات مسبقة الدفع بالعملة الوطنية لا تتخطى قوتها الشرائية المئة دولار أميركي في أحسن الأحوال، وتتيح لأصحابها استخدامها لشراء مواد غذائية وتعبئة وقود بالحد الأدنى.
حل لا يبدو مقنعا، بل يأخذ الناس الى تشعبات هم في غنى عنها، خصوصا انهم اعتادوا إجراءات لا تنظم شؤونهم، بل تغرقهم في مزيد من الفوضى.
في العد التنازلي، مشاهدات يومية من السوبر ماركت عن نساء ورجال ينتظرون على صناديق الدفع عند بوابات الخروج من هذه المتاجر، موافقة الإدارة على شرائهم عدة علب من الزبدة المستوردة، أو كميات من أصناف أخرى كمساحيق التنظيف وأدوية الغسيل.
الشيء عينه يتكرر في الصيدليات ولو بشكل أخف، بعد انقطاع أصناف عدة من الأدوية، ونيلها من قبل الزبائن الحصريين للصيدليات وبكميات قليلة.
العدوى وصلت الى أمور أخرى، مع صعوبة إنجاز أشغال خشبية في النجارة، لافتقاد التجار بضائع مستوردة من الخارج، وقصر الأمر على ما هو متوافر في المستودعات، وتتكرر الحكاية في مستلزمات أخرى.
أيام صعبة قاسية في طريقها الى يوميات اللبنانيين، ضمن سلسلة لن تعرف نهاية في المدى المنظور، وهذا أمر غير مستغرب، ذلك أننا نتحدث عن انهيار دولة، لم تكن في الأساس تملك المقومات الأساسية من بنى تحتية واقتصاد متين.
الأنباء – جويل رياشي
هذا الخبر بين رفع الدعم أو ترشيده: «العترة» على اللبنانيين ظهر أولاً في Cedar News.