رأى الرئيس فؤاد السنيورة في حوار أجرته معه قناة “الحدث”، أن هناك “الكثير من القواسم المشتركة في المشكلات المتفاقمة التي يعاني منها لبنان والعراق”، وقال: “في لبنان الامر ناتج من تلك السيطرة الشديدة التي يمارسها حزب الله على الدولة، وفي العراق ما يمارسه الحشد الشعبي من تسلط على الدولة، وهذان الحزبان المسلحان يتلقيان تعليماتهما من خلال قبضة حديدية تمارسها إيران على كل منهما، وبالتالي يتم اختطاف الدولة اللبنانية وكذلك الدولة العراقية من قبل الدولة الإيرانية”.
وردا على سؤال عما قاله رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بأن هناك من يطلق ويروج الشائعات لنشر روح اليأس والاستسلام في لبنان، ومن يجول في العالم لحض الدول على عدم مساعدة لبنان، قال: “أستغرب بل أستهجن ما قاله فخامة الرئيس، وقد سبقه الى ذات القول، وذلك الادعاء والاتهام الباطل، رئيس الحكومة حسان دياب، وكذلك رئيس التيار الوطني الحر السيد جبران باسيل صهر الرئيس، قبل عدة أيام. وهما يقومان باتهام عناصر بعينها بأنها تبث الشائعات وتحاول ان تحرض العالم على لبنان وتمنع عنه المساعدة”.
أضاف: “المشكلة في هذا الكلام ان رئيس الجمهورية يبدو وكأنه يستخف بعقول اللبنانيين وبعقول المجتمعين العربي والدولي، لا بل يستغبي هذه العقول ويظهر قناعته بأنه يمكن أن تنطلي عليها تلك الاتهامات. فما قاله ويقوله فخامة الرئيس ليس أمرا عابرا بل امر يعني جميع اللبنانيين الذين يدركون ما أصبح عليه وضع لبنان من سوء ومخاطر، وهو وضع يدركه الأشقاء وكذلك الأصدقاء في العالم. ولدى هؤلاء جميعا صورة واضحة عن مدى الارتباك وعدم الرؤية وفقدان التبصر، وانعدام الإرادة على اتخاذ القرارات الصحيحة لإخراج لبنان من أزماته المتفاقمة، ولا سيما أن اللبنانيين وجميع الأشقاء والأصدقاء لم يتركوا مناسبة الا وبينوا للمسؤولين اللبنانيين أهمية التوقف عن الاستعصاء، وأوضحوا لهم المخاطر التي تنجم عن الاستمرار في الامتناع عن القيام بالإصلاحات. لا بل فقد حذروا المسؤولين اللبنانيين من تداعيات الاستمرار في محاولات حرف انتباه اللبنانيين عن حقيقة تلك المشكلات المتفاقمة، وذلك بتوجيه الاتهامات الباطلة بالادعاء ان هناك من يقوم بالتحريض على الدولة اللبنانية وعلى اللبنانيين”.
وتابع: “إن آخر إثبات على زيف هذه الادعاءات كان في مضمون تلك الزيارة الأخيرة التي قام بها وزير الخارجية الفرنسي، والذي عاد ليؤكد من جديد حاجة اللبنانيين ولبنان إلى الخروج من هذه الادعاءات العبثية والعودة إلى سلوك الطريق الصحيح نحو الإصلاح، وبأن لا جدوى من الاستمرار في الإنكار والمكابرة والتمنع عن القيام بالإصلاح”.
وعمن يتهمهم رئيس الجمهورية، قال الرئيس السنيورة: “أعتقد ان رئيس الجمهورية يحاول اتهام الآخرين، وهو يعني بذلك من كان يقصدهم بأنهم يتجنبون تحمل المسؤولية في وقت أصبحت فيه البلاد بحاجة ماسة إلى من يتحمل المسؤولية لإخراج لبنان من أزماته ويعني بذلك بعض رؤساء الحكومة السابقين”.
أضاف: “المشكلة تكمن في تصرف رئيس الجمهورية وفي استعصائه عن القيام بالإصلاحات، وهذا امر ليس جديدا، فقد تولى المسؤولون في التيار الوطني الحر وهو الحزب الذي أسسه ويرعاه رئيس الجمهورية، المسؤوليات الحكومية بشكل أساس وفعال قبل أكثر من اثني عشر عاما، وكانوا المسؤولين عن التدهور الحاصل خلال العقد الماضي، وها هم الآن، هم أنفسهم، موجودون في السلطة ويمسكون بجميع مرافقها ومن كافة الجوانب ويحاولون ان يجدوا الاعذار والمبررات لعدم تمكنهم من تحقيق أي نتائج أو إنجازات. كما أنهم يحاولون الآن أن يصوبوا على اشخاص بعينهم لتوجيه الاتهامات وللاستمرار في حرف الانتباه والتعمية على اللبنانيين بشأن حقيقة وجوهر المشكلات التي يعاني منها لبنان واللبنانيون. لذلك، هم يصوبون الآن على رؤساء الحكومة السابقين الذين لم يقبلوا ان يتحملوا المسؤولية، ليس لأنهم يتهربون من تحملها ولكن لأن هناك من يختطف الدولة اللبنانية ويحول دون ان تتمكن الحكومة، أي حكومة بغض النظر عمن يكون رئيسها، من اتخاذ القرارات الصحيحة لإنقاذ لبنان. وها هو رئيس الحكومة الحالي لا يريد ولا يستطيع أن يقوم بدوره فهو ممنوع عليه ان يقوم بذلك. هذه هي المشكلة الحقيقية، لذا فإن الكلام الذي وجهه فخامة الرئيس وقصد منه إلصاق الاتهامات جزافا واستغباء اللبنانيين والأشقاء والأصدقاء في العالم، ظانا أن اللبنانيين والمجتمعين العربي والدولي غير مدركين لأساس وجوهر المشكلات التي يعاني منها لبنان”.
