يتخبط لبنان وحيدا تحت تأثير أزمات حياتية وأمنية وسياسية ساخنة، لم يسبق أن حصلت بمثل هذه القساوة من قبل كما قال رئيس اللقاء الديمقراطي النيابي تيمور جنبلاط أمام كوادر حزبه الأحد الماضي.
وبين خطاب الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله الذي حمل الإدارة الأميركية مسؤولية منع إدخال العملات الصعبة الى لبنان، ورد السفيرة الأميركية دوروثي شيا عليه، بقولها ان عدة مليارات أخذها الحزب من أمام الخزينة اللبنانية، صدر الحكم الغريب عن قاضي الأمور المستعجلة في مدينة صور الجنوبية محمد مازح، وقضى بمنع السفيرة من التصريح لوسائل الإعلام اللبنانية، ومنع هذه الوسائل نقل تصريحاتها، تحت طائلة فرض غرامة 200 الف دولار أميركي على المخالفين، من دون أن يحدد الغرامة بالليرة اللبنانية.
أشعل هذا الحكم موجة من ردود الفعل الشاجبة او المؤيدة له في آن. واعتبره البعض رسالة من حزب الله للإدارة الأميركية، لأن القاضي يعمل في منطقة نفوذ الحزب، وبدا متأثرا بمستوى الشحن الإعلامي ضد واشنطن في منطقته، علما أنه ليس للقاضي اختصاص مكاني للبت بدعوى من مواطنة قدمتها عبر البريد الإلكتروني في يوم عطلة رسمية، لأن السفارة تقع في منطقة عوكر في المتن، وصلاحية قاضي الأمور المستعجلة محصورة بالبت بقضايا شخصية دون القضايا العامة، ولا تنطبق على الدعوى صفة العجلة، إضافة الى عدم ثبوت الضرر الشخصي على المدعية ليكون لها صفة الادعاء على سفيرة أجنبية، لأن اتفاقية جنيف للعلاقات الديبلوماسية للعام 1961، منعت خضوع الديبلوماسيين للسلطات القضائية للدولة المضيفة، إلا في ملفات الإرث او التجارة او الخلافات العقارية وفق ما ورد من المادة 31 من الاتفاقية، ومنعت عنهم أي تدابير تنفيذية.
وعقابهم على مخالفة أصول عملهم الديبلوماسي محصور في الاستدعاء او التنبيه او إعلانهم أشخاصا غير مرغوب فيهم من قبل وزارة الخارجية على ما ورد في المادة 9 من اتفاقية جنيف.
من المؤكد أن منسوب التوتر والاحتقان مرتفع في لبنان، وهو الذي يساهم في حالة الجنون السياسي والإداري والقضائي والديبلوماسي والأمني، وكاد هذا الاختلال يتسبب في وقوع حرب أهلية خلال الأيام الماضية على خلفية الشتائم، وبسبب الاستعداد لفتح الطرقات بالقوة جنوب بيروت، رغم أن ظروف هذه الحرب غير متوافرة، ولا توجد بيئة سياسية حاضنة لها لا عند جمهور حزب الله ولا عند غيره، لكن القوى السياسية مجتمعة مطالبة بخفض منسوب هذا التوتر، لأنه قد يتفلت من الضوابط بأي لحظة، وسط حالة من الفقر والعوز التي تعاني منها شرائح واسعة من اللبنانيين ومن المقيمين على الأراضي اللبنانية.
حوار بعبدا الأخير زاد من حالة الانقسام، بينما كان يفترض أن يشكل مناسبة للتهدئة ولوضع النقاط على حروف الأزمة، وبيانه الختامي الذي لم يعرض على الطاولة كما أشار أحد الحاضرين، وحمل عوامل تفجير في فقرته الخامسة التي دعت الى تعديل دستوري غامض، إضافة لكون المستشار سليم جريصاتي هو الذي تلا البيان، وجريصاتي متهم بالتشجيع على خرق الدستور، وبالتدخل في شؤون القضاء وبارتكاب تجاوزات سياسية آخرها اتصاله بالسفيرة شيا مستنكرا حكم القاضي مازح من دون علم وزير الخارجية.
المخاوف تتزايد في لبنان من خطورة تفاقم الأزمة، لأن الفريق الحاكم يهرب من الاعتراف بمسؤوليته عن الفشل، بينما هذا الفريق ومعه حزب الله مطالب بتقديم تسهيلات سياسية لإنقاذ لبنان من الاختناق، وباتخاذ خطوات إصلاحية سريعة، مثل معالجة ملف الهدر بالكهرباء وعدم التدخل في شؤون القضاء، وتأكيد حياد لبنان والتزامه بقرارات الشرعيتين العربية والدولية، ومن ثم طلب النجدة من أشقائه وأصدقائه.
الانباء – ناصر زيدان