وتابع: “الحقيقة أصبحت واضحة امام العيان، إذ ما من مسؤول عربي أو غير عربي إلا وعبر عن رأيه وبشكل صريح، والنصيحة هي باختصار: قبل ان تطلبوا من الآخرين المساعدة عليكم المبادرة إلى مساعدة أنفسكم”. لقد شهد اللبنانيون قبل ذلك زيارة مسؤولين من دول شقيقة وصديقة مثل المستشارة الألمانية مركل ووزير الخارجية الفرنسية وغيرهم، والكثيرون نصحوا وطالبوا الحكومة اللبنانية بأن تتبصر وترى ما عليها القيام به من مبادرات إصلاحية، وأصروا على رئيس الجمهورية التوقف عن هذا الاستعصاء. وهؤلاء جميعا ما زالوا مستمرين بتوجيه هذه النصائح إلى فخامة الرئيس والحكومة اللبنانية ولكن “على من تقرأ مزاميرك يا داود”.
وقال: “المشكلة أن رئيس للجمهورية ما زال يستعصي عن دعم جهود الإصلاح الحقيقي في لبنان، وهو منشغل بهم أساسي وحيد لا يرى في غيره ما يشغل باله، ألا وهو كيفية إيصال صهره جبران باسيل إلى موقع رئاسة الجمهورية في الانتخابات المقبلة. ومن جهة أخرى، هناك حزب الله الذي يسيطر على الدولة ويتحكم بقرارات الحكومة وبمواقف رئيس الجمهورية لقاء ما يحصل عليه الحزب من دعم له في سيطرته على الدولة اللبنانية من رئيس الجمهورية والأحزاب الموالية لهما. وهنا تظهر الحقيقة لجهة تعاون الحزب ورئيس الجمهورية من أجل إحكام السيطرة على لبنان، وبالتالي يمكن فهم حقيقة المشكلة التي يعاني منها لبنان وكيف يتعامل معها رئيس الجمهورية، وكيف يعاند ويكابر ويتقاعس عن دعم مسيرة القيام بالإصلاحات المطلوبة. لذلك، يمكن فهم ما يجري، فهناك محاولات لحرف انتباه اللبنانيين وإيجاد التبريرات لعدم اقتراح الحلول العملية للمشكلات العميقة التي يعاني منها لبنان”.
أضاف: “يمكن إدراك أسباب إصرار رئيس الجمهورية على إبقاء سلطة السياسيين على القضاء اللبناني، فنرى كيف أنه ما زال يمتنع عن التوقيع على مرسوم إقرار التشكيلات القضائية التي أقرها وعاد وأكد عليها مجلس القضاء الأعلى. وهذا قرار وبحسب القانون اللبناني الصادر في هذا الشأن، فإنه ينبغي على رئيس الحكومة وعلى رئيس الجمهورية أن يوقعا على هذا المرسوم وهو ما يؤكد ويثبت استقلالية القضاء اللبناني عن التدخلات السياسية والزبائنية. وهنا يجدر التساؤل: هل توقيع مرسوم التشكيلات القضائية يحتاج الى موافقة مجلس الامن؟ إن رئيس الجمهورية لا يزال يستعصي عن توقيعه. وهل إجراء الإصلاحات في قطاع الكهرباء يحتاج الى موافقة رئيس الولايات المتحدة ورئيس الاتحاد الروسي حتى يستمر رئيس الجمهورية بالاستعصاء عن دعم إقرار تلك الإصلاحات، أم ان إعادة الاعتبار للكفاءة والجدارة في تحمل المسؤوليات في الإدارة اللبنانية بحاجة الى موافقة الجمعية العمومية للأمم المتحدة؟ ما هذا الاستعصاء الذي أصبح يدمر الدولة ولقمة عيش اللبنانيين. هناك استعصاء وامتناع عن القيام بهذه الإصلاحات، ولم يعد ينفع استمرار هذا الاستغباء والاستخفاف بعقول اللبنانيين وعقول الاشقاء والأصدقاء”.
وتابع: “المصيبة أن لبنان أصبح في حالة سقوط حر أو ما يسمى free fall، أي سقوط بدون أي ضوابط وبدون أي شبكات أمان. هذا الامر أصبح واضحا، والمشكلة ليست كما يحلو لرئيس الجمهورية والحكومة أنها عند الأصدقاء والاشقاء الذين ملوا وسئموا من اسداء النصح إلى المسؤولين في لبنان من أجل حضهم على القيام بالإصلاحات بل هي بالفعل عند اولي الشأن في لبنان، عند رئيس الجمهورية وعند رئيس الحكومة وعند عدد من السياسيين الذين يمشون في ركاب حزب الله ويتعاونون بين بعضهم البعض ويتبادلون المنافع في ما بينهم ويمتنعون عن القيام بالإصلاحات. لم يعد من الممكن تجهيل الفاعل أو محاولة رمي كرة النار باتهام رؤساء الحكومة السابقين”.
وقال: “ليت الامر يقتصر على ذلك، بل هو تعبير فاضح عن تجاهل خطير لدى رئيس الجمهورية والحكومة في فهم المتغيرات والتحولات الجارية في العالم. إن الجائحة التي اصابت دول العالم قاطبة، قد أصابت وعرضت جميع اقتصادات ومجتمعات العالم لمصاعب شديدة، فالعمالقة في دول العالم أصبحوا بنتيجة انعكاسات وتداعيات هذه الجائحة ضعافا، فكيف يكون حال الدول الضعيفة أصلا؟ في خضم هذا الوضع الخطير، المطلوب من رئيس الجمهورية ومن رئيس الحكومة التنبه والتبصر والعمل من اجل ضم الصفوف ومحاولة اعتماد الإصلاحات والعمل على تنفيذها لاستنهاض الشعب والاقتصاد، ودفع الأشقاء والأصدقاء إلى مساعدة لبنان. لكن هؤلاء الأشقاء والأصدقاء لن يقوموا بذلك طالما استمر لبنان غير جدير بتلك المساعدة بسبب الاستعصاء والتلكؤ وقلة التبصر. والأمر المحزن أن أولئك المسؤولين ما زالوا يستعصون، ولبنان الآن لللأسف، لا يظهر على شاشات رادار أي من هذه الدول الشقيقة والصديقة، واللبنانيون للأسف يبدوا أنهم لا يستحقون أي مساعدة من دول العالم، بسبب موقف كل من رئيس الجمهورية والحكومة بكونهما ما زالا مستعصين عن القيام بالإصلاحات ويؤيدهم حزب الله ويستمر في دعمهم وبما يخدم مصالحه في الهيمنة على لبنان. لذلك، وبنظري، لا يرجى من هؤلاء أي خير إذا لم تتغير المقاربات والذهنية والإرادة لدى أولئك المسؤولين”.
وعن خرق إسرائيل للقرار 1701 والتهديد الواضح الواضح من الجانب الإسرائيلي لـ”حزب الله”، قال الرئيس السنيورة: “ليكن واضحا أمام الجميع، إسرائيل هي العدو وتحاول القيام بالمستحيل من اجل ارباك لبنان وتعريضه للمخاطر. لكن المؤسف أن ما يجري الآن هو أن حزب الله يعطي إسرائيل الذرائع والمبررات لتقوم بالانتهاكات للقرار 1701. مثلا، خلال الأسبوع الماضي، عاش لبنان وما يزال، أجواء متشنجة مخافة اندلاع اشتباكات أو حروب مع إسرائيل، لماذا؟ لقد كان هناك قصف إسرائيلي على منطقة في سوريا سقط نتيجتها بعض العناصر من التابعية الإيرانية، وكان أحدهم عنصر من حزب الله موجود في سوريا بمهمة عسكرية. وكانت النتيجة ان حزب الله بدأ يهدد بالانتقام من لبنان وليس من سوريا”.
أضاف: “أعتقد ان المشكلة الأساس قد بدأت بتورط حزب الله عسكريا في سوريا، وها هو يحاول ان يقتص من إسرائيل عن طريق لبنان ويعرضه لمخاطر غير محسوبة. كيف نستطيع ان نبرر هذا الامر أمام اللبنانيين وأمام المجتمع الدولي؟ هناك أمر حصل في سوريا والآن حزب الله يريد أن يعرض لبنان واللبنانيين والمنشآت اللبنانية لهذا التهديد من إسرائيل، ونقول بعد ذلك ان إسرائيل هي التي تتسبب في ذلك. أقول ذلك دفاعا عن لبنان وهذا هو ما يهم اللبنانيين”.
وختم: “إسرائيل تقوم بهذا العمل المرفوض من قبل اللبنانيين -للأسف- بعد ان أعطاها حزب الله تلك الذرائع. نحن لا نريد ان نعطي إسرائيل الذرائع، فهي العدو، واللبنانيون مستمرون في موقفهم بمعاداتها انما لا يجوز ولا يمكن الاستمرار في تحميل لبنان ما لا يطيقه”